استعادت الإطلالة التلفزيونية الأخيرة للأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري مرّتين: في أولاهما كانت المناسبة توقيع “تفاهم نيسان” عام 1996، وفي الثانية كان الانقسام الذي وقع في لبنان عام 2005 في ما يتّصل بتأليف المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري وسائر شهداء ثورة الأرز. وبدا نصرالله وكأنّه يتحدّث عن الرئيس الشهيد بلغتين، تناقض الواحدة الأخرى.
قال نصرالله في المرّة الأولى: “يجب أن نُسجّل بشكل خاص الجهد المميّز الذي قام به الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأيضاً الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي أدّى إلى ما سُمّي حينئذٍ بتفاهم نيسان وتشكيل لجنة تفاهم نيسان، التي أسّست لانتصار المقاومة عام 2000 وهزيمة العدوّ لأنّها أطلقت يد المقاومة”.
أمّا في المرّة الثانية فقال: “عام 2005 لأن البلد كان “مخبوص” بعد الأحداث التي حصلت بعد استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري والانقسام الحادّ بالبلد… الإلغائي هو الذي كان لديه حكومة في الـ2006 “وزراء أمل وحزب الله” استقالوا من الحكومة بسبب الاعتراض على طريقة إقرار موضوع اتفاقية المحكمة الدولية واستقلنا”.
لكنّ هناك مرّة ثالثة، لم يُشِر إليها الأمين العام للحزب، وهي ما جاء بمقال في “أساس” في 13 آذار الماضي، تحت عنوان “محكمة الحريري للمرّة الأولى: الحزب قتل الحريري”، وورد فيه إعلان رئيسة غرفة الاستئناف لدى المحكمة الخاصة بلبنان القاضية إيفانا هردليشكوفا في العاشر من آذار الماضي أنّ “مستخدمي هواتف الشبكة الخضراء الذين تولّوا قيادة مهمّة تنفيذ الاعتداء (اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من عام 2005) هم شبكة سرّيّة تابعة لحزب الله”.
كيف يمكن لِمَن جرت إدانة حزبه بارتكاب جريمة العصر أن يُصدر على الناس أحكاماً ويُوجّه إليهم اتّهامات؟
إذن ما قاله نصرالله عن “الجهد المميّز” الذي قام به الرئيس الشهيد رفيق الحريري كي يبصر “تفاهم نيسان” النور عام 1996، والذي أوصل لبنان إلى التحرير عام 2000، انقلب إلى قول آخر بعد 9 أعوام، عندما جرى اغتيال صاحب ذلك “الجهد المميّز” في 14 شباط 2005، في جريمة هزّت لبنان والعالم. فهو تناول هذا الحدث بعبارة “البلد كان مخبوص”! ثمّ وصل إلى كشف المستور عندما قال: “الإلغائي هو الذي كان لديه حكومة في الـ2006، ونحن “وزراء أمل وحزب الله” استقالوا من الحكومة بسبب الاعتراض على طريقة إقرار موضوع اتفاقية المحكمة الدولية”.
لكنّ المحكمة، التي اعترض نصرالله على اتّفاقيّتها قبل 17 عاماً، هي التي نطقت بحكم الإدانة لحزبه في جريمة اغتيال الحريري. فهل هذا تفصيل ثانوي لا يستحقّ أن يتوقّف عنده الأمين العام لهذا الحزب؟
شاءت الصدف أن يتحدّث الرئيس فؤاد السنيورة، الذي كان رئيساً للحكومة التي نجحت في إنجاز إنشاء المحكمة الدولية، قبل أيام في لقاء خاص عن الموضوع نفسه، فأشار إلى أنّ المحكمة التي وُلدت عام 2007 بقرار من مجلس الأمن الدولي يحمل الرقم 1757، استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز استخدام القوة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن، لم تكن لتبصر النور لولا موافقة روسيا والصين، وكلاهما عضوان دائمان في المجلس ويمتلكان حقّ النقض “الفيتو”. وكان شرط هاتين الدولتين ألا تكون المحكمة لمقاضاة دول ورؤسائها أو أحزاب ومنظّمات. وكان هدف روسيا والصين حماية نظام بشار الأسد و”حزب الله”. لكن مع مرور الزمن على اقتصار الإدانة على القيادي في الحزب، سليم عياش، عادت المحكمة وأدانت كلّاً من حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي، إضافة إلى عياش، في ملفّ اغتيال الحريري، لتسقط بذلك نظرية إدانة الأفراد وتحلّ مكانها نظرية إدانة الأحزاب.
إقرأ أيضاً: إنّها الانتخابات الأهمّ للحزب منذ 1992!
بالعودة إلى إطلالة نصرالله الأخيرة، التي تحدّث فيها عن عدد كبير من المسائل، فقد ذهب من حيث لا يدري إلى المسألة الأهمّ بالنسبة إلى لبنان، ألا وهي قضية العدالة.
فكيف يمكن لِمَن جرت إدانة حزبه بارتكاب جريمة العصر أن يُصدر على الناس أحكاماً ويُوجّه إليهم اتّهامات؟