عادت فكرة تفعيل الحزب السياسي المنبثق عن الجماعة الإسلامية إلى واجهة النقاش في الأوساط القيادية للجماعة، مع ما يرافق ذلك من تساؤلات وهواجس وما يحمل هذا الخيار من احتمالات وتأثيرات على جسم التنظيم الإسلامي الأعرق في لبنان.
هذا ما رصده مسؤول رفيع المستوى في الجماعة قرأ لـ”أساس” مضمون النقاشات الدائرة في مواقع القرار، واستخلص نتائجها وما يمكن أن تصل إليه في النهاية، بينما تستعدّ الجماعة لتنظيم انتخابات داخلية قريباً.
يتداخل في الانتخابات التنظيمية المتوقّعة ابتداءً من أوّل تموز المقبل، السياسيُّ بالإداريّ، ويطفو على سطح النقاش طرح تفعيل الحزب السياسي مع ما يعنيه ذلك من فصل العمل السياسي عن جسم الجماعة، وهنا تحضر تجارب مشابهة حصلت في مصر والأردن والمغرب، مع احتفاظ الوضع اللبناني بخصوصيّته التي تنطلق من التنوّع اللبناني ومن طبيعة تحالفات الجماعة العميقة وتوجّهاتها العقائدية الحاكمة لمسارها السياسي.
يكشف المصدر لـ”أساس” إشكاليّة واجهتها الجماعة في انتخاب رئيس مجلس النواب. ذلك أنّ قرار القيادة كان يقضي بانتخاب الرئيس نبيه بري، بناءً على تفاهم سياسي
يكشف أحد أعضاء مجلس الشورى في الجماعة أنّ المجلس عقد في الأسبوع الأول من شهر حزيران الحالي جلسة مخصّصة لتقييم الانتخابات النيابية واستخلاص التوجّهات المطلوبة لمواكبة المرحلة الراهنة، لكنّها بعكس المتوقّع لم تشهد نقاشات معمّقة لتفاصيل ما جرى من قرارات وتحالفات وأداء خلال العملية الانتخابية بأبعادها السياسية والتنظيمية، ولم يُطلِع الأمين العام الشيخ عزّام الأيّوبي المجلسَ على أسباب وعوامل الانتكاسة التي واجهتها الجماعة، خاصة في طرابلس، وهو ما طرح المزيد من الأسئلة عن حقيقة التوجّهات وكيفيّة مواجهة التحدّيات الكبيرة والكثيرة المتوقّعة.
يُلفت مصدر في شورى الجماعة وآخر في مكتبها السياسي إلى أنّ نقاشاً جرى في الاجتماع المذكور تناول مسألة تفعيل الحزب السياسي الذي سبق للجماعة أن أطلقته تحت اسم “حزب الإصلاح والتنمية” منذ عام 2009 وبقي مجمَّداً حتى الساعة. شهد الاجتماع توضيحات بأنّ مرحلة الانتخابات استُثمرت في التمهيد لإعادة طرح فكرة التفعيل، من خلال اعتماد اسم “الإصلاح والتنمية” في تسمية اللوائح الانتخابية على سبيل التسويق لإطلاق نشاط الحزب، علماً أنّ التفعيل لا يحتاج إلى قرار جديد لأنّه متّخذ منذ سنوات سابقة.
يؤكّد المصدر أنّ هناك آراءً متباينة في الجماعة في موضوع الحزب السياسي، ويطرح قياديون مخضرمون في التنظيم إشكاليّات عدّة، منها:
ــ أنّ الأغلبيّة من جمهور الجماعة تتأثّر بها وتنتسب إليها من منطلق عقائدي وليس من خلفيّة سياسية، ولذلك لن يضيف الحزب جديداً ولن يؤدّي إلى توسيع حضور الجماعة.
