انتخابات لبنان: هل صارت “مسألة إقليمية”؟

2022-04-21

انتخابات لبنان: هل صارت “مسألة إقليمية”؟

هي الانتخابات النيابية الأعجب والأغرب في تاريخ لبنان. ولعلّ غرابتها الرئيسية تتمثّل في أنّه لم يسبق أن تزامن انخراط القوى السياسيّة حتّى العظم في المعركة الانتخابية مع الحديث عن إمكان تأجيل الانتخابات وتبادل الاتّهامات بالسعي إليه. حتّى قبل شهر من موعد إجرائها فإنّ رئيسَيْ الجمهورية والحكومة ما يزالان يؤكّدان أنّ الانتخابات ستحصل في موعدها وكأنّ ذلك ما يزال أمراً مشكوكاً فيه.  

كان الحديث عن تأجيل الانتخابات قد بدأ بالتراجع شيئاً فشيئاً، ولا سيّما بعد صدور إشارات من الداخل والخارج إلى الشروع بتذليل العقبات الإدارية واللوجستية والماليّة التي يمكن أن تعوق إجراءها. بيد أنّ اتّهام الأمين العامّ لحزب الله حسن نصرالله جهات خارجية وداخلية بالسعي إلى تأجيل الانتخابات، أنعش التساؤلات عن إمكان حدوث أمر طارئ يرجئ استحقاق الخامس عشر من أيّار. ولعلّ اتّهام نصرالله هذا هو ما حدا بالرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، خلال جلسة مجلس الوزراء الخميس، إلى تأكيد حتمية إجراء الانتخابات في موعدها.

في الواقع لم يحذّر الأمين العامّ للحزب من مغبّة تأجيل الانتخابات، وإن رمى كرة العبث بموعد إجرائها في ملعب خصومه. فهو لم يقُل إنّ إرجاء الانتخابات خطّ أحمرٌ لن يسمح حزبه بتجاوزه. وهو ما يطرح علامات استفهام عن غاية نصرالله من طرح احتمال تأجيل استحقاق 15 أيار.

عودة هؤلاء السفراء، وبالأخصّ سفير المملكة العربية السعودية، في هذا التوقيت بالذات، ستخلق واقعاً سياسياً جديداً، باعتبار أنّ “العودة الخليجية” تؤسّس في ظلّ اختلال التوازن السياسي الحاصل

أحدُ الاحتمالات أنّ الأمين العام للحزب أراد تسطير مضبطة الاتّهام هذه بحقّ خصومه للدلالة على ضعفهم وخوفهم من نتائج الانتخابات. لكن في الوقت نفسه تعمّد نصرالله عدم المبالغة في إظهار قوّة فريقه، حتّى إنّه اتّهم خصومه بتضخيم فوزه الانتخابي المتوقّع إلى حدّ حيازته مع حلفائه ثلثَيْ مقاعد البرلمان. وكلّ ذلك لأنّ حزب الله يسعى بقوّة إلى تحقيق أعلى نسبة تصويت للوائحه، بينما يخشى أن يؤدّي اطمئنان جمهوره لنتائج الانتخابات إلى ضعف إقباله على الاقتراع. ولا يمكن للحزب أن يُسقط من حساباته احتمال أن يُضعف التململ الشعبي من الأوضاع المعيشية حماسة “ناسه” للمشاركة في العملية الانتخابية.  

الاحتمال الثاني أنّ الحزب أراد إبقاء احتمال تأجيل الانتخابات قائماً، بغضّ النظر عمّن يبادر إليه وكيف، مع الأخذ في الاعتبار أنّ إمساك الحزب بالقرار السياسيّ للدولة وبالورقة الأمنيّة في لبنان، يجعل منه قادراً، أو أوّل القادرين، على التحكّم بمصير الانتخابات، سواء لجهة إجرائها في موعدها أو تأجيلها.

 

الحزب غير متحمّس؟

هنا ثمّة احتمال ثال، وهو أنّ الحزب، وإن كان مستعدّاً لخوض المعركة الانتخابية والفوز بها، إلا أنّه غير متحمّس لتوقيتها وربما يفضّل التريّث قليلاً في إجراء الانتخابات ريثما تتّضح أكثر الصورة الإجمالية للتطوّرات في المنطقة، وتحديداً لجهة اتّجاهات الاتفاق النووي بين أميركا وإيران، في ظلّ التباطؤ المستجدّ في مسار المفاوضات بين الجانبين بعدما كانت تطوّرات الأسابيع القليلة الماضية قد أوحت أنّ البلدين قاب قوسين أو أدنى من التوقيع على الاتفاق.

ليس قليل الدلالة في هذا السياق تصحيح المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي تصريحاً له الأربعاء. فبعدما قال إنّ “المفاوضات النووية تسير بشكل جيّد”، عاد وعدّل جملته كالآتي: “إنّ دبلوماسيّة البلاد تسير في اتّجاه جيد”. وأمّا على الجانب الأميركي فقد تحوّل الاتفاق النووي مادّة رئيسية في السجال السياسي بواشنطن، ولا سيّما بعد طرح إزالة الحرس الثوري الإيراني من لائحة الإرهاب الأميركية. وهو ما من شأنه أن يقلّص هامش مناورة الإدارة الديمقراطية في مفاوضات فيينا.

