أربعينيّة جمّول: المقاومة قبل أن يولد “الحزب”

مدة القراءة 6 د

في 16 أيلول قبل أربعين عاماً، أبصرت النور حركة مقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. في ذلك التاريخ، لم تكن هناك مقاومة ضدّ الاحتلال غير تلك الحركة التي حملت اسم “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” (جمّول). وخلال بضعة أعوام تمكّنت “جمّول” من إلحاق خسائر في صفوف الاحتلال تقدّر بأكثر من 300 قتيل. أمّا “حزب الله” الذي صار اليوم الوكيل الحصري للمقاومة، فلم تصل إنجازاته بعد 40 عاماً إلى ما وصلت إليه الجبهة. لكنّ المفارقة الكبرى في تاريخ هذا البلد أنّ الصيت اليوم هو للحزب، فيما صارت ذكرى الجبهة تمرّ مرور الكرام كأنّها حادث عابر.

في 16 أيلول قبل أربعين عاماً، أبصرت النور حركة مقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. في ذلك التاريخ، لم تكن هناك مقاومة ضدّ الاحتلال غير تلك الحركة التي حملت اسم “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” (جمّول)

البدايات الأولى

من القلائل الذين ما زالوا يُلفتون الانتباه إلى هذا التاريخ المنسيّ، الناشط السياسي والمقاوم سابقاً يوسف مرتضى الذي استعاد في مقال حمل عنوان “40 سنة على 16 أيلول 1982 كما عرفته وكما عشت بعض فصوله” كيف كان لبنان عموماً، وعاصمته خصوصاً، في منتصف شهر تموز من العام 1982. وكان قد مضى حوالى 40 يوماً على بداية اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي للبنان في 6 حزيران. يقول مرتضى: “كانت بيروت وضاحيتها الجنوبية عرضة لقصف عنيف من البحر والجوّ والبرّ. في ذلك الوقت، عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني بدعوة من الأمين العامّ جورج حاوي اجتماعاً حضره من تمكّن من الوصول من أعضائها في تلك الظروف الصعبة. عُقد الاجتماع في الطابق الخامس تحت الأرض في مبنى سينما “سارولا” في الحمرا. وفيه أطلق جورج حاوي مبادرته بضرورة تحويل تنظيم حزبه إلى مجموعات سرّيّة والبدء بالمقاومة خلف خطوط العدوّ، وحثّ الأحزاب والقوى الوطنية الأخرى على المشاركة ضمن تسمية موحّدة، اتُّفق لاحقاً على أن تكون جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. وفي حيثيّات هذا القرار للّجنة المركزية، “المقاومة الوطنية”، استباق لأيّ محاولة من البعض في الداخل والخارج لإعطاء المقاومة صبغة فئوية أو دينية تُفقدها مضمونها الوطني التحرّري”.

من التحرّكات الأولى للجبهة، التي أعلن عن انطلاقها بيان أصدره حاوي والأمين العامّ لمنظّمة العمل الشيوعي محسن إبراهيم، ذلك الذي كان فجر السادس عشر من أيلول، عندما دخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي وعملاء لها مخيّم صبرا (حيث نفّذت المجزرة المروّعة) ومخيم شاتيلا من جهة بئر حسن ومستشفى عكا، وحاول البعض منها التقدّم باتجاه طريق المطار القديمة في مقابل مستشفى الساحل وهم يطلبون من المواطنين عبر مكبّرات الصوت رفع الأعلام البيض على منازلهم، فتصدّت لهم مجموعة من الحزب الشيوعي بقيادة رضوان شريم ومجموعات أخرى من حركة “أمل” ومسلّحون من أبناء المنطقة وأمطروا آليّات العدوّ المتقدّمة بوابل من قدائف “ب 7” وطلقات من البنادق الرشّاشة وأوقعوا بينهم العديد من الإصابات ومنعوهم من التقدّم.

تحرير بيروت والجنوب

في 12 أيلول نفّذت “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” العملية الأولى عند صيدلية بسترس في بيروت فسقط فيها المقاومون جورج قصابلي ومحمد مغنيّة وقاسم الحجيري. وقضى أخيراً بعد معاناة مع المرض شريكهم في تلك العملية مازن عبود. وكرّت سبحة العمليات في بيروت حتى ليل 27 أيلول حين خرجت قوات الاحتلال من العاصمة بعدما تكبّدت خسائر كبيرة وهي تذيع عبر مكبّرات الصوت: “يا أهل بيروت، أوقفوا إطلاق النار، نحن سننسحب صباحاً”.