ــ يسأل هؤلاء: ما الجديد الذي سيقدّمه الحزب في السياسة؟ خاصة أنّ تعاطي الجماعة في الملفّات السياسية الرئيسة تغلب عليه المحدوديّة، ولم يقدِّم نائب الجماعة عماد الحوت مشاريع قوانين إلى مجلس النواب تتناول الشأن الإصلاحي في القضايا المهمّة في البلد؟ وهل سيكون للحزب تأثير في حركته النيابية في حال جرى تفعيله؟
ــ كيف يمكن التوفيق بين العمل الدعوي والعمل السياسي؟ وهل المطلوب وضع الجماعة كلّها في قلب الحزب، وبالتالي إلغاء دورها وتهميش مكانتها؟
ــ مَن هم الذين سينتقلون للعمل في الحزب السياسي ومَن سيبقى في الجماعة؟ خاصة أنّ الحزب السياسي سيكون في الواجهة، بينما العمل الدعوي سيكون خارج الأضواء إلى حدٍّ كبير؟
ــ هل يكون الحزب السياسي جمعيّة تابعة للجماعة وحسب، يجري تعيين الأغلبيّة المقرِّرة فيه من قبل قيادتها؟ أم يكون له كيانه المستقلّ وانتساباته وانتخاباته وقيادته الخاصة المنبثقة من إرادة أعضائه لا من قرارات الجماعة؟
ينتهي المصدر إلى أنّ النقاش خلُص إلى أنّ إطلاق نشاط الحزب غير مطروح على بساط البحث حالياً، وهو متروك إلى المرحلة التنظيمية المقبلة، لكن لا يمكن تأجيل القرار بهذا الخصوص 13 سنة أخرى.
يُلفت مصدر في شورى الجماعة وآخر في مكتبها السياسي إلى أنّ نقاشاً جرى في الاجتماع المذكور تناول مسألة تفعيل الحزب السياسي الذي سبق للجماعة أن أطلقته
إشكاليّات في الأداء النيابيّ
يكشف المصدر لـ”أساس” إشكاليّة واجهتها الجماعة في انتخاب رئيس مجلس النواب. ذلك أنّ قرار القيادة كان يقضي بانتخاب الرئيس نبيه بري، بناءً على تفاهم سياسي يفتح الباب أمام حلّ بعض القضايا العالقة الخاصّة بالجماعة، لكنّ ضغوط الهيئات الإسلامية البيروتية التي كان لها دور فاعل في فوز النائب عماد الحوت، دفعت بالأخير إلى الامتناع عن التصويت للرئيس برّي.
أثار هذا الإشكال لغطاً في الأوساط القيادية للجماعة يتعلّق بالسلوك النيابي وارتباطه بالقرار السياسي. وهذه إشكاليّة تتكرّر مع نواب الجماعة في أغلب الأحيان، وظهرت بشكلٍ مُفرط مع نوّابها الثلاثة الأوائل: المرحوم الدكتور فتحي يكن، الدكتور زهير العبيدي والمحامي أسعد هرموش، الذين كانوا على أطراف متناقضة ومواقف متباينة بشكل معلن، ولم يتوقّف هذا الخروج السياسي على قرارات الجماعة حتى الآن.
مخاطر انقسام الجماعة
لا تزال كيفيّة تفعيل الحزب السياسي غير واضحة لدى قيادة الجماعة، ولم تصدر لوائح تنفيذية تتّصل بهذا التحوّل المهمّ. ويرى المصدر أنّ خطوة فصل العمل السياسي عن جسم الجماعة تحمل مخاطر الانشطار والتمزّق، لأنّها ستؤدّي إلى ضعف جسم الجماعة الأمّ، وإلى تسخير الدعوة والعمل الاجتماعي والإغاثي والطبّي في سبيل السياسة، وهنا ستقع إشكالية التأثير ومواقع النفوذ، وسيتسبّب ذلك بتصدُّعات كبيرة في جسم الجماعة.
لعلّ ما يُضعف طرح قرار تفعيل الحزب في هذه المرحلة، أّنّه جاء خطوة لتعويض الأمين العام الحالي للجماعة الشيخ عزام الأيوبي عن خروجه من الأمانة العامّة بإعطائه رئاسة الحزب.
إقرأ أيضاً: الجماعة الإسلامية والانتخابات: عوامل فشل الصفّ القيادي الأول (1)
يختم المصدر في شورى الجماعة بالقول: إنّ خطوة تفعيل الحزب السياسي هو مدخل حتميّ لدخول الجماعة الإسلامية عالم السياسة الفعليّة، لأنّ بقاء الخلط بين السياسي والدعوي أضاع على الجماعة الدعوة ولم يُكسبها السياسة، وهذه خلاصة يعترف بها الجميع، ولذلك أصبح الاتجاه نحو الحزب كواجهة متخصّصة ومحترفة تداوم العمل العامّ ولا تقاربه في مواسم الانتخابات فقط، ضرورةً لبقاء الجماعة في عالم السياسة قبل أن تدخل مرحلة الضمور والعجز عن المبادرة، نتيجة عوامل الضعف الداخلية المتراكمة وعدم القدرة على مواكبة التطوّرات والتحوّلات المحلية والخارجية.
في الحلقة الثانية غداّ:
انتخابات داخليّة بنكهة التنافس الإيرانيّ التركيّ