لوبان تخفّف يمينيتها… فهل تغيّر مستقبل فرنسا؟

مدة القراءة 6 د

نجحت “مارين لوبان”، الابنة الثالثة للسياسي الفرنسي “جان ماري لوبان”، مؤسّس حزب الجبهة الوطنية في عام 1972 وزعيم اليمين المتطرّف، في نقل “حزب التجمع الوطني”، الذي ترأسه، من الوضع الهامشي في فرنسا إلى قلب المشهد السياسي المؤثّر.

فعلى الرغم من الاستنزاف التدريجي لقواعد الدعم وتمزّق اليمين، تأهّلت للمرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، واستفادت من الانشقاقات اليسارية وفشل الأحزاب اليسارية الفرنسية في بلوغ المرحلة النهائية من الانتخابات الرئاسية، ومن تبدّل مزاج الناخب العمّالي، وهو الأكثر قرباً تاريخياً وفكرياً إلى اليسار بحيث بات ضمن خانة الممتنعين عن التصويت أو ممّن يصوّتون لليمين المتطرّف أو لماكرون.

نجحت “مارين لوبان”، الابنة الثالثة للسياسي الفرنسي “جان ماري لوبان”، مؤسّس حزب الجبهة الوطنية في عام 1972 وزعيم اليمين المتطرّف، في نقل “حزب التجمع الوطني”، الذي ترأسه، من الوضع الهامشي في فرنسا إلى قلب المشهد السياسي المؤثّر

هي “الاستبدادية المنحرفة” المنتسبة إلى الجبهة الوطنية في العام 1986، التي أصبحت عضواً في البرلمان الأوروبي (2004 – 2009) بعد دراستها الحقوق في جامعة “باريس – أساس” وممارستها المحاماة بين عامَيْ 1992 و1998، ثمّ رأست الجبهة الوطنية في العام 2011، وعزلت والدها المؤسّس وطردته من الحزب بعدما أصبح عبئاً عليها وعلى الحزب بسبب تصريحاته واتّهامها له بتخريب كلّ إنجازاتها على الرغم من نشأتها معه منذ صغرها على المعارك والمعاناة السياسية، وأبرزها الاعتداء والتفجير اللذان استهدفا منزلهما في العام 1976.

غيّرت اسم الحزب من الجبهة الوطنية إلى التجمع الوطني في العام 2018، وفي 2021 تركت قيادة الحزب للتركيز على الحملة الانتخابية في 2022. فهل تنجح في تبرئة نفسها من صفة الاستبدادية المنحرفة ومن هالة الشيطنة المحيطة بها وتدخل القصر الرئاسي؟

أين نجحت وأين فشلت؟

استفادت “لوبان”، واسمها الحقيقي “ماريون” وليس “مارين”، صغيرة العائلة اليمينية الأولى في فرنسا المولودة في 5 آب 1968، إلى حدٍّ ما ممّا يُعرف بـ”التأثير السلبي” للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند على سمعة أحزاب اليسار والحزب الاشتراكي. خصوصاً من جرّاء مجموعة قرارات اتّخذها في فترة ولايته والتي اتّسمت بطابع يميني. واستفادت من المتردّدين والعقابيّين والممتعضين من سياسة ماكرون الحالية والإخفاقات في صفوف الجمهوريين.

فشلت لوبان المتربّية منذ نعومة أظفارها على السياسة في توحيد اليمين بسبب تعقيدات السياسة الداخلية وتأثير السياسة الخارجية، ولشدّة تطرّفها وجنوحها عن الموضوعية، وتغيّر الواقع المعاصر في فرنسا. فاليمين المتطرّف لم يعد يميناً واحداً، بل تبدّل وانقسم إلى عدّة مناهج ونماذج يمينية متنافسة ومتناحرة أحياناً ومتوائمة أحياناً أخرى. بات لليمين أكثر من فرع، من بين هذه الفروع الكلاسيكي والمتطرّف والمتطرّف بشدّة والمعتدل الطبيعي، واليمين الشخصي المزاجي (يمين لوبان الأب المؤسّس ولوبان الابنة وآخرين من قياديّي الحزب مثل إريك زمور).

أضحى اليمين في عهد “لوبان الابنة”، الوجه الناعم لأقصى اليمين، أمام “اختبار الشدائد والضائقات المتجدّدة والشرذمات”

هي المرّة الثالثة التي تترشّح للانتخابات الرئاسية الفرنسية، فهل تكون الراجحة؟

تقلّب مزاج الناخب اليميني وتأرجح اختياره وفق الحالة المزاجية السائدة وشخصية المرشحين سبّبا تشتّتاً في الصوت اليميني وتلاشياً في إيصال تطرّفه للحكم وضعفاً بسبب كثرة مرشّحيه وتنافسهم الداخلي. تواجه لوبان بكلّ شراسة حالة تفكّك الأحزاب التقليدية والمؤسسات السياسية الفرنسية وتحاول الاستفادة عبثاً من إخفاقات اليسار وحالته السيّئة، فيما يمينها منهار بسبب انقساماته الداخلية والاتّهامات بالسلوك غير الأخلاقي والفساد التي وُجّهت إليه وإلى كثير من قادته مثل فرانسوا فيون. فهل تستطيع تجاوز فضيحة تهمة اختلاس 600 ألف يورو الموجّهة إليها في الفترة الدقيقة والحسّاسة من مشوارها السياسي؟

تخفيف يمينيتها

تسعى إلى مراجعة دائمة لأسباب الهزيمة، وقد جاهدت لتجديد البرامج والقناعات الـ”لوبانية” أكثر من اليمينية، ومراجعة الاقتراحات للحصول على أكثرية وتحالفات راجحة. عملت على إظهار نفسها أخيراً أنّها مرشّحة “معتدلة”، فقامت شيئاً فشيئاً بمحو أو تخفيف الإجراءات والخطابات والسلوكيات والمواضيع الأكثر إثارة للجدل التي تميّزت بها سابقاً، وقلّلت من غلوّها وتحوّلت نحو القضايا الاجتماعية والاقتصادية والحياتية كإصلاح الأجور والتأمينات الصحية والمنح التقاعدية والضرائب والتلوّث والمناخ والطاقة. ملفات تضرب على الوتر الفرنسي العاطفي ويعايشها المواطن في يوميّاته، ويبدو أنّها استفادت شكلاً أكثر من المضمون.

فتحت “يميناً على يمينها” من خلال تبنّي موقف أكثر اعتدالاً، فلم يعد الحجاب والهجرة أولويّاتها حالياً، وعملت على إغواء واستيعاب جزء من الحزب الجمهوري واليسار والمستقلّين والمتضايقين من سلوك حركة “فرنسا إلى الأمام”، بسلوكها سلوكاً معتدلاً أو بتظاهرها كذلك. فتركت عن سوء نيّة مساحة لأنصارها الأكثر راديكالية الذين أُصيبوا بخيبة أمل بسبب ما يراه البعض منهم تنازلات لا داعي لها وليست تحوّلات سياسية.

ساهمت في ظهور عدد من الشخصيات أكثر تطرّفاً في يمينها، وجماعات راديكالية أعضاء في التجمع الوطني، وهم بأغلبهم مكوّنات قديمة لكنّهم جدد على اليمين المتطرّف ومختلفون مع استراتيجية مارين لوبان بشدّة. لذلك فقدت فرصتها في توحيد اليمين من جديد وفي جذب الناخبين من اليمين المتطرّف واليمين المعتدل.

لديها قدر كبير من عدم اليقين على الرغم من وجود مرشّح مثل إيريك زمور الملقّب بـ”دونالد ترامب فرنسا”، أحد العوامل الإيجابية لمارين لوبان الذي تحاول الاستفادة منه. ونجحت في المرحلة الأولى للانتخابات بمحاولة هروبها من خانة التطرّف وصورة الشيطنة نوعاً ما. ما أظهرها يمينية صادقة وإيجابية. فزمور “بزموره أو مزماره” شغل العالم والناس واستقطب الإعلام والإعلان والمواطن، لكنّه أحرج اليمين أكثر، فاستفادت منه.

إقرأ أيضاً: لوبن “الإيرانية”.. كيف يصوّت لها “سياديو” لبنان؟

أضحى اليمين في عهد “لوبان الابنة”، الوجه الناعم لأقصى اليمين، أمام “اختبار الشدائد والضائقات المتجدّدة والشرذمات”. لكنّ الهجمات تؤدّي إلى الولادة الجديدة بحسب تعبيرها ورأيها. فالمعركة ليس فقط هدفها الوصول إلى الإليزيه، بل دعم مَن هو أفضل. فالعائلة اليمينية المتطرّفة تسير باتجاه عهد جديد من الفوضى والتناقضات. وهذا ما يقلقهم. وهو ما سيعكس مسارات عميقة ومختلفة في البيئة الانتخابية، وهي كلّها قد تطيح بآمال جميع اليمينيين في تحقيق فوز في السباق الرئاسي إلا إذا (وهي “إلا” ضعيفة الاحتمال).

لذلك فإنّ أصل المعركة هو في تغيير الاحتمالات التي تنهي فرص وصولها إلى الإليزيه وقلب نتيجتها، وقطع الطريق من خلال التحالفات والإقناع والقدرة التجييرية، بحيث لا يكون اليمين منافساً فقط في السباق الرئاسي من دون دخول الإليزيه كسيدة أو سيد له.

فهل تنجح؟

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…