يبدو أنّ قدر المواطن اللبناني أن يعيش “الشحار والتعتير والقلق” حتى في مرضه. فبعد همّ انقطاع الأدوية وكلفة الاستشفاء الباهظة، وصلت آخر تداعيات الأزمة الاقتصادية إلى العمليات الجراحية، إذ “اختفت” الأدوية المخدِّرة (البنج) التي لا يمكن إجراء جراحات حتى لو كانت بسيطة من دونها، فلا يكاد المخزون يكفي لإجراء العمليات الطارئة، ولا حلول حتى الآن لحلّ الأزمة.
ما جديد أزمة انقطاع البنج؟ وهل من حلول في الوقت القريب؟ وهل رفع الدعم عن “البنج” سيؤدّي إلى توافره؟
هارون لـ”أساس”: هذه الأزمة ليست جديدة، بل بدأت بوادرها منذ حوالى 5 أو 6 أشهر، ومنذ ذلك الحين لوحظ حصول نقص وشحّ في مادّة التخدير العامّ
هارون: الأزمة إلى تفاقم
يشرح نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون لـ”أساس” أنّ “هذه الأزمة ليست جديدة، بل بدأت بوادرها منذ حوالى 5 أو 6 أشهر”، ويلفت إلى أنّه “منذ ذلك الحين لوحظ حصول نقص وشحّ في مادّة التخدير العامّ، لكن منذ أسبوعين تقريباً تفاقمت المشكلة، وسُجّل إضافة إلى ذلك انقطاعٌ لمادّة “البنج” الموضعي. وهناك أنواع عديدة من موادّ التخدير العامّ، وسُجّل فقدان جزء كبير من هذه الأنواع بشكل كلّيّ، في حين أنّ تسليم جزء آخر منها يتمّ بكميّات ضئيلة جدّاً لا تكفي 20% من حاجات المستشفيات. وفي الخلاصة تشهد أدوية البنج الموضعي انقطاعاً يصل إلى نسبة 90 في المئة، فيما يُسجّل نقص في مخزون البنج لدى معظم المستشفيات”.
ويوضح هارون أنّ “المستشفيات، ولأشهر مضت، كانت تستخدم المخزون الذي لديها من “البنج”، وهو من الأدوية المدعومة من مصرف لبنان، وقد بدأ ينفد، في حين أنّ الأزمة إلى تفاقم”.
وينقل هارون عن المستوردين أنّ “المركزي” لم يفتح لهم الاعتمادات اللازمة لاستيراد “البنج”، وشحّ إمدادات البنج سببه تراجع احتياطات مصرف لبنان المركزي من العملات الصعبة، الذي يؤدّي إلى تقنين استيراد أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة والأدوية المخدِّرة، التي لا تزال تخضع لدعم المصرف بعد رفع الدعم عن معظم العقاقير الأخرى: “يسلّم الوكيل هذه الأدوية وفق تقنين قاسٍ، بحيث نطلب مثلاً 20 علبة فلا يسلّمنا أكثر من علبتين”، يقول هارون، ويضيف: “الحل أن يفتح مصرف لبنان المركزي اعتمادات بالعملة الصعبة للتجار كي يستوردوا، أو أن يرفع الدعم ليتمكّن التجار من الاستيراد المباشر. ليس منطقياً أن يبقى الحال على ما هو عليه الآن”.
سكرية: انقطاع أدوية البنج هو المشهد الأكثر رعباً في مسلسل قتل الناس، بالتراكم أو بالمباشر، المتواصل عرضه منذ سنوات. إنّها جريمة لا تُغتفر
سلوم: الحلّ برفع الدعم
يكشف نقيب الصيادلة جو سلوم أنّه “على الرغم من أنّ مجلس الوزراء اللبناني أقرّ في جلسته الأخيرة مبلغ 13 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة، لاستيراد أدوية السرطان والبنج وحليب الأطفال والأمراض المستعصية، فإنّ هذا يُعدّ حلّاً “ترقيعياً” ومؤقّتاً للأزمة، خصوصاً أنّ أدوية التخدير الموضعي تشهد تقريباً انقطاعاً كليّاً”.
بحسب معلوماته فإنّ “المخزون شحيح بسبب غياب الدعم والموافقات المسبقة، ويقتصر توفير البنج على العمليات الجراحية الملحّة في كلّ المستشفيات اللبنانية”.
أما “الحلّ الدائم” فهو “يتطلّب سياسة دوائية شاملة ومستدامة تقوم على تحقيق أمرين:
– الأوّل رفع الدعم.
– الثاني بطاقة دوائية واستشفائية توفّر استمرارية العلاج للشعب اللبناني.
هذه السياسة الدوائية غير ممكنة حالياً “ونؤكّد على العمل المتواصل مع كلّ المرجعيات المسؤولة من أجل الوصول إلى هذا الأمر لأنّ تغيير الواقع الصحي يبدأ بقرار سياسي ينسحب على الصحة والاقتصاد”.
وتوقّع سلوم في ختام حديثه “انفراج الوضع خلال أسبوعين”، لكنّه يأمل إيجاد حلول جذرية وغير مؤقّتة.
إقرأ أيضاً: الدكتور خليفة لـ”أساس”: اقتربنا من نهاية كورونا
سكّرية: المشهد الأكثر رعباً
رئيس الهيئة الوطنية الصحية “الصحة حقّ وكرامة” الدكتور إسماعيل سكرية يتساءل: “هل طُرحت أزمة أدوية وموادّ التبنيج للتداول بعد قرب الدفع الشهري للأدوية المستعصية طمعاً بتغطيتها، وبالتالي تهريب تغطية المصرف وطمس ما سبق لسرقة ما لا يستطيع أحد تبيانه؟”.
ويختم بالقول إنّ “انقطاع أدوية البنج هو المشهد الأكثر رعباً في مسلسل قتل الناس، بالتراكم أو بالمباشر، المتواصل عرضه منذ سنوات. إنّها جريمة لا تُغتفر وأبطالها يدرون ماذا يفعلون وهم لا يستحقّون الغفران”.