“أساس” ببعلبك.. الأهالي مرتاحون: الجيش خلّصنا من الزعران

مدة القراءة 6 د

“صار في دولة ببعلبك”.. إنّها ليست مزحة وليست “همروجة” مؤقّتة، على الأقلّ هذه المرّة. عادت بعلبك-الهرمل إلى الواجهة من جديد، ومن البوّابة الأمنيّة نفسها، إثر شنّ الجيش اللبانني حملة مداهمات أدّت إلى معارك عنيفة، سقط فيها ضحايا من المُلاحقين وشهداء من المؤسسة العسكرية.

وقف الجيش خلف قرار أمنيّ – سياسي – عشائري “في سلّة واحدة”، فوقه غطاء من حزب الله، لتضرب “الدولة” بيد من حديد في محاولة لإنهاء حالة العصابات المتفلّتة التي تعيث فساداً في المنطقة وتؤذي أهلها. وذلك بعدما وصل “موس المخدّرات إلى لحية حزب الله”، وضرب بيئته الشعبية كما لم يحصل من قبل، وشوّه صورته في المنطقة والعالم، ولا سيّما في دول الخليج، حيث يوصف الحزب على أنّه “حاضن المروّجين وطبّاخي السمّ”، باعتبار أنّهم يتوارون عن الأنظار في مناطق نفوذه.

فما الذي حصل ويحصل في بعلبك؟ وما مدى جدّيّة القرار؟ وماذا يقول أهالي المنطقة بعد معركة تُعتبر الأولى من نوعها للجيش اللبناني، عقب هدم “المربّعات” المخصّصة للتجارة وترويج المخدّرات في بعلبك؟ في سابقة أمنيّة في المنطقة تبشّر بتوطيد الأمن المفقود منذ سنوات. ومن يحمي “أبو سلّة”؟

تؤكّد مصادر سياسية محليّة لـ”أساس” أنّ القرار اتُّخذ بالقضاء على العصابات المتفلّتة في بعلبك-الهرمل، والبداية من “أبو سلّة”

قرار جدّيّ

في دردشات الكواليس التي قام بها “أساس” بعد أسبوع واحد على المعركة التي سقط فيها العريف الشهيد زين العابدين شمص، وعدد من الجرحى للمؤسسة العسكرية، في حيّ الشراونة ببعلبك، في مداهمة استهدفت علي منذر زعيتر الملقّب بـ”أبي سلّة”، يبدو المشهد مختلفاً عمّا قبل. “الجميع مرتاح لما يحصل… العائلات، العشائر، وحتى حزب الله”، على حدّ توصيف الحاجّ الستّينيّ خالد صلح، ابن بعلبك، المقيم في مدينتها أباً عن جدّ، والذي يعمل في مجال الخياطة، الذي يؤكّد في حديثه لـ”أساس” أنّ الجوّ إيجابي جدّاً، وحال لسان الجميع يقول “الحمد لله” لأنّ الجيش يضرب بيد من حديد.

هنا الناس يعلّقون آمالاً على أن يستمرّ الجيش في معركته، لأنّ بعلبك وأهلها لا يمكنهم الاستمرار بتحمّل هؤلاء الزعران، الذين يروّعون المدينة وأهلها بالمخدّرات، والسرقات، والخوّات والتشليح. هذا ما يقوله أحمد ياغي، صاحب محلّ ملابس في سوق بعلبك القديم، مؤكّداً هذه الأجواء الإيجابية: “تخيّلي أنّنا بتنا لا نرى سيّارة مع عازل زجاج إلا سيارات الدولة، ولا نسمع طلقة رصاص واحدة، والممارسات المزعجة في المدينة المخلّة بالأمن والسلامة المرورية اختفت أيضاً منذ المعركة.. الأهالي يشعرون بأمن حقيقي، وكأنّه أصبح لدينا فعلاً دولة في بعلبك”.

وعن جدّيّة القرار، تؤكّد مصادر سياسية محليّة لـ”أساس” أنّ القرار اتُّخذ بالقضاء على العصابات المتفلّتة في بعلبك-الهرمل، والبداية من “أبو سلّة”، وهناك إشارات كثيرة تدلّ على ذلك، من أبرزها عمليات الهدم التي قام بها الجيش والتي لم تحصل من قبل، وفيها رسالة واضحة أن لا عودة إلى الوراء. وفوقها رسالة قائد الجيش جوزف عون من بعلبك وليس من أيّ مكان آخر، التي حذّر فيها الخارجين عن القانون: “سلّموا تسلموا، وإلا تحمّلوا تبعات قراركم”.

هذا بالإضافة إلى التبدّل الواضح في مواقف الوكيل الشّرعي العام للسيّد علي الخامنئي في لبنان، الشيخ محمد يزبك، بين بداية المعركة وما بعدها، إذ صرّح في البداية معترضاً على المداهمة: “هذا الأمر في منتهى الخطورة، ولا يمكن أن نسمح به، وإذا تمّ التمادي فلنا موقف، وسنكون بالتأكيد إلى جانب أهلنا وما يصيبهم يصيبنا”. ثمّ غيَّر مواقفه بعد اتصالات وردت إليه من قيادة حزب الله أوضحت له أنّ موقف الحزب لا يصبّ في هذا الاتجاه، فكان التصريح الثاني المتزامن مع زيارة قائد الجيش لبعلبك مناقضاً تماماً للأوّل: “المجرم يجب ألا يُحمى من أحد”.

