لوبن “الإيرانية”.. كيف يصوّت لها “سياديو” لبنان؟

2022-04-18

لوبن “الإيرانية”.. كيف يصوّت لها “سياديو” لبنان؟

من حقّ لبنان واللبنانيين أن يتابعوا بشغف ما ستؤول إليه الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأحد المقبل. لا يتعلّق هذا الاهتمام فقط بالروابط السياسية والتاريخية بين لبنان وفرنسا منذ ما قبل الاستقلال، بل أيضاً لأنّ الحدث الفرنسي من شأنه، كما أيّ شأن متعلّق بالدول ذات التأثير، أن تتداعى نتائجه مباشرة على يوميّات البلد المتعلّق بأيّ حبال تتدلّى من الخارج.

ما زالت فرنسا لاعباً مهمّاً، أو تسعى إلى ذلك، لكنّها ليست الأهمّ في العقود الأخيرة في التأثير على مسار لبنان ومصيره. كان لباريس في السنوات التي تلت الاستقلال نفوذ كبير لدى ساسة البلد، أو كان لها الرأي الوازن. تراجع دور فرنسا مقابل تقدُّم نفوذ إقليمي تتحكّم به التسويات أو الاحتكاكات مع الولايات المتحدة. ومع ذلك بقي لفرنسا موقع خاص يحظى بالتقدير حتى لو تساءل اللبنانيون عما تبقّى لباريس في بلدهم.

إذا ما اعترفت لوبن بالجهد الذي بذله ماكرون لمساعدة لبنان وتعتبره غير كافٍ وغير ناجع، فإنّ في لبنان حملة يديرها “سياديّون” و”ثوّار” يحمّلون الرئيس الفرنسي مسؤولية الفشل في مساعدة بلدهم

لا تتقلّب كثيراً سياسة فرنسا حيال لبنان. بقيت تلك السياسة تغرفُ من زاد العلاقة التاريخية ومن مسلّمة اعتبار باريس أنّ بيروت مفتاح أساسيّ لدورها في الشرق الأوسط. وسواء تبوّأ سدّة الرئاسة في فرنسا شخصية من اليمين أو اليسار، فإنّ مواقف باريس حيال لبنان بقيت “ديغوليّة” في زعمها لعب دور “الأمّ الحنون” مع بلد محشوٍّ بنفوذ قوى أخرى.

على هذا تكرّرُ مارين لوبن، مرشّحة اليمين المتطرّف، ما تؤكّده كلّ الوجوه المسترئسة في فرنسا من اهتمام بالشأن اللبناني. ذهبت في المؤتمر الصحافي، الذي عقدته الأسبوع الماضي لعرض رؤيتها للسياسة الخارجية، إلى الوعد بأن ينال لبنان قسطاً أولويّاً من اهتمامات فرنسا الدبلوماسية في عهدها، مذكّرة بتاريخية علاقة فرنسا بالبلد، ولا سيّما بكنيسته المارونية. ولم يكن ذلك الوعد استدراجاً بالضرورة لاقتراع الفرنسيين في لبنان (80 في المئة منهم مزدوجو الجنسيّة)، وهي التي نالت في صناديقه أقلّ من 12 في المئة في الدورة الأولى في 10 نيسان، بل هو بعث رسالة تجتذب من خلالها الكتلة المسيحية الناخبة في فرنسا عامّة.

فرنسيو لبنان.. يمينيون

ولئن يصوّت فرنسيّو لبنان عادة لمرشّحي اليمين (نال جاك شيراك في زمنه 80 في المئة، ونال فرنسوا فيون المرشّح الديغولي عام 2017 حوالي 61 في المئة)، فإنّهم منحوا الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون في الدورة الأولى حوالي 60 في المئة، وهي نسبة تضاعفت ثلاث مرّات عن تلك في انتخابات 2017 (16.2 في المئة). ومع ذلك فإنّ بعض المنابر والشخصيّات (جلّها من اليمين المسيحي) في لبنان تدعو للاقتراع لمارين لوبن، وذهب بعضها للدعوة إلى دعم وتأييد المرشّح الشعبوي المتطرّف إيريك زيمور الذي نال حوالي 7 في المئة فقط من تصويت الفرنسيين.

وإذا ما اعترفت لوبن بالجهد الذي بذله ماكرون لمساعدة لبنان وتعتبره غير كافٍ وغير ناجع، فإنّ في لبنان حملة يديرها “سياديّون” و”ثوّار” يحمّلون الرئيس الفرنسي مسؤولية الفشل في مساعدة بلدهم بسبب استناد مبادرته إلى الطبقة السياسية اللبنانية نفسها التي يحمّلونها مسؤولية الكارثة التي وصل إليها البلد. وبسبب اعتماده أيضاً على علاقات فرنسا مع إيران وحزب الله اللذين يتحمّلان بدورهما الوزر الأكبر في إضعاف الدولة وتعطيلها، واللذين جاهرا بالعداء للتحرّك الشعبي المطالِب بالإصلاح.

وجود لوبن في الإليزيه الذي سيغيّر موقع فرنسا في المشهد الدولي، من شأنه دفع فرنسا إلى الاصطفاف مع تيار جيوستراتيجي من دمشق إلى موسكو المتحالفتين مع طهران

سياديون.. مع إيران

المفارقة، وهي لبنانية بامتياز، أنّ بعض الأصوات اللبنانية المسمّاة “سيادية” والمعادية لإيران وحزب الله ودمشق تدعو إلى خيار لوبن في فرنسا نكاية بماكرون. غير أنّ لوبن التي تَعِد بهمّة خاصة بديلة عن تلك الماكرونيّة اتّجاه لبنان، تعِد أيضاً بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين بلادها والنظام السوري في دمشق، وتَعِد في موضع آخر بتحوّل استراتيجي في علاقات فرنسا وروسيا تحت مسمّى العمل على تقارب بين روسيا والحلف الأطلسي، علماً أنّ من وعودها الانتخابية أيضاً إخراج فرنسا من القيادة الموحّدة لهذا الحلف بما يجعلها أقرب إلى حلف إيران الممانع واجتهاداته الشرقية.

بكلام آخر، فإنّ وجود لوبن في الإليزيه الذي سيغيّر موقع فرنسا في المشهد الدولي، من شأنه دفع فرنسا إلى الاصطفاف مع تيار جيوستراتيجي من دمشق إلى موسكو المتحالفتين مع طهران. صحيح أنّ لوبن سعت إلى رفض أيّ تواصل مع حزب الله في لبنان حين لم تلتقِ بممثّليه في زيارتها للبلد عام 2017 من أجل عدم المسّ بحساسيّة كتلتها الناخبة، لكنها، وعلى عكس ماكرون الذي يتعامل مع الحالة الإيرانية بما يخدم مصالح بلاده داخل الكتلة الغربية، ذاهبة منطقياً وعقائدياً بما يتجاوز مسألة مصالح فرنسا، إلى ملاقاة إيران وحزبها في حال انتخابها وفق سياق ما تَعِد به من تقارب استراتيجي (شرقي) مع روسيا بعد انتهاء حرب أوكرانيا.

إقرأ أيضاً: هل ينتصر ماكرون بالسياسة الخارجية؟

وإذا ارتأى مزاج عصبويّ يمينيّ لبنانيّ أنّ لوبن تشكّل ملاذاً لمصلحة لبنان، فإنّ حزب الله وطهران ودمشق وموسكو ترى فيها أيضاً أملاً يقلب موازين القوى الأوروبية إذا ما أُضيف انتخابها إلى انتخاب أمثالها في هنغاريا وصربيا أخيراً في قلب أوروبا، وتحوُّلاً يضرب موازين القوى الدولية إذا ما قاد ذلك إلى خروج فرنسا من حلف الأطلسي والعبث مع الاتحاد الأوروبي والابتعاد عن واشنطن لمصلحة موسكو، وترى بها زمناً جديداً يُعيد تعويم ذلك الهلال الشهير من طهران إلى بيروت.

* كاتب لبناني مقيم في لندن

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…