إمّا اتفاق نووي وفق المسوّدة الأوروبية، وإمّا استمرار العقوبات إلى العام 2028. هذا ما أبلغه المبعوث الأميركيّ روبرت مالي للإيرانيين عبر نائب مسؤول السّياسة الخارجيّة في الاتحاد الأوروبيّ أنريكي مورا، الذي نقل الرسالة إلى رئيس الوفد الإيرانيّ علي باقري كنّي.
بحسب مصدر رسمي أميركيّ مُطّلع على أجواء الفريق المُفاوض، تُعتبر هذه الرسالة رسالة تحذيرٍ. وقال المصدر لـ”أساس” إنّ عدم إحياء الاتفاق قبل الانتخابات الأميركية النّصفيّة في تشرين الثّاني المُقبل، يعني أنّ طهران قد تبقى تحت مظلّة العقوبات الأميركيّة حتّى سنة 2028 في حال حسَم الجمهوريّون الانتخابات النصفية التي تُعتبَر أهمّ محطّة سياسيّة في الطّريق نحو الانتخابات الرّئاسيّة في 2024.
هكذا تكون المفاوضات النّوويّة بين إيران والولايات المُتحدة والمجموعة الدّوليّة 4+1 في فيينا قد دخَلَت نقطة الحسم النهائية: إمّا اتّفاق أو لا اتّفاق.
يمازح المصدر الأميركيّ قائلاً إنّ الإيرانيين لم يسبق لهم أن فاوضوا، في تاريخهم، بـ”نعم” أو “لا”. ويدعو الأوروبيّين إلى التنبّه إلى هذا التفصيل
يعتبر الأوروبيّون أنّهم “أدّوا قسطهم” المُتعلّق بتقريب وجهات النّظر بين واشنطن وطهران. يُريدُ الوسطاء الأوروبيون جواباً إيرانيّاً على مسوّدتهم المُقترحة في الجولة الأخيرة: إمّا نعم، فيطيرُ وزير الخارجيّة حسين أمير عبد اللهيان من طهران إلى فيينا ليُوقّع مع نظرائه على العودة إلى الاتفاق، وإمّا أن يكون الجواب الإيرانيّ مزيداً من المطالب، وهذا يعني أنّ الاتفاق قد يطيرُ إلى أجلٍ بعيدٍ غير مسمّى.
يمازح المصدر الأميركيّ قائلاً إنّ الإيرانيين لم يسبق لهم أن فاوضوا، في تاريخهم، بـ”نعم” أو “لا”. ويدعو الأوروبيّين إلى التنبّه إلى هذا التفصيل، وإلى الميل التاريخي الإيراني للتسويف والمماطلة وعلك المياه.
وعلى الرّغم من شرط المسوّدة أن يكون الجواب “نعم” أو “لا”، تتوقّع واشنطن أن يكون الجواب الإيرانيّ “خليطاً من التجاوب والمساومة على نقاطٍ أخرى”.
المسوّدة تنتظر خامنئي
مع عودة الوفد الإيرانيّ إلى طهران مساءَ الإثنيْن الماضي، حمَل كبير المُفاوضين علي باقري كنّي المُقترح الأوروبيّ إلى المجلس الأعلى للأمن القوميّ في إيران، على أن يدرسها ويضع ملاحظاته عليها قبل العودة إلى فيينا نهاية الأسبوع الجاري أو مطلع الأسبوع المُقبل. ويعني وصول المسوّدة إلى مجلس الأمن القوميّ أنّ المُقترحات الأوروبيّة والدّبلوماسيّة الإيرانيّة تنتظرُ جواباً من المُرشد الإيرانيّ علي خامنئي، الذي يُعتبر “الأمن القوميّ” تحت عباءته بالكامل.
إلى ذلك علمَ “أساس” من المصدر الأميركيّ أنّ مجلس الأمن القوميّ الإيرانيّ يريدُ أن تتضمّن المسوّدة الأوروبيّة كلاماً واضحاً و”حاسماً” حول مشكلة ما يُعرف بـ”المنشآت النّوويّة السّريّة”، باعتبارها اتّهاماً سياسيّاً “غير صحيح”.
يُضاف إلى ما سلف أنّ طهران تُريد نصّاً صريحاً أيضاً يتعلّق برفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة الرّئيس السّابق دونالد ترامب على طهران بُعيدَ الانسحاب من الاتفاق النّوويّ سنة 2018، دفعةً واحدة عند توقيع الاتفاق، وفي مُقدّمها تلك المرتبطة بنظام التبادل المالي “SWIFT”.
هذا وتنصّ المسوّدة الأوروبيّة على أنّ واشنطن سترفع العقوبات تدريجيّاً عن طهران عند عودة برنامجها النّوويّ إلى مستوى تخصيب اليورانيوم الذي ينصّ عليه اتفاق 2015 والبالغ 3.67%، وليسَ 20% و60% اللذين وصلت إليهما إيران في بعض مُفاعلاتها. إلا أنّ خامنئي لا يُمكن أن يقبل بهذه النّقطة، إذ يشترط رفع العقوبات بالتزامن مع التوقيع، مُقابل أن تعود طهران إلى التزاماتها النّوويّة.
لكن ماذا سيحصل إن لم تُجِب طهران بنعم أو لا؟
هُنا يكون مصير الاتفاق النّوويّ أمام سيناريوهيْن اثنين:
الأوّل: أن تشهد الجلسة المُقبلة مناقشة المطالب الإيرانيّة. وفي حال تلبيتها كما هي، تكون الجولة المُقبلة هي الأخيرة قبل توقيع الاتفاق.
الثّاني: أن يرفض الأوروبيّون الجواب الإيرانيّ، وأن يُصرّوا على الإجابة بـ”نعم أو لا”، وعليه تُعلن وفاة الاتفاق النّوويّ رسميّاً. وهُنا يُمكن القول إنّ اتّفاقاً لن يولد إلّا بعد 6 سنوات على أقلّ تقدير، أخذاً بعيْن الاعتبار حصول الجمهوريين على الأغلبيّة في الكونغرس، وعودتهم إلى البيت الأبيض في 2024، والوقت اللازم لكي تكون الإدارة الجديدة “جاهزة” للتفاوض، هذا إذا كانت تريد توقيع اتفاق مع إيران. وإذا رفضت فستنتظر إيران رئيساً جديداً في 2028.
يُراهن الأوروبيّون على الوضع الاقتصاديّ الضّاغط في بلاد فارس، وحاجة الملالي إلى دخول أسواق النّفط والغاز التي تشهد ارتفاعاً في الأسعار بسبب الحرب الرّوسيّة – الأوكرانيّة.
أمّا ملالي طهران فيُراهنون على الحاجة الأوروبيّة إلى النّفط والغاز، ويسعون إلى تحصيل المزيد من التنازلات من المُفاوضين الغربيّين في هذا الإطار.
لكن في عاصمة القرار واشنطن، ينقسُم فريق الرّئيس جو بايدن إلى رأيَيْن:
إقرأ أيضاً: أميركا لا تريد الحرب… العرب وإيران يربحون؟
الأوّل: يعتبر أنّ العودة إلى الاتفاق النّوويّ بالصّيغة الأوروبيّة المُقترحة يُمكن أن تمثّل إنجازاً يُسوّقه الدّيمقراطيّون في الانتخابات النّصفيّة تحت عنوان “نجاح الدّبلوماسيّة في منع إيران من تصنيع قنبلة نوويّة، وبالتّالي حماية إسرائيل”.
الثّاني: يعتبر أنّ العودة إلى الاتفاق النّوويّ من دون تسوية سائر الملفّات مثل النّظام الصّاروخي وشبكة الميليشيات ستكون مادّةً دسمةً للجمهوريين للتصويب على الحزب الدّيمقراطي على اعتبارها خسارة على صعيد السّياسة الخارجيّة، خصوصاً مع الكشف بشكلٍ رسميّ عن تخطيط إيران لاغتيال وزير الخارجيّة السّابق مايك بومبيو ومُستشار الأمن القوميّ الأسبق جون بولتون، وكلاهما من صقور الحزب الجمهوريّ.