يربط المصدر ما يحصل في بعلبك بما يحصل في الضاحية، حيث تضرب المخدّرات بيئة الحزب، وأصبحت الكونتونات العائلية أكبر من السيطرة الحزبية

مصادر الحزب نحن مُحرَجون

يربط المصدر ما يحصل في بعلبك بما يحصل في الضاحية، حيث تضرب المخدّرات بيئة الحزب، وأصبحت الكونتونات العائلية أكبر من السيطرة الحزبية. ويؤكّد أنّ محاولة تهريب أكثر من 18 كلغ من حبوب الكبتاغون إلى دولة الكويت، عبر مطار رفيق الحريري الدولي، التي تمّ إحباطها قبل أسبوعين، مصدرها كان “أبو سلة”. وبالتالي أصبحت المخدّرات تضرب بيئة حزب الله وتشكّل جريمة منظّمة ما عاد بإمكانه تحمّل أوزارها، الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك السياسية. فوجد نفسه أمام واقع لا بدّ من تأهيله، أو السماح بتأهيله.

هذا ما يؤكّده أيضاً لـ”أساس” مصدر مقرّب من حزب الله، يربط “ترحيب حزب الله بدخول الدولة بعلبك” بأمرين:

– الأوّل: واجه حزب الله أخيراً هجمة كبيرة في موضوع المخدّرات، ولا سيما في وسائل الإعلام الخليجي، وتحديداً في موضوع الكبتاغون، وأصبح محرجاً تجاه هذا الواقع، لأنّ هذه الموادّ يتمّ طبخها وترويجها وبيعها وتهريبها في مناطق تُعتبر ضمن نطاق نفوذه، ولذلك يُتّهم بأنّه يغطّي المروّجين والمهرّبين.

– الثاني: وهو الأهمّ برأي المصدر، للمخدّرات ضرر مباشر على بيئة حزب الله، وتحديداً الضاحية الجنوبية لبيروت، الأمر الذي ينعكس ممارسات مخلّة بالقانون. وهي تُصنّف الآن بأنّها من أكثر المناطق احتواء لجرائم النشل والسرقة والتعاطي في لبنان. وتنشأ فيها عناصر مجرمة و”عناصر غير منضبطة لا يمكن لأحد أن يسيطر عليها لا أحزاب ولا عائلات”.

بناءً على كلّ ذلك حصلت عدّة اجتماعات بين قيادات حزب الله ووجهاء العشائر والعائلات، ورأى المجتمعون أنّ الجميع متضرّر من هذه الجماعات، التي أصبحت تشكّل عبئاً على المنطقة وأهلها وأحزابها، وحتى على العائلات التي تنتمي إليها، وأن لا أحد يريد أن يحميها.

 

أمنيّون متورّطون

في سياق أمنيّ، ينفي مصدر معنيّ في حديثه لـ”أساس” رواية الغطاء الحزبي الذي مُنح للجيش للقيام بهذه المهمّة، مؤكّداً أنّ جميع الأطراف أجمعت على ضرورة وضع حدّ لهذه العصابات.

ويربط المصدر، المعني بالمنطقة، بين المعركة الأخيرة وبين شخصية العقيد الركن محمد الأمين، الرئيس الجديد لفرع المخابرات في منطقة البقاع، المعروف بطبعه الحادّ في حسم الأمور: “لذلك رأينا الجيش يضرب المربّعات، في رسالة واضحة لأصحابها بأن لا تراجع”.

إقرأ أيضاً: “الهَيبة” المفقودة في بعلبك: “الأمرُ” للعصابات الحاكمة!

أمّا “أبو سلّة”، وهو أحد أكبر تجّار المخدّرات، ويزوّد تجار بيروت بالبضاعة، ويغطّي جزءاً كبيراً من مناطق جبل لبنان والضاحية الجنوبية، فكانت تتمّ مراقبته منذ أكثر من 6 أشهر، بحسب المصدر، وكان يتردّد وحيداً إلى ذلك المنزل في حيّ الشراونة في أوقات متفاوتة. وبالفعل تمّ العمل على خطة أمنيّة شبيهة بالعملية التي نفّذها الجيش اللبناني لإلقاء القبض على أمير داعش عماد ياسين في عين الحلوة. لكنّ خطأ تكتيكياً مرتبط بتقدير ظروف المعركة حصل، وتبيّن أنّ “أبو سلّة” كان على علم بالمداهمة. فبينما كان يتردّد وحده إلى المنزل قبل العملية، فإذا به في لحظة الصفر يُدخل مسلّحين يباغتون القوة العسكرية ويخوضون معركة معها. الأمر الذي يضع إشارات استفهام كبيرة حول التسريبات الأمنيّة التي حصل عليها “أبو سلّة”، المعروف في عالم الأمن أنّ لديه علاقات مع سياسيين وشخصيات نافذة ورجال أمن…!

مواضيع ذات صلة

روايات ليلة سقوط الأسد… وخطّة الحزب “لإعادة التموضع”

في الحلقة الثانية من هذا التحقيق، تلاحق مراسلة “أساس” روايات العائلات النازحة في البقاع الشرقي وتحديداً منطقة الهرمل. وتسألهم عن ليلة السقوط الكبرى. كما تسأل…

لماذا يخاف شيعة البقاع من “بُعبُع” المعارضة السّوريّة؟

سقط بشّار الأسد وعاد عدد كبير من النازحين السوريين إلى بلدهم. لكن في المقابل شهدت مناطق البقاع، وتحديداً بعلبك الهرمل، نزوحاً معاكساً هذه المرّة للسوريين…

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…