هناك نوع من الأخبار لا يمكن التعاطي معه إلا من باب السخرية، وآخر هذه الأخبار لقاء وفد من “حماس” مع بشار الأسد في دمشق. وقمّة السخرية هي القول إنّ الأسد ناقش مع الوفد “نتائج حوارات المصالحة” التي جرت بين الفصائل في الجزائر، وإنّه شدّد على أنّ “أهميّة حوارات الجزائر تأتي ممّا نتج عنها من وحدة الفلسطينيين”. فهل بعد هذا سخرية؟ الأسد الذي يحكم مربّعاً في دمشق، وتحت حماية إيران، وميليشيا حزب الله، يتحدّث عن حوار ووحدة، بينما السوريون مشرّدون في كلّ العالم.
لا أحد اليوم يصدّق “حماس”، ولا أحد يأخذ الأسد على محمل الجدّ، ولو بقي في الحكم سنوات، ولو اعترف به الجميع مجدّداً، ومن المهمّ ملاحظة أنّ قمّة الجزائر أرجأت قصة عودة النظام الأسدي إلى الجامعة العربية
وها هو الرئيس اللبناني يدعو إلى إعادة السوريين إلى سوريا من لبنان، وهو ما يذكّرنا بتعليق الدكتور محمد الرميحي، أستاذ علم الاجتماع الكويتي، الذي طالب بأن تكون عودة السوريين إلى بلادهم في مقابل انسحاب حزب الله كيلا يذهب السوريون إلى بلادهم ويقتلهم الحزب.
والسخرية لا تتوقّف عند هذا الحدّ، إذ يقول الأسد إنّه “على الرغم من الحرب التي تتعرّض لها سوريا فإنّها لم تُغيّر من مواقفها الداعمة للمقاومة”. ومن جهته، عبّر وفد “حماس” عن إشادته بدعم سورية لـ”المقاومة”، واعتبر أنّ “سورية هي العمق الاستراتيجي لفلسطين”.
ونقول سخرية لأنّ نظام الأسد نفسه تحت حماية إيران عبر ميليشيا حزب الله التي باركت منذ حين التطبيع التجاري مع إسرائيل عبر اتفاق الترسيم البحري الذي سيجعل الحزب حامياً لحدود إسرائيل البحرية.
وإمعاناً في السخرية يقول خليل الحية، عضو وفد “حماس” الذي التقى الأسد، إنّ “حماس” اتّخذت قرار العودة إلى دمشق “بمفردها”، لكنّها أعلمت بقرارها الدولَ التي لها علاقة بها، نافياً اعتراض أيّ دولة منها على هذا القرار “ومن بينها تركيا وقطر”.
معلومٌ الدور القطري بين “حماس” وإسرائيل، وتركيا نفسها استعادت كامل علاقاتها مع إسرائيل، من تبادل سفراء إلى تبادل تجاري، فعن أيّ مقاومة تتحدّث “حماس”؟ وعن أيّ مقاومة يتحدّث الأسد وهو لا يستطيع عبور سور قصره؟
لذا نحن أمام سخرية مطلقة، ويعرفها الجميع، ويبدو أنّ “حماس” التي أرادت “طيّ صفحة الماضي” مع الأسد لا تزال تعيش في الماضي تماماً، وتستخدم الأعذار الواهية نفسها والشعارات البالية.
لا أحد اليوم يصدّق “حماس”، ولا أحد يأخذ الأسد على محمل الجدّ، ولو بقي في الحكم سنوات، ولو اعترف به الجميع مجدّداً، ومن المهمّ ملاحظة أنّ قمّة الجزائر أرجأت قصة عودة النظام الأسدي إلى الجامعة العربية.
سوريا التي نعرف انتهت وستبقى كذلك في المستقبل المنظور. فالروس مشغولون إلى زمن غير معلوم، وإيران غير قادرة على إعادة إعمارها، وتواجه ورطة تدخّلها بالحرب في أوكرانيا واعتدائها على أوروبا. هذا عدا عن الورطة الداخلية لإيران التي تصارع لإخماد احتجاجات شعبية تدخل أسبوعها الخامس.
إقرأ أيضاً: “حماس” تتلو الندامة عند الأسد حارس معبد الجغرافيا
لا أحد يصدّق اليوم كذبة المقاومة والممانعة بعدما وافق أكبر الكاذبين في قصّة الممانعة حزب الله على الاتفاق اللبناني الإسرائيلي البحري، وبالتالي الشراكة اللبنانية الإسرائيلية. وعليه فإنّ قمّة “حماس” والأسد ما هي إلا قمّة خيال سياسيّ واهم.