عَسْكرة سيناء “برميل بارود” في المستقبل

2022-06-06

عَسْكرة سيناء “برميل بارود” في المستقبل

ديفيد شينكر David SchenkerForeign Policy

 

في أوائل أيار المنصرم، قتل تنظيم الدولة الإسلامية – فرع سيناء 11 جنديّاً مصريّاً، وألحق أضراراً بأنابيب الغاز الطبيعي. وبعيداً عن إظهار قوّة التنظيم في شبه الجزيرة الاستراتيجية، كان هذا الهجوم أوّل حادث كبير منذ ما يقرب من عام، وهو بعيد كلّ البعد عن التمرّد الجهادي الشامل الذي انتشر في سيناء قبل بضع سنوات فقط.

يبدو أنّ الجيش المصري بدأ أخيراً يُحرز تقدّماً في دحر الجماعة. لم يعُد عدد الهجمات أقلّ فحسب، بل إنّ ضخّ القاهرة لأموال التنمية الاقتصادية إلى شبه الجزيرة، ولّد أيضاً بعض النيّات الحسنة بين السكان الذين ظلّوا مضطربين لمدّة طويلة. في آذار 2021، قتل تحالف من رجال قبائل البدو، والمدنيين المسلّحين، والجيش المصري، زعيمَ تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة.

كان النجاح الواضح لمصر، جزئيّاً، نتيجة انتقال القاهرة من النهج العسكري المُثقل بالأضرار المدمّرة الجانبية والخسائر المدنية، إلى استراتيجية أكثر ذكاءً لمكافحة التمرّد، مع التركيز الشديد على نقاط التفتيش وحظر التجوّل. كما لعب الدعم الجوّي التكتيكي الإسرائيلي دوراً مهمّاً، وإن لم يُعلَن على نحوٍ واضح.

ساهم التعاون المصري الإسرائيلي بطريقة أخرى أكثر أهميّة: من خلال الموافقة المتبادلة على الانتهاكات الجسيمة لمعاهدة السلام لعام 1978، أو بشكل أكثر دقّة، انتهاك الملحق الأمنيّ ??للمعاهدة الذي يحدّ من عسكرة سيناء. لم تسمح مصر لإسرائيل بالعمل فوق الأراضي المصرية فحسب، بل سمحت إسرائيل أيضاً للقاهرة بإغراق سيناء بالقوات والمعدّات الثقيلة التي تتجاوز بشكل كبير حدود المعاهدة.

بدأ تمرّد سيناء في عام 2011 بعد تنازل الرئيس حسني مبارك عن السلطة خلال الثورة المصرية

التفاهمات المصرية الإسرائيلية

مع أنّ عمليات الانتشار المصرية لا غنى عنها من أجل نجاح الحملة العسكرية ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، لكنّها غيّرت أيضاً، ربّما بشكل لا رجوع فيه، الوضع الراهن في سيناء، حيث ما تزال قوة حفظ السلام الدولية تراقب ما نصّت عليه معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لتكون منطقة عازلة منزوعة السلاح إلى حدّ كبير. وعلى الرغم من أنّ العسكرة الحالية لسيناء تأتي في زمن العلاقات المصرية الإسرائيلية الممتازة، لكنّ التاريخ يشير إلى أنّ هذا يمكن أن يتغيّر بسرعة.

على أيّ حال، لم يمضِ سوى عقد من الزمان منذ أن جلبت الثورة المصرية رئيساً إسلامياً إلى السلطة. ولِما يقرب من 45 عاماً، وضعت معاهدة السلام قيوداً على الانتشار العسكري المصري في سيناء في عهد السلام. وإذا لم يتمّ التراجع عنها، فإنّ الانتهاكات المصرية يمكن أن تهدّد الأحكام الأساسية للاتفاقية، وبمرور الوقت أن تعرّض المعاهدة للخطر.

لقد بدأ تمرّد سيناء في عام 2011 بعد تنازل الرئيس حسني مبارك عن السلطة خلال الثورة المصرية. ومع تدهور الوضع الأمنيّ ??بسرعة في جميع أنحاء مصر، أعلنت منظمة جديدة تسمّى “القاعدة في شبه جزيرة سيناء” مسؤوليّتها عن مهاجمة مركز للشرطة في العريش. في السنوات التي تلت ذلك، تحوّلت الهجمات إلى تمرّد جهادي شامل، قُتل فيه المئات من رجال الشرطة والجنود والمدنيين المصريين. وبحلول عام 2014، كانت الجماعة الإرهابية الأبرز في شبه الجزيرة، “أنصار بيت المقدس”، قد انضمّت إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ونجحت في شنّ هجمات متعدّدة على أنابيب الغاز في سيناء، وإسقاط مروحيّة عسكرية مصرية، وإغراق سفينة بحريّة، وإطلاق صاروخ على سفينة شحن في قناة السويس. وقُتل 311 مصلّياً في هجوم على مسجد، وفُجّرت طائرة ركاب روسيّة على متنها 224 شخصاً، معظمهم من السيّاح.

في عام 2013، واجهت مصر ارتفاعاً في عدد الضحايا، وانهياراً في عائدات السياحة. وبحسب مسؤول سابق رفيع المستوى على علم بالمحادثات الثنائية، اتّصل ضبّاط الجيش المصري بنظرائهم الإسرائيليين بشكل مباشر، ومن خلال القوّة المتعدّدة الجنسيّات والمراقبين(MFO) ، وهي المنظمة الدولية التي أُسّست لمراقبة تنفيذ الجوانب العسكرية لمعاهدة السلام، من أجل طلب بعض الاستثناءات من الملحق الأمنيّ ??للاتفاقية حتى تتمكّن القوات المصرية الأكثر صلابة من الردّ على التمرّد. يقسّم الملحق شبه جزيرة سيناء إلى ثلاث مناطق، وينص، من بين أمور أخرى، على أنّه يمكن لمصر نشر فرقة مشاة ميكانيكية واحدة فقط بما يصل إلى 22 ألف جندي و230 دبّابة و480 عربة أفراد مدرّعة في المنطقة “أ”، وهي المنطقة الأقرب إلى قناة السويس. ويُسمح فقط لحرس الحدود والشرطة بالانتشار في المنطقتين “ب” و”ج”، على التوالي، وهما الأقرب إلى إسرائيل. منذ ذلك الحين، قدّمت مصر مئات الطلبات لتجاوز قيود المعاهدات على الجنود والأسلحة، ووافقت إسرائيل على كلٍّ منها، وفقاً لمسؤولين حاليّين وسابقين.

 

“ضعف” عدد القوات

تشغل القوّة المتعدّدة الجنسيّات والمراقبون نقاط مراقبة في سيناء، وتقوم بدوريّات استطلاع نصف شهرية تجوب سيناء على الأرض وفي الجوّ، مع إحصاء القوات والآليّات والأسلحة المصرية. ومن أجل تتبّع عمليات الانتشار في مصر التي تتجاوز حدود المعاهدة، تسجّل القوّة المتعدّدة الجنسيّات الطلبات المصرية التي وافقت عليها إسرائيل في جدول بيانات يُسمّى “قائمة الأنشطة المتّفق عليها Omnibus Agreed Activities””، وهو سجلّ مطوّل ومفصّل جدّاً للأرقام والمواقع وأنواع المركبات والأسلحة الإضافية المنتشرة في سيناء، ويجري تحديثه شهرياً. وفي حين أنّ قائمة القوة المتعدّدة الجنسيات غير متاحة للجمهور، فإنّ عدد الجنود المصريّين في المنطقتين “ب” و”ج” اللتين تحظرهما المعاهدة كبير.

قبل أربع سنوات، أفاد رئيس الأركان المصري آنذاك محمد فريد حجازي أنّ 24,630 جندياً مصرياً يشاركون في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال شرق سيناء، بالإضافة إلى حوالى 20 ألفاً يتمركزون في أماكن أخرى من شبه الجزيرة. بعض تقديرات المحلّلين هي أعلى بكثير. اعتمد إيلي ديكل Eli Dekel، ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق، على صور الأقمار الصناعية المتاحة تجاريّاً لتقدير حجم الانتشار المصري الإجمالي في سيناء بثلاثة أضعاف العدد الإجمالي المسموح به بموجب المعاهدة، ما يقرب من ثلثَيْهم يعملون في المنطقتين “ب” و”ج”.

إقرأ أيضاً: العالم على حافة المجاعة: 12 دولة تتصدّر اللائحة..

وبافتراض أنّ هذه الأرقام ذات مصداقية إلى مدى بعيد، فإنّ لدى مصر اليوم على الأقلّ ضعف عدد القوات في سيناء المسموح به أصلاً في معاهدة السلام، يعمل نصفهم في مناطق محظورة. هؤلاء الجنود مجهّزون بالمدفعيّة والمركبات التي لا تسمح بها المعاهدة أيضاً، بما في ذلك ما يقدّر بنحو 200 دبّابة إضافية، فضلاً عن 230 دبّابة مسموح بها في المنطقة “أ”، وفقاً لعدد من المسؤولين الحاليين والسابقين. وكلّ هذا بموافقة إسرائيل.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فوز استراتيجيّ لإسرائيل

قد يكون انفجار الآلاف من أجهزة البيجر في أيدي نشطاء الحزب عملاً تخريبياً غير عاديّ، وأحد أكثر الأعمال إثارة للإعجاب من حيث المقدرة المذهلة لإسرائيل…

مسؤول أمنيّ: إسرائيل تحتاج إلى حوار وطنيّ.. بلا نتنياهو

الحرب الشاملة بين إسرائيل والحزب بعيدة كلّ البعد عن أن تكون حتمية لأنّ الولايات المتحدة ستبذل كلّ جهد ممكن لمنعها وفقاً للدبلوماسي والمسؤول الإسرائيلي الأمني…

مفاوض إسرائيليّ: نتنياهو لن يقبل بصفقة تنهي الحرب

بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي السابق غيرشون باسكين، فإنّ بنيامين نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب في غزة. وحركة حماس لن توقّع اتفاقاً لا ينهي الحرب. ويعتبر باسكين…

أميركا خائفة من 11 أيلول جديد

تحلّ الذكرى الـ23 لهجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة الأميركية عام 2001 لتعيد تذكيرنا بما شكّلته من نقطة تحوّل في الأمن العالمي وفي النهج الأميركي…