روسيا حليفة إيران وإسرائيل.. ونحن الأوفياء لموسكو!

مدة القراءة 6 د

أثناء حصار القوات الإسرائيلية بيروت عام 1982، أطلق القيادي الفلسطيني الراحل صلاح خلف (أبو إياد) صرخته الشهيرة: “لو أرسلت موسكو إلى لبنان باخرة قمح ترفع علم الاتحاد السوفياتي لتغيّر مسار المعركة”. لكن لم تفعل موسكو ذلك. بل تركت الفلسطينيين واللبنانيين لنكبتهم، فيما أنزلت الولايات المتحدة قواتها في بيروت للإشراف على إجلاء قوات منظمة التحرير الفلسطينية من العاصمة.

قد لا تريد موسكو أو لا تستطيع أن تقف مع الحقّ العربي أثناء الصراع مع إسرائيل مقابل الدعم الغربي الأميركي غير المشروط لإسرائيل. لكنّ وقائع التاريخ تقصّ علينا حكايات عن ذلك التحالف العربي مع الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي أثناء الحرب الباردة. وهو التحالف الذي واكب بخبث كلّ الهزائم التي مُنِي بها العرب في معاركهم العسكرية والسياسية ضدّ إسرائيل.

كان الاتحاد السوفياتي من أوائل الدول التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل. تقدّمت إسرائيل بطلب العضوية في الأمم المتحدة في 15 أيار 1948. اعترف الاتحاد السوفياتي بعضوية إسرائيل بعد يومين فقط، فيما جاء اعتراف الولايات المتحدة في 31 كانون الثاني 1949. لا بل إنّ أدبيّات الحزب الشيوعي السوفياتي لطالما اعتبرت قيام إسرائيل إنجازاً متّسقاً مع عقائده وأهدافه.

يجري الصراع بين روسيا وأوكرانيا. حريّ بالعرب أن يسعوا إلى اتخاذ الموقف الحصيف غير المتدخّل بصراع الآخرين

لا يهمّ. ظلّ الخطاب العربي، ولا سيّما لدى الأنظمة الثورية القومية اليسارية، يعتبر الاتحاد السوفياتي حليفاً استراتيجيّاً. عاش الفلسطينيون نكبتهم وخسر العرب حرب 1948. أُنزلت بسوريا ومصر والأردن ما أُطلق عليه اسم “النكسة” عام 1967. اجتاحت إسرائيل لبنان واحتلّت عاصمته عام 1982. جرت تلك الانهيارات بتأمّل من الحليف الوفيّ في موسكو. حتّى في حرب أكتوبر عام 1973 كشف الرئيس المصري الراحل أنور السادات أنّه اُضطُرّ إلى وقف الحرب والقبول بوقف إطلاق النار بسبب جسر جوّيّ أقامته واشنطن مع إسرائيل لم يقابله جسر جوّيّ من موسكو صوب مصر. قال حينها: “لست قادراً على مقاتلة أميركا”.

 

عدم الثقة الروسية

يروي أحد القادة الفلسطينيين ما سمعه من مسؤولين سوفيات أثناء زيارة وفد فلسطيني موسكو في سبعينيّات القرن الماضي. يروي أنّ الروس في ذلك الزمن لم يثقوا يوماً بالعالم العربي ولم يأمنوا لصداقته. ولئن كانت مواقف بعض العواصم العربية واضحة في عدائها للشيوعية والسوفيات وانحيازها إلى جانب المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، فإنّ موسكو لم تكن واثقة بالعواصم “الثورية”، ذلك أنّها، وكما ينقل المسؤول الفلسطيني عن أحد القيادات السوفياتية، “تعمل على التقرّب من موسكو من أجل استمالة الإدارات في واشنطن”.

لم تفعل شيئاً موسكو لردّ تفوّق إسرائيل عن العرب. لم تدعمهم كما تدعم واشنطن إسرائيل. ومع ذلك فإنّ مشاعر عربية تقف بالفطرة إلى جانب موسكو فتنتصر لها حين يحتلّ جيشها أفغانستان ويقلقها تقهقرها هناك. لم تتغيّر كثيراً هذه المشاعر حتى عندما انتقل مليون روسي للاستيطان في إسرائيل وباتت علاقات روسيا مع إسرائيل استراتيجية حميمة في التحالف والتقاطع والتنسيق والتبادل التجاري والتكنولوجي والتسليحي والأمني. لا يهمّ، يكفينا أنّها تُدين أحياناً تجاوزات إسرائيل، وتستنكر أحياناً أخرى توسّع استيطانها، تماماً كما تفعل أوروبا دائماً وكما يصدف أن تفعل واشنطن أيضاً. ومع ذلك فإنّ روسيا حليفتنا.

لا يمكن أن تُلام موسكو السوفياتية كما موسكو اليوم على مواقف تتّسق مع مصالح روسيا. المشكلة تكمن في تلك المودّة غير المشروطة التي يكنّها بعض العرب لروسيا أيّاً كان سلوكها في الشيشان أو جورجيا أو مولدافيا أو سوريا أو كازاخستان.. أو أوكرانيا في الأمس وهذه الأيام. في الأمر بعضٌ من تخشّب يساريّي المنطقة وقوميّيها في عواطفهم تجاه روسيا منذ الحقبة السوفياتية المندثرة. غادرت موسكو موقعها الثوري القديم، لكنّ بعض العرب لم يغادروا موسكو وما زالوا يقفون عند جثّة لم يعد الروس يلمحونها.

قد لا تريد موسكو أو لا تستطيع أن تقف مع الحقّ العربي أثناء الصراع مع إسرائيل مقابل الدعم الغربي الأميركي غير المشروط لإسرائيل

موسكو الإسرائيلية – الإيرانية

ولئن يجوز التبرّم المشروع من موقف واشنطن الملتبس من قضايا العرب ومن إيران منذ باراك أوباما إلى جو بايدن، غير أنّ مشاعر العرب الجيّاشة حيال حليفنا في موسكو تُغفل أنّ روسيا هي صديق وحليف وشريك استراتيجي لنظام الجمهورية الإسلامية. لم تكترث موسكو يوماً لسلوك ميليشيات إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. لم يصدر عنها موقف ضدّ تدخّلها في شؤون دول الخليج. وقلّما ظهر لها موقف صلب جدّيّ مدافع عن أمن تلك الدول من أخطار بحريّة وبرّية وأخرى تحملها الصواريخ والمسيَّرات الإيرانية التي يطلقها الحوثيون من اليمن ضدّ دول الخليج.

يجري الصراع بين روسيا وأوكرانيا. حريّ بالعرب أن يسعوا إلى اتخاذ الموقف الحصيف غير المتدخّل بصراع الآخرين. وحريّ تثمين مواقف دول الخليج ومصر وعديد من الدول العربية التي التزمت حدود الحياد والمطالبة بالحوار والدبلوماسية ووقف الحرب ووضع حدّ لمأساة إنسانية لا يختلف وجعها عن مآسٍ شبيهة في المنطقة.

قد يكون من حقّ العرب أن يتّخذوا موقفاً معادياً للغرب، والأسباب كثيرة. لكنّ أيّ حقّ بالوقوف ضدّ أوكرانيا المُحتلّة والانحياز إلى روