سلامة باقٍ: “فوضى” تعيينات في حكومة ميقاتي

مدة القراءة 7 د

تعيينات “فوضوية” شهدتها حكومة ميقاتي منذ استئناف جلساتها في 24 كانون الثاني بعد تعطيل دام أكثر من ثلاثة أشهر، الأمر الذي فتح الباب أمام تساؤلات عن احتمال حصول توافق سياسي على تعيينات من “الوزن الثقيل”.

لكنّ معلومات “أساس” تؤكّد أنّ كلّ ما يُحكى عن تعيينات قضائية تشمل قضاة كباراً وعن تعيين حاكم مصرف لبنان جديد لا أساس له من الصحّة. حتّى الآن هناك تضارب في المعلومات حول تلبية رياض سلامة “المُدّعى عليه” دعوة عدّة وزراء لحضور الجلسة المقبلة لجلسة مجلس الوزراء.

 

مرسوم الترقية

منذ ثلاثة أيام صدر مرسوم ترقية عضويْ المجلس العسكري الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع محمد المصطفى والعضو المتفرّغ في المجلس العسكري بيار صعب إلى رتبة لواء.

شهر ونحو أسبوعين هي المدّة التي فصلت بين قرار التعيين “المُلتبس” الصادر عن مجلس الوزراء في 10 شباط الماضي بسبب اعتراض الفريق الشيعي على التعيينات، وبين ترقية الضابطين بمرسوم عاديّ وقّعه وزير المال ووزير الدفاع ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، مع العلم أنّ المرسومين يصدران بالعادة في التوقيت نفسه.

معلومات “أساس” تؤكّد أنّ كلّ ما يُحكى عن تعيينات قضائية تشمل قضاة كباراً وعن تعيين حاكم مصرف لبنان جديد لا أساس له من الصحّة

فَرَض رئيس الحكومة اسم قائد اللواء الثاني العميد المصطفى، من دورة الـ 94، لتعيينه أميناً عامّاً للمجلس الأعلى للدفاع. قرارٌ غير اعتيادي واستثنائي في المؤسسة العسكرية بسبب القفز مباشرة نحو دورة الـ 94 وتجاوز نحو 120 عميداً يسبقونه بالأقدميّة، وهو ما أدّى إلى إرباك كبير على مستوى التراتبية.

الأهمّ أنّ القرار أطاح بحقّ عمداء سُنّة، منهم مثلاً العميد خليل يحيى (دورة 85) والعميد وليد السمرجي (دورة 85) والعميد أحمد الأسير (دورة 86)، في اقتناص فرصة التعيين في هذا الموقع.

“قَطَع” التعيين بالنهاية مع تجاوز رأي قائد الجيش في الضابطين المصطفى وصعب، وعلى الرغم من اعتراض الثنائي الشيعي على التعيينات التي “دُوزِنت” لاحقاً عبر ملء الشغور في موقع نائب المدير العامّ لأمن الدولة الذي يشغله ضابط شيعي.

 

أين مرسوم صليبا؟

يمثّل نموذجاً آخر من التعيينات المُرتبكة تأخّرُ صدور مرسوم تعيين اللواء طوني صليبا مديراً عامّاً لأمن الدولة بصفة مدنية بعد قرار مجلس الوزراء قبول استقالته في 10 آذار الجاري.

تكمن مشكلة المرسوم، الذي وقّعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس بانتظار توقيع رئيس الجمهورية عليه، في أنّه مخالف للقانون بتأكيد أكثر من مرجع قانوني، وهذا ما قد يعرّضه للطعن خلال مدّة شهرين من صدور المرسوم.

الجِهة الطاعنة هي كلّ متضرّر من صدور المرسوم من بين موظفي الفئتين الأولى والثانية أو من رتبة عقيد وما فوق الذين يحقّ لهم بالقانون أن يُعيَّنوا، أو من حملة الشهادة الجامعية وفق الفتوى القانونية التي أجازت تعيين صليبا بصفة مدنية على الرغم من مخالفة القرار قانون الموظفين لناحية السنّ.

سيُقدَّم الطعن، إذا حصل، أمام مجلس شورى الدولة ورئيسه فادي الياس الذي فَرَز جهاز أمن الدولة عناصر عسكرية لحمايته.

يتّكئ فريق القصر الجمهوري على رأي قانوني بأنّ “التعيين من خارج الملاك لا يستلزم سوى شرط الشهادة الجامعية فقط”. وهو رأي لا يأخذ بالاعتبار ضرورة توافر شروط التعيين في الموظف وعلى رأسها السنّ.

 

بديل عن سلامة؟

احتمالُ تعيين حاكم مصرف لبنان جديد يخلف حاكم لم تنتهِ ولايته بعد، حيث تمّ التجديد لرياض سلامة في 24 أيار 2017 لولاية من ستّ سنوات تنتهي في أيار 2023، يجسّد نموذجاً ثالثاً عن تعيينٍ قد يُدخِل حكومة نجيب ميقاتي التاريخ.

برّرت محطة “OTV” المحسوبة على التيار الوطني الحر التجديد لسلامة قبل خمس سنوات بهدف “تأمين أفضل استقرار نقدي وماليّ في البلاد، واتّقاءً لعاصفة ممكنة من صوب دونالد ترامب”.

وفق مصدر مطّلع فإنّ تعيين بديل عن الحاكم الحالي لن يرى النور. فرياض سلامة، على الرغم من وشوشات الكواليس، باقٍ في موقعه ولن يغادر

اليوم اتُّخِذ قرار عوني معاكس للأسباب الموجبة للتمديد لسلامة. لن يترك رئيس الجمهورية ميشال عون قصر بعبدا، كما يُكرّر دائماً، قبل أن يرى رياض سلامة في منزله أو في السجن. بعدما سلّم عون بأنّ سلامة هو العامل “المفجّر” للاستقرار النقدي والمالي، الذي ساهم في انهيار عهده بالتكافل والتضامن مع رموز “المنظومة”.

لكن وفق مصدر مطّلع فإنّ تعيين بديل عن الحاكم الحالي لن يرى النور. فرياض سلامة، على الرغم من وشوشات الكواليس، باقٍ في موقعه ولن يغادر، وهو لا يزال يحظى بغطاء أميركي وبغطاء رئيسيْ مجلس النواب والحكومة.

في هذا السياق بدت لافتةً تغريدةُ وزير الثقافة محمد بسام مرتضى المحسوب على الثنائي الشيعي قاصداً رياض سلامة إذ قال: “يهرب إلى الأمام ويخلق الأزمات من خلال ممارسة التضييق على استيراد المحروقات عبر استبدال آليّة التحويل بأخرى مُربكة، ويضع أسقفاً لسحب الرواتب، كلّ ذلك لفرض أوراق مساومة. لكنّ البلد ومَن في البلد أكبر منه ومن مشغّليه، ومحاولاته المقيتة لن تثمر إلا وبالاً عليه”.

طرحت هذه الرسالة السياسية القاسية والمباشرة تساؤلات عن مغزاها في هذا التوقيت. يجزم العارفون أنّ الوزير مرتضى يملك هامشاً واسعاً من التعبير داخل مجلس الوزراء وخارجه، وقد وَجَدَ في سياق المعطيات، التي عُرِضت في مجلس الوزراء، أنّ سلامة ينفّذ ما يُشبه الانقلاب ردّاً على التعاطي القضائي معه ومع شقيقه رجا.

وفق المعلومات، طَلَب مرتضى والوزيران مصطفى بيرم وعباس الحاج حسن وغيرهم حضور سلامة جلسة مجلس الوزراء المقبلة لاستيضاحه حول تعديله آليّة تحويل الدولارات إلى الخارج والتراجع عن آليّة ضخّ الدولارات للشركات والمستوردين عبر منصّة “صيرفة”. الأمر الذي انعكس في عودة الطوابير، خصوصاً أمام محطات الوقود، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وخلق أزمة بنزين ومازوت، إضافة إلى تقليص سقف السحوبات للرواتب، والأهمّ عدم معرفة الرقم الحقيقي للاحتياط الإلزامي، وعدم التزام سلامة بقرارات مجلس الوزراء. يُضاف إلى ذلك تحذير وزير الطاقة وليد فياض من “أنّنا أمام أزمة محروقات كبيرة جداً وخطيرة بسبب تغيير آليّة التحويل وتعقيدها”. 

يُقدِّر مراقبون أنّ هذه الرسالة تعكس موقف حزب الله من رياض سلامة وليس نبيه برّي. لكن ليس مؤكّداً بعد أنّ سلامة المدّعى عليه سيحضر الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، خصوصاً أنّه يعتمد تقنيناً قاسياً في تنقّلاته.

على الرغم من كمّ الدعاوى التي تحاصره في الداخل وملفّاته القضائية المفتوحة في الخارج، لن يتزحزح رياض سلامة من موقعه لأنّ الغطاء السياسي لاستمراره في الحاكمية ما يزال قائماً.

 

سخرية المولوي

وصل الاستخفاف بالإجراءات القضائية المتّخذة بحقّ سلامة إلى حدّ سخرية وزير الداخلية بسام المولوي خلال تصريح إعلامي من إمكانية إصدار المدّعية العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون مذكرة توقيف غيابية بحقّ حاكم مصرف لبنان بعد رفضه المثول أمامها. إذ قال القاضي المولوي عن “زميلته” القاضية غادة عون ضاحكاً: “مش مشكل تَعمِل مذكرة”.

إنّها منهجية التفكير نفسها التي تتحكّم اليوم بأسلوب مقاربة رئيس الحكومة لملفّ رياض سلامة.

يؤكّد مصدر قريب من ميقاتي أنّ “تعيين بديل عن سلامة غير وارد الآن، وإن حصل فليس قبل إجراء الانتخابات النيابية ثمّ الرئاسية”.

إقرأ أيضاً: رحيل سلامة: قبل الانتخابات أو بعدها؟

يتزامن هذا الموقف الثابت لميقاتي وبرّي معاً مع إصدار قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور أمس مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ رجا سلامة في الادّعاء الموجّه إليه بجرائم تبييض أموال وإثراء غير مشروع من قبل القاضية عون، واستدعى القاضي منصور حاكم مصرف لبنان إلى جلسة تحقيق يوم الخميس المقبل. هل يؤدّي هذا المسار إلى إصدار مذكّرة توقيف بحقّ رياض سلامة؟

الأرجح أنّ سلامة لن يلبّي دعوة القاضي منصور ولا “شيخ” القضاة ميشال عون إلى مجلس الوزراء.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تتوغّل جنوباً: هذه هي حرّيّة الحركة!

بعد انقضاء نصف مهلة الستّين يوماً، الواردة في اتّفاق وقف إطلاق النار، ها هي القوّات الإسرائيلية تدخل وادي الحجير. ذلك الوادي الذي كان في عام…

الموقوفون الإسلاميّون… ملفّ أسود حان وقت إقفاله

عاد ملفّ الموقوفين الإسلاميين إلى الواجهة من جديد، على وقع التحرّكات الشعبية المطالبة بإقرار (العفو العام) عفو عامّ لحلّ هذا الملفّ، الذي طالت مأساته على…

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…