خلال بضعة أعوام تمكّنت “جمّول” من إلحاق خسائر في صفوف الاحتلال تقدّر بأكثر من 300 قتيل. أمّا “حزب الله” الذي صار اليوم الوكيل الحصري للمقاومة، فلم تصل إنجازاته بعد 40 عاماً إلى ما وصلت إليه الجبهة

وتوالت عمليات الجبهة حتى العام 1987 حتى اندحرت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى داخل ما كان يسمّى الشريط الحدودي.

قبل أعوام. أماط النائب السابق والقائد الميداني في “جمّول” الياس عطاالله اللثام عن أسرار الأعوام بين 1982 و1988، قائلاً: “كنّا نحو 20 مقاتلاً، نشكّل 7 مجموعات، إضافة إلى رُسل هم عبارة عن فتيات وفتيان تراوح أعمارهم بين 14 و15 عاماً، ساعدونا في مهمّات غير قتالية، كنقل الرسائل بيننا، لأنّ العمل كان يتميّز بالسرّية داخل مدينة محتلّة”.

أضاف: “ليلة 16 أيلول (يوم الإعلان عن انطلاق الجبهة) نَظرتُ إلى الشارع، فوجدت أنّه لم يعد من مجال لمحاربة إسرائيل، إذ امتلأت بيروت بالدبّابات، فخرجت إلى شارع مار الياس، فشاهدت آلاف الجنود يستلقون على الأرصفة بكامل عتادهم العسكري”.

ليلة 20 من الشهر نفسه، قرّر عطالله أنّه “إذا لم يكن من الموت بدّ، فمن العار أن تموت جباناً”، وتابع: “تحرّكت المجموعات ونفّذت أوّل عملية في بيروت بالقنابل اليدويّة، مستهدفةً مجموعة إسرائيلية كانت تتمركز أمام صيدلية بسترس (بداية شارع الحمرا في العاصمة)”.

وأردف: “حين سمعتهم (الإسرائيليين) ينادون: يا أهالي بيروت نحن منسحبون لا تطلقوا النار علينا، أحسست بشعور غريب، ولم أصدّق (…) إمّا نحن (المقاومة) سوبرمان، أو أنّهم كاذبون. جيش إسرائيلي ينسحب ويترجّى عدم إطلاق النار عليه؟

بعد العملية الأولى، تشكّل في المناطق ما عُرِف باسم المجموعات النائمة، التي انطلقت بوتيرة سريعة لتنفيذ العمليات التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من العاصمة يوم 27 أيلول 1982″.

وأضاف عطالله: “نفّذنا خلال الأشهر الستّة الأولى من الانسحاب الإسرائيلي من بيروت، عمليات عديدة بينها عملية رمزية في آخر نقطة حدودية لبنانية ساحلية في الناقورة، داخل الأراضي اللبنانية. وفي 5 شباط 1985 انسحبت إسرائيل من كلّ الجنوب إلى الشريط الحدودي، وبقيت في مدينة جزّين (الجنوبية)”.

اغتيال المقاومة الوطنية

وخلص عطالله إلى أنّ النظام السوري “مارس عبر استخباراته وحليفيه حزب الله وحركة أمل، تفريغ المقاومة اللبنانية من قياداتها وكوادرها بالاغتيال، لأنّها رفضت التحوّل إلى ورقة بيد المحور السوري – الإيراني”، معتبراً أنّ المقاومة مهمّة وليست مهنة، وأنّ حزب الله وظّف تضحيات الشعب اللبناني وحقّه في التحرير للدفاع عن نظام الأسد.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: لا لولاية الفقيه والأسد و”الحزب”

بعد شهادتَيْ مرتضى وعطالله، شهادة ثالثة من الدكتور محمد علي مقلّد الذي كتب الآتي: “مأساة جمّول أنّها ساهمت في تحرير الأرض لكنّها لم تتحرّر من ذكريات الحرب الأهليّة، لأنّ القيّمين على الاحتفال بها يوظّفونها في تغذية الانقسامات الداخلية ويصرّون على جعلها جزءاً من فريق الممانعة الخارجيّ الممتدّ من دمشق إلى طهران، والداخليّ المستولي على السلطة منذ اغتيال رفيق الحريري والمتّهم باغتيال مؤسّسها جورج حاوي”.

40 عاماً من تاريخ لبنان، حدث فيها الكثير وما يزال. من بين ما حدث أنّ اللبنانيّين لم يتأخّروا في بذل دمائهم دفاعاً عن ترابهم الوطني. لكن في الوقت نفسه، حدث وما يزال يحدث فرْض ذاكرةٍ تريد طمس وقائع كُتبت بالدماء.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…