انتخابات في دولة الحزب

قبل أسبوع وبضعة أيّام من موعد الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة، وهي انتخابات يصرّ “حزب الله” على إجرائها في موعدها، ثمّة ملاحظات يمكن إيرادها على هامش المشهد.

تؤكّد هذه الملاحظات مدى الإفلاس اللبناني، وعلى وجه الخصوص الإفلاس المسيحي، الذي تجسّده قدرة الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، على تحديد من هو رئيس الجمهوريّة اللبنانية وما إذا كان في الإمكان تشكيل حكومة أم لا.

لم يحصل شيء بالصدفة في لبنان قبل حرب صيف العام 2006 وبعدها. لا يزال لبنان يعيش إلى اليوم تداعيات تلك الحرب التي افتعلها “حزب الله” والتي كانت نتيجتها تحقيق انتصار على لبنان وليس على إسرائيل طبعاً

أكثر من ذلك بات الحزب، الذي يمتلك القرارات الكبيرة في البلد، بما في ذلك قرار الحرب والسلم، يستطيع القول للّبنانيين إنّه يقرّر من هو رئيس جمهوريّتهم، وإلّا يكون فراغ في موقع رئيس الجمهورية الذي يشغله ماروني (مسيحي). إنّها بكلّ بساطة عمليّة ابتزاز للموارنة عن طريق تخييرهم بأن يكونوا تحت رحمة “حزب الله” وإلّا يفقدوا رئاسة الجمهوريّة. هذه قوانين دولة “حزب الله”، وهي قوانين تنسحب على مجريات الانتخابات النيابيّة.

ليست الانتخابات سوى محطّة أخرى على طريق إفهام الحزب الإيراني اللبنانيين عموماً، والموارنة على وجه التحديد، مَن صاحب القرار الأوّل والأخير في لبنان. مسموحٌ إجراء انتخابات وفق قانون عجيب غريب وضعته إيران للبنان، وليس مسموحاً، في المقابل، إجراء أيّ نوع من الانتخابات في مناطق السيطرة الكاملة لـ”حزب الله”، أي في بعلبك ومحيطها وجنوب لبنان.

بكلام أوضح، ليس مسموحاً أن يكون هناك أيّ نائب شيعي من أصل 27 نائباً خارج السيطرة الإيرانيّة. بعد ذلك، يستطيع المسيحيون التقاتل في ما بينهم إلى ما لا نهاية. كذلك الأمر بالنسبة إلى السُنّة والدروز، علماً أنّ أهل السُنّة يشكّلون الطائفة الكبرى في لبنان. يُفترض، أقلّه على الورق، أن تكون للناخب السنّيّ القدرة على لعب دور حاسم في أكثر من منطقة لبنانيّة، لكنّ هذا الأمر صار جزءاً من الماضي في ضوء هيمنة السلاح المذهبي على البلد كلّه.

مطلوب في نهاية المطاف، تغيير طبيعة لبنان وطريقة عيش اللبنانيين لا أكثر وتحويل بيروت إلى ضاحية فقيرة من ضواحي طهران. هذه انتخابات لا منتصر فيها سوى “حزب الله” ولا خاسر غير لبنان الذي لم تعد له علاقة بلبنان. ما يحصل حالياً هو تتمّة طبيعية لاغتيال رفيق الحريري، في العام 2005، بكلّ ما كان يمثّله، لبنانياً وعربيّاً ودولياً.

2006 البداية

لم يحصل شيء بالصدفة في لبنان قبل حرب صيف العام 2006 وبعدها. لا يزال لبنان يعيش إلى اليوم تداعيات تلك الحرب التي افتعلها “حزب الله” والتي كانت نتيجتها تحقيق انتصار على لبنان وليس على إسرائيل طبعاً. كانت نتيجة الحرب تحوُّل لبنان إلى جثّة. وقف في جانب من مكان الجثّة الإسرائيلي وفي الجانب الآخر إيران، ممثّلة بـ”حزب الله”. رفع كلّ منهما إشارة النصر. انتصرت إسرائيل وانتصرت إيران على حساب لبنان.

لم يتغيّر شيء منذ حرب صيف 2006. من كان يحتاج إلى استيعاب معنى تلك الحرب ومغزاها، جرى إفهامه حقيقة ما حصل على أرض الواقع لدى اجتياح بيروت والجبل في السابع والثامن والتاسع من أيّار 2008.

كلّ ما جرى بعد ذلك التاريخ مجرّد تفاصيل، لكنّها تفاصيل مهمّة، وصولاً إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة. صار في لبنان رئيس للجمهوريّة لا ينبس ببنت شفة عندما يزيل “حزب الله” الحدود بين لبنان وسوريا ويشارك مباشرة في الحرب على الشعب السوري من منطلق مذهبي ليس إلّا. هناك رئيس للجمهوريّة، وصهره جبران باسيل الذي يمكن تسميته بـ”ملك الكهرباء”، على استعداد لاسترضاء النظام السوري من دون أيّ سؤال، من أيّ نوع، عن مصير اللبنانيين في السجون السوريّة.

2022 هي النتيجة

ليست الانتخابات المقرّرة في الخامس عشر من الشهر الجاري سوى نتيجة طبيعيّة لتراكمات استمرّت سنوات طويلة. وضع اغتيال رفيق الحريري حجر الأساس لهذه التراكمات. من يتوقّع شيئاً من الانتخابات المقبلة واهم. إنّها انتخابات في بلد واقع تحت الاحتلال. ليس قانون الانتخابات المعمول به سوى ثمرة الأحتلال الإيراني لبلد فَقَد كلّ مقوّمات وجوده، بما في ذلك نظامه المصرفي. ستجري الانتخابات في دولة “حزب الله”. لكن ماذا بعد الانتخابات؟ وكيف ستُنفّذ عملية تغيير النظام اللبناني بشكل جذريّ؟ وهل يمكن مقاومة التغيير من خلال تركيبة مجلس النوّاب، علماً أنّ هذه التركيبة لن تتغيّر إلّا ضمن حدود معيّنة؟

إقرأ أيضاً: الانتخابات: هل تكون مرحلة ما بعدها مبرّراً لتأجيلها؟

أكثر من أيّ وقت يبدو مستقبل لبنان مرتبطاً بما يدور في المنطقة بعدما حسم “حزب الله” موضوع التوازنات الداخليّة، بل هو مرشّح لتحقيق مزيد من الاختراقات سنّيّاً ودرزيّاً وحتّى مسيحيّاً.

هل يمكن أن تقوم قيامة للبلد بعدما تبيّن أنّ المجتمع المدني الذي ثار في 17 تشرين الأوّل 2019 مصاب بالعقم. يبقى أهمّ دليل على ذلك أنّ ممثّلين للذين ثاروا في 17 تشرين الأوّل يتسابقون على مقاعد نيابيّة وليس بينهم مَن يسأل عن أساس العلّة الذي هو الاحتلال الإيراني وسلاح “حزب الله” الذي يمنع أيّ نوع من الانتخابات في مناطق معيّنة. هذه المناطق هي دولة “حزب الله” التي حلّت مكان الدولة اللبنانيّة. ما الذي يمكن توقّعه من انتخابات تجري في دولة “حزب الله” التي تسيطر على دويلة لبنان؟

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…