   

اختبار التواطؤ

منذ اليوم الأول لانطلاق السباق الانتخابي، لم تكن العوائق الإدارية والماليّة أمام إجراء الانتخابات بسبب إفلاس الدولة، هي السبب المباشر لاحتمال تأجيل الانتخابات. وإن كان من الممكن أن تشكّل ذريعة لهذا التأجيل، فهناك أسباب سياسية أقوى وأهمّ يمكن أن تدفع باتّجاهه.

الحزب وإن كان مستعدّاً لخوض المعركة الانتخابية والفوز بها، إلا أنّه غير متحمّس لتوقيتها وربما يفضّل التريّث قليلاً في إجراء الانتخابات

خلال الأسابيع الماضية كان تسارع الخطوات إلى توقيع الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران عاملاً مشجّعاً على ترجيح حصول الانتخابات في موعدها. ذاك أنّ تزامن الانتخابات مع توقيع الاتفاق النووي يعني أنّها ستكون محطّة لانطلاق مرحلة جديدة في لبنان، أي أنّها ستشكّل أرضيّة سياسيّة للتوافق على تفاهمات إقليمية ودولية حوله، بدءاً باستحقاق تشكيل الحكومة الجديدة وصولاً إلى الانتخابات الرئاسيّة في الخريف المقبل.

بيد أنّ تباطؤ مسار التوقيع على الاتفاق أو فشله قد يجعلان من هذه الانتخابات محطّة لتجديد الصراع السياسي في لبنان وعليه. وهو ما قد يربك، بحسب بعض القراءات، الحزب، لأنّه سيمنعه من تثمير فوزه النيابي، أو سيؤخّر هذا التثمير ويرفع كلفته. بينما يفضّل الحزب أن يدخل إلى مرحلة ما بعد الانتخابات مرتاحاً وقد أصبح ممسكاً أكثر بقيود اللعبة السياسيّة. لكن في المقابل ثمّة رأي يقول إنّ الحزب لا يضيره أن يضع الغالبية النيابية في جيبه كإحدى أوراق المواجهة في المرحلة المقبلة.

هنا يتقدّم توجّس الحزب من عودة السفراء الخليجيين إلى بيروت، لا لأسباب متّصلة حصراً بالوقع المباشر وغير المباشر لهذه العودة على مسار الانتخابات، بل أيضاً لأسباب متّصلة بتصوّر الحزب لمرحلة ما بعد الانتخابات.

 

خوف الحزب من “العرب”

عودة هؤلاء السفراء، وبالأخصّ سفير المملكة العربية السعودية، في هذا التوقيت بالذات، ستخلق واقعاً سياسياً جديداً، باعتبار أنّ “العودة الخليجية” تؤسّس في ظلّ اختلال التوازن السياسي الحاصل، أرضيّة لخلق توازن سياسي جديد مقابل الحزب وحلفائه أو للحدّ من الاختلال السياسي الراهن. وهو ما ستكون له تأثيرات مهمّة في المرحلة المقبلة الحافلة بالاستحقاقات الداهمة، وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية. فإذا كان قلب ميزان القوى الحالي رأساً على عقب أمراً مستحيلاً أو شبه مستحيل، فإنّ الحزب لا يمكنه في ظلّ الحضور العربي في لبنان فرض شروطه بالسهولة نفسها في ظلّ غياب العرب، وفي مقدَّمهم السعودية، عن لبنان.

ثمّة أمرٌ يُفترض أخذه في الحسبان هنا، وهو أنّ الأسباب الإقليمية والدولية لإجراء الانتخابات تتقدّم على الأسباب اللبنانية، ولا سيّما تلك المتّصلة بطموح التغيير الذي برز بعد 17 تشرين 2009. فالمسار الدولي، وبالأخصّ الفرنسي، اتّجاه لبنان يندرج، مذّاك، في سياق التأقلم مع الوقائع اللبنانية التي يتحكّم بها حزب الله إلى حدّ بعيد.

لذلك عندما يتّهم نصرالله جهات خارجية بالعمل على تعطيل الانتخابات فهو يناقض مسار “التواطؤ” الدولي، وبالأخص الفرنسي، معه، الذي لا يستثني الانتخابات، بل على العكس فهي تشكّل الاختبار الأوّل لنجاح هذا “التواطؤ” ولإمكان تطويره وترجمته في الاستحقاقات المقبلة.    

في المحصّلة ما يزال الغموض يلفّ المشهد اللبناني كما هي الحال بالنسبة إلى المشهدين الإقليمي والدولي من حوله. لكن أيّاً تكن السيناريوهات الانتخابية والسياسية المتوقّعة فإنّ الواقع اللبناني يزداد غرابةً ويحفل بالمفارقات التراجيدية، وأولاها انتقال المواطنين بين عشيّة وضحاها من طوابير الخبز والمحروقات إلى طوابير الاقتراع!

إقرأ أيضاً: إنّها الانتخابات الأهمّ للحزب منذ 1992!

إنّ التفكير وحده في هذا الانتقال السوريالي يجعل العملية الانتخابية برمّتها غير منطقية ومشكوكاً في جدواها، خصوصاً إذا ما أُريد تصويرها محلّياً وخارجياً على أنّها مدخلٌ إلى الخروج من نفق الانهيار اللبناني المديد، بينما ستكون نتائجها الانتخابية والسياسية من صنيعة هذا الانهيار ودليلاً دامغاً عليه!

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…