بايدن للفلسطينيين: قضيتكم مسألة إسرائيلية داخلية فقط!

مدة القراءة 6 د

كما كان متوقّعاً، لم تغيّر زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتل أبيب وبيت لحم، ولقاؤه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، شيئاً في واقع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ولم تمنح أفقاً سياسياً جديداً لعملية السلام المجمّدة منذ فترة.

على العكس، فقد احتضن الرئيس الأميركي بايدن رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد بدفء بالغ، ووقّع معه على وثيقة “إعلان القدس” التي رفضت فيها الحكومة الإسرائيلية الالتزام بحلّ الدولتين، فيما أعلنت واشنطن مساندتها لها في محاربة “المقاطعة الدولية” ومحاولات نزع الشرعية عنها، وفي مواجهة الدعاوى المقامة ضدّها في المحكمة الجنائية الدولية. وبدت جيبة بايدن خاوية من أيّ حلّ سياسي، وقد بدا كلامه عن حلّ الدولتين كما لو أنّه “موسيقى”، حسب تعبير الوزير الإسرائيلي السابق يوسي بيلين، أي أنّه بلا معنى أو مضمون.

لم يخفِ رئيس الحكومة يائير لابيد وكبار الوزراء ارتياحهم لنتائج زيارة بايدن لتل أبيب وبيت لحم. وذكرت صحيفة “هآرتس” أنّ القادة الإسرائيليين عبّروا عن رضاهم عن نتائج زيارة بايدن في ما يخصّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

حذّر الجانب الفلسطيني على لسان الرئيس محمود عباس، خلال مؤتمر مشترك مع الرئيس بايدن، من “أنّ فرصة حلّ الدولتين على حدود 1967 قد تكون متاحة اليوم، وقد لا تبقى لوقت طويل”، مشدّداً على أنّ “السلام يبدأ من فلسطين والقدس”.

ولم يكن أمام الرئيس عباس إلا أن يكرّر في حضرة الرئيس الأميركي المطالب العادلة للشعب الفلسطيني، التي تتضمّن إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف الفصل العنصري والأبارتهايد والأعمال الأحاديّة التي تقوّض حلّ الدولتين، ووقف الاستيطان وعنف المستوطنين، وطبعاً مطلب محاسبة قتلة الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، ولو من باب الاحتجاج على الدور الأميركي في إغلاق الملف.

كان من السهل على الكاميرات التقاط ملامح الوجوم على وجه عباس عقب لقائه الرئيس الأميركي، بسبب النتائج المتواضعة التي تمخّض عنها اللقاء. فالدبلوماسية التي تعامل بها بايدن مع القيادة الفلسطينية، خلال زيارته لبيت لحم، والتي عادة ما ميّزت الرؤساء الديمقراطيين، لم تغيّر من واقع الحال الذي تبلور في عهد جورج بوش الابن، وترسّخ في عهد دونالد ترامب، والذي محوره التوقّف عن التعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها القضية السياسية الكبرى، والانتقال إلى اعتبارها قضية إسرائيلية داخلية، وهو ما يعني التسليم بالاحتلال الإسرائيلي، والاكتفاء بالعمل على تحسين الملف الاقتصادي والمعيشي والصحّي للفلسطينيين، أي تحويلها من قضية سياسية إلى قضية اقتصادية.

بيانان في بيت لحم

في هذا الإطار، أعلن الرئيس بايدن أثناء زيارته لمستشفى المُطّلع “أوغستا فيكتوريا” في القدس الشرقية، بحضور الرئيس عباس وغياب كامل للمسؤولين الإسرائيليين، عن نيّته تقديم مساهمة أميركية جديدة على مدى سنوات تصل إلى 100 مليون دولار لشبكة مستشفيات القدس الشرقية.

أعلن الرئيس بايدن أيضاً إعطاء مبلغ 201 مليون دولار إضافية لـ”الأونروا”، التي هي بمنزلة شريان حياة للّاجئين الفلسطينيين في الضفّة الغربية وغزّة والأردن ولبنان وسورية.

وبسبب خلافات بين الجانبين حول “المضامين واللغة والسياسة”، لم يصدر بيان مشترك فلسطيني – أميركي في أعقاب لقاء عباس – بايدن. وأحد الأمثلة على ذلك كان إصرار الجانب الفلسطيني على تضمين البيان المشترك أنّ القدس الشرقية هي عاصمة فلسطين، بينما كان الجانب الأميركي يريد الحديث عن تأييده لأن تكون عاصمة فلسطين في القدس الشرقية، وهذا يعني أنّها يمكن أن تكون في ضواحي القدس وفي أحياء مثل أبو ديس. وهذا ما دفع إلى صدور بيانين منفصلين، أحدهما أميركي والآخر فلسطيني، وتحدّث البيان الأميركي عن تأييد الرئيس بايدن لحلّ الدولتين والتزامه به، لكن من دون طرح خارطة طريق. وشدّد البيان على أنّ الشعب الفلسطيني يستحقّ أن يعيش حياة كريمة، وأن يتمتّع بفرصة التنقّل والسفر بحرّيّة.

 

لم يخفِ رئيس الحكومة يائير لابيد وكبار الوزراء ارتياحهم لنتائج زيارة بايدن لتل أبيب وبيت لحم. وذكرت صحيفة “هآرتس” أنّ القادة الإسرائيليين عبّروا عن رضاهم عن نتائج زيارة بايدن في ما يخصّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: “إذ امتنع بايدن عن طرح مطالب على إسرائيل  في ما يتعلّق بالفلسطينيين، فلم يطلب تجميد البناء في المستوطنات، ولم يحاول إطلاق تصريحات سياسية حسّاسة، حتى إنّه لم يطرح قضية إطلاق النار على الصحافية شيرين أبو عاقلة خلال لقائه على انفراد مع لابيد”.

مطار ومعبر… بدل “الجنائية”

ادّعى لابيد، كما جاء في صحيفة “هآرتس”، أنّ التركيبة السياسية في إسرائيل، حيث الأغلبية يمينية ولا يمكن تشكيل حكومة من دون أحزاب يمينية ترفض قيام دولة فلسطينية، لا تسمح بتقدّم نحو حلّ الدولتين. وبدلاً من ذلك، تعهّد لابيد وبايدن بدفع “مبادرات تعزّز الاقتصاد الفلسطيني وجودة حياة الفلسطينيين”، مع بقائهم تحت الاحتلال.

قناة “كان” الإسرائيلية أعلنت أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تدرس إمكانية توفير ما تصفه بـ”معبر آمن” للفلسطينيين، وفتح مطار رامون في النقب للرحلات الجوّية أمام الفلسطينيين، مقابل تنازل السلطة الفلسطينية عن الدعاوى القضائية ضدّ إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وأفادت القناة بأنّ وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس يؤيّد هذه المبادرة.

ترافقت الزيارة مع مطالبة ورثة المالكين الأصليين، ومنهم مواطنون أميركيون وفلسطينيون من سكان القدس الشرقية، بالإلغاء الفوري لمخطّط السفارة الأميركية في القدس، وأوضح ورثة المالكين الأصليين في بيان لهم أنّ “الأرض المزمع بناء المجمع الدبلوماسي الأميركي عليها، مسجّلة باسم دولة إسرائيل، بينما تمّت مصادرتها بشكل غير قانوني من لاجئين ومُهجّرين فلسطينيين، وذلك باستخدام قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي لعام 1950”.

إقرأ أيضاً: بايدن: آخر الرؤساء الصهاينة؟

ختاماً، واتّباعاً لسياسة “نحن هنا”، أطلقت فصائل المقاومة في غزّة صاروخين في اتجاه مستوطنات غلاف غزة على هامش زيارة بايدن، وردّت عليها إسرائيل بشنّ عدّة غارات جويّة على مواقع قالت إنّها تابعة لحركة حماس. في هذا الإطار، كان جهاز المخابرات المصري قد أجرى اتصالات مع قيادة حركة حماس عشيّة زيارة بايدن، ونقل رغبته في ألّا يصاحب الزيارة أيّ تصعيد عسكري أو أمنيّ في الضفة وغزّة، لأنّ من شأن ذلك التسبّب بانعكاسات سلبية على التسهيلات الاقتصادية والمالية الممنوحة لغزّة وحركة حماس.

*كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

سليمان فرنجيّة: شريك في رئاسة “قويّة”

من يعرفه من أهل السياسة أو من أهل الوسط يصفونه بفروسيّته ربطاً بأنّه يثبت على مبدئه مهما طال الزمن ومهما تقلّبت الظروف. سليمان فرنجية الحفيد…

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…