الفشل اللبنانيّ فشل عراقيّ وسوريّ أيضاً

مدة القراءة 6 د

بانتخابات أو من دون انتخابات، يصعب عزل حال الانهيار في لبنان عن أحداث المنطقة. لا تزال المنطقة تعيش في ظلّ تفاعلات الزلزال العراقي الذي تسبّبت به إدارة جورج بوش الابن في العام 2003. وقتذاك سلّمت أميركا هذا البلد إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. في ضوء هذا الحدث المصيري على الصعيد الإقليمي، لم يعد سقوط لبنان، الذي يعاني من أزمة وجوديّة، حكراً عليه.

بات الفشل عنواناً يرفرف في سماء منطقة المشرق العربي كلّها.

لم يعد من مكان في المنطقة إلّا لكلمة واحدة هي كلمة الفشل. في أساس هذا الفشل غياب أيّ دولة عربيّة في منطقة المشرق، باستثناء المملكة الأردنيّة الهاشميّة. تمتلك المملكة حدّاً أدنى من التماسك الداخلي، وتستطيع القيادة السياسية فيها استيعاب موازين القوى الإقليميّة من جهة، وما يدور على صعيد العالم من جهة أخرى.

فقدت كلّ دولة من الدول المشرقيّة الثلاث، أي العراق وسوريا ولبنان، مقوّمات وجودها. لم يعُد العراق سوى مثال حيّ للدولة الفاشلة بكلّ المقاييس، خصوصاً بعدما استطاعت إيران التحكّم بها نتيجة الحرب الأميركية في العام 2003، وهي حرب خرج منها منتصر واحد هو “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي لم تعُد تعرف ما الذي عليها أن تفعله بانتصارها العراقي.

لم يعد الفشل اللبناني، الذي سيكشفه الواقع المتمثّل في الانتخابات النيابية التي أُجريت في يوم 15 أيّار الجاري، فشلاً يتيماً. إنّها انتخابات لم تغيّر شيئاً، بمقدار ما أنّها ستكشف أنّ فشل لبنان جزء من فشل على الصعيد الإقليمي

ليس ما يدلّ على مدى الفشل العراقي أكثر من العجز عن تشكيل حكومة جديدة، تخلف حكومة مصطفى الكاظمي، على الرغم من أنّ الانتخابات النيابيّة أُجريت في تشرين الأوّل الماضي. خسرت الأحزاب الموالية لإيران تلك الانتخابات. رفضت “الجمهوريّة الإسلاميّة” تقبّل الخسارة ورفضت دعوات الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر إلى تشكيل حكومة تضمّ تحالفاً حزبياً شيعياً – سنّيّاً – كرديّاً، مع وجود معارضة داخل مجلس النوّاب لهذه الحكومة. فرضت إيران جموداً سياسيّاً في العراق. لم يعُد من مكان في العراق إلّا لِما ترغب به إيران المرفوضة من أكثريّة الشعب العراقي.

بدل أن تستثمر إيران في علاقات حسن جوار مع العراق، استثمرت في الميليشيات المذهبيّة التابعة لها والتي تعمل تحت تسمية “الحشد الشعبي”. لم يكن لديها من هدف، بعد العام 2003، سوى الثأر من العراق والعراقيين غير مدركة أنّ مثل هذا الحقد على العراق والعراقيين سيرتدّ على “الجمهوريّة الإسلاميّة” نفسها التي لم تعد لديها قدرة على التحكّم بمجريات الأمور في البلد الجار. لا تدرك “الجمهوريّة الإسلاميّة” أن لا نموذج ناجحاً لديها، باستثناء إثارة الغرائز المذهبيّة، تستطيع تصديره إلى العراق الذي لم يعد معروفاً هل يمكن أن يخرج يوماً من الجمود السياسي الذي لا أفق له في المدى المنظور. في غياب أيّ انفراج من أيّ نوع يمكن أن يأمله العراقيون، ثمّة مخاوف حقيقية من انفجار داخلي في غياب القدرة على حلّ المشاكل الاجتماعية والحياتيّة في بلد يدخل خزينته، شهريّاً، مبلغ أحد عشر مليار دولار وأكثر من بيع النفط!

سيكون صعباً إعادة تركيب العراق بعدما تبيّن أنّ النظام القائم منذ العام 2003 لا يقلّ سوءاً عن نظام صدّام حسين الذي أدخل العراق في مغامرتَيْ الحرب مع إيران ثمّ احتلال الكويت، وهما مغامرتان لم يستطع الخروج منهما سالماً.

ليس النظام العراقي وحده من النوع غير القابل للحياة، فهناك النظام السوري أيضاً الذي يتكشّف إفلاسه يوماً بعد يوم. ليست الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس النظام بشّار الأسد لطهران، حيث التقى “المرشد” علي خامنئي، سوى تعبير عن هذا الإفلاس. يزداد الوضع الداخلي السوري سوءاً فيما تزداد إيران قوّة على الأرض السوريّة، على الرغم من الضربات الإسرائيليّة.

استفادت إيران إلى حدّ كبير، على الصعيد السوري، من غرق روسيا في الوحول الأوكرانيّة. لم يعد التوازن الذي كان قائماً بين طهران وموسكو موجوداً. سحبت روسيا، التي تبيّن أنّها تستطيع ممارسة الهمجية في سوريا من دون حسيب أو رقيب، قسماً من قوّاتها الموجودة في هذا البلد. فعلت ذلك بعدما اكتشفت أنّ الحرب الأوكرانيّة ليست نزهة، خصوصاً في ظلّ مقاومة حقيقية يبديها الأوكرانيون من جهة، ووقوف العالم الغربي في وجهها بحزم كبير، لم تكن تتوقّعه، من جهة أخرى.

ذهب بشّار الأسد إلى طهران من أجل إعادة تفعيل الخطّ الائتماني الإيراني الذي كان يسمح له بشراء نفط وغاز وتوفير موادّ غذائية للسوريّين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام. طلبت “الجمهوريّة الإسلاميّة” الكثير من أجل إعادة تفعيل الخطّ الائتماني مع النظام في سوريا… ولكن هل لديها مشروع سياسي لسوريا باستثناء تغيير طبيعة التركيبة الديموغرافيّة للبلد من وجهة نظر مذهبيّة والسيطرة في الوقت ذاته على موارده؟

هناك إفلاس سوري ليس بعده إفلاس على كلّ المستويات. باتت إيران تبتزّ النظام السوري الذي قام وجوده، أصلاً، منذ العام 1970 على لعبة الابتزاز. لا يتفوّق على هذا الإفلاس السوري سوى ذلك الذي يعاني منه لبنان الذي دخل بدوره العصر الإيراني وذلك منذ اغتيال رفيق الحريري في شباط 2005 في سياق الانطلاقة الجديدة للمشروع التوسّعي الإيراني، مباشرة بعد سقوط العراق.

لا يمكن عزل اغتيال رفيق الحريري بما هو زعيم سنّيّ ولبنانيّ يمتلك علاقات عربيّة ودوليّة عن الهجمة الإيرانيّة المتجدّدة على المنطقة التي بدأت مع سقوط بغداد. كان مطلوباً القضاء على لبنان. هذا ما حصل بالفعل. يؤكّد ذلك الحال التي بلغها البلد الذي تحوّل أرضاً طاردة لشعبها بعدما صار “حزب الله” يقرّر من هو رئيس جمهوريّة لبنان.

إقرأ أيضاً: في انتظار الحلقة الأخيرة من المسلسل الانقلابيّ

لم يعد الفشل اللبناني، الذي سيكشفه الواقع المتمثّل في الانتخابات النيابية التي أُجريت في يوم 15 أيّار الجاري، فشلاً يتيماً. إنّها انتخابات لم تغيّر شيئاً، بمقدار ما أنّها ستكشف أنّ فشل لبنان جزء من فشل على الصعيد الإقليمي. هناك ثلاث دول يبدو مصيرها على المحكّ. هناك منطقة تبدو مقبلة على تغييرات كبيرة في اتجاه الأسوأ طبعاً.

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…