ميشال عون يبحث عمّن يستكمل التدمير

مدة القراءة 5 د

ليس ما يثير القرف أكثر من إعراب رئيس الجمهوريّة ميشال عون، قبل وقت قصير من نهاية ولايته، عن أمله في أن يخلفه “رئيس إصلاحي يكمل ما بدأته”. واضح أنّ ميشال عون يعيش في عالم آخر. لا علاقة لهذا العالم لا بلبنان الحقيقي ولا باللبنانيّين ولا بمستقبل أبنائهم ولا بما عاناه المواطنون بسبب الارتكابات التي حصلت في ظلّ “العهد القويّ” الذي يتبيّن، كلّ يوم أكثر، أنّه ليس سوى “عهد حزب الله”.

ما الذي بدأه ميشال عون كي يبحث عمّن يكمل مهمّته؟ واضح أنّه أخذ على عاتقه الانتهاء من لبنان والمسيحيين فيه، على وجه الخصوص. مطلوب الآن رئيس جديد للجمهوريّة يستكمل المهمّة التي نذر ميشال عون نفسه من أجلها. إنّنا أمام شخص لا يحرّكه سوى الأحقاد، الأحقاد على النجاح والناجحين وعلى أهل السُنّة تحديداً.

في الأسابيع القليلة التي ما تزال تفصل عن رحيل ميشال عون وصهره جبران باسيل عن قصر بعبدا، يشاهد اللبنانيون بالعين المجرّدة فصلاً أخيراً من عملية التدمير الممنهجة لبيروت. يحدث ذلك في وقت تمرّ الذكرى السنوية الثانية لتفجير المرفأ وليس مَن يريد أن يعرف مَن تسبّب بتلك الجريمة. على العكس من ذلك، يوجد إصرار على الامتناع عن السير في أيّ تحقيق جدّيّ بعدما قطع رئيس الجمهوريّة باكراً الطريق على تحقيق دولي يقود إلى تحديد المسؤوليّات بدءاً بكشف مَن أتى بنيترات الأمونيوم إلى عنبر في مرفأ بيروت لتخزين هذه المادّة الخطرة فيه طوال سنوات.

في الأسابيع القليلة التي ما تزال تفصل عن رحيل ميشال عون وصهره جبران باسيل عن قصر بعبدا، يشاهد اللبنانيون بالعين المجرّدة فصلاً أخيراً من عملية التدمير الممنهجة لبيروت

قتلة رفيق الحريري

لولا المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، لَما تكشّف يوماً مَن قتل رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط من 2005 كخطوة أولى على طريق تدمير بيروت حجراً حجراً وقطاعاً قطاعاً وتحويلها إلى ما يشبه ضاحية فقيرة من ضواحي طهران.

لم يُشفِ ميشال عون والذين أتوا به إلى الرئاسة، وهم قتلة رفيق الحريري، ولا أحد غيرهم، غليلهم من بيروت بعد. يبدو الهدف واضحاً أكثر فأكثر مع مرور الأيّام. هناك رئيس للجمهوريّة لا يعرف شيئاً عن لبنان سخّر نفسه للانتقام من أهله ومن بيروت والبيارتة بالذات. لا يعرف رئيس الجمهوريّة معنى انهيار النظام المصرفي في لبنان. لا يعرف أنّه لم يعد في العالم مَن يأتمن مصرفاً لبنانياً على دولار واحد. لن يعرف يوماً، بكلّ تأكيد معنى إغلاق “مكتبة أنطوان” أبوابها في وسط بيروت. لم يذهب يوماً إلى “مكتبة أنطوان” ليسأل عن كتب مهمّة صدرت بالعربيّة أو الفرنسيّة أو الإنكليزيّة. يشبه ميشال عون إلى حدّ كبير الرئيس الأسبق إميل لحّود الذي كان يفرح عندما كان المنافقون يقولون له في مرحلة ما قبل اغتيال رفيق الحريري، أنّه صحيح أنّ وسط بيروت يعجّ باللبنانيين والعرب والأجانب… لكنّ الطبقات غير الأرضيّة في الأبنية المشيّدة حديثاً أو المرمّمة ما زالت خالية! كان يفرح بذلك. كان ذلك ما يريد سماعه.

الأكيد أنّ ميشال عون تفوّق على إميل لحود في حقده على بيروت. لا يعني إغلاق “مكتبة أنطوان” له شيئاً، مثلما لم يعنِ له شيئاً إغلاق فندق “بريستول” أبوابه. يتمنّى رئيس الجمهوريّة الذي يدّعي أنّه يعرف بيروت، في حين لم يعرف عنها شيئاً، مزيداً من الدمار للمدينة كي لا تقوم للبنان قيامة في يوم من الأيّام. هذا ما يفسّر تمنّيه مجيء “رئيس إصلاحي يكمل ما بدأته”.

عندما لا يكون في لبنان رئيس للجمهوريّة يعرف ولو قليل القليل عن بيروت وعن ثقافة الحياة أوّلاً، وعن الجامعات فيها وعن مكاتبها، يبدو ضرورياً إجراء تحقيق من نوع آخر من أجل معرفة ظروف وصول ميشال عون إلى قصر بعبدا.

ظروف وصول ميشال عون

لماذا كان كلّ هذا الإصرار لدى “حزب الله”، الذي أغلق مجلس النواب سنتين وخمسة أشهر، من أجل تأمين وصول الرجل إلى قصر بعبدا. نسي الحزب فجأة أنّ ميشال عون كان حليف صدّام حسين في الماضي. لم يكن حلفه مع صدّام سرّاً في أيّ وقت بين العامين 1988 و1990، عندما أقام للمرّة الأولى في قصر بعبدا بصفة كونه رئيساً لحكومة مؤقّتة لا مهمّة لها سوى انتخاب رئيس للجمهوريّة خلفاً للرئيس أمين الجميّل الذي انتهت ولايته في أيلول 1988؟

قد يأتي اليوم الذي تتوضّح فيه ظروف وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهوريّة برفقة صهره، صاحب إنجاز نشر العتمة في كلّ لبنان، وهو إنجاز مكمّل لثقافة الموت التي فرضها “حزب الله”. لكنّ الثابت أن ليس في لبنان مَن يستطيع القيام بما قام به ميشال عون. يشكّل ذلك سبباً كافياً لمحاولة معرفة الظروف التي صار فيها رئيساً، علماً أن لا شيء في تاريخه يوحي بأنّه يستطيع أن يكون أكثر من وسيلة مسيحية يستخدمها “حزب الله” في استكمال مشروعه الواضح. بالنسبة إلى الحزب، لبنان ليس أكثر من ورقة إيرانيّة في لعبة دوليّة وإقليميّة في غاية التعقيد.

إقرأ أيضاً: لبنان: “تقسيم الضرورة”!

ليس مضموناً معرفة لغز وصول ميشال عون إلى موقع رئيس الجمهوريّة. الأمر الأكيد أنّه نفّذ، أقلّه إلى الآن، كلّ بنود عقده مع “حزب الله”… مع حبّة مسك. الأمر الأكيد الآخر أنّ كميّة حقده على بيروت وأهلها وكلّ ما تمثّله من انتماء إلى ثقافة الحياة كانت بمثابة أوراق اعتماد ساعدته في الوصول إلى حيث وصل. على الرغم من ذلك، لا تزال هناك نقاط في حاجة إلى توضيح في ظلّ سؤال كبير: مَن عمل من أجل الانتهاء من بيروت بالطريقة التي انتهت بها؟ هل “حزب الله” وحده أم شركاء آخرون له يعرفون أنّ ميشال عون وجبران باسيل ضمانة لخراب لبنان وتهجير ما بقي من مسيحيّين منه… والسعي في الوقت ذاته إلى شرذمة أهل السُنّة؟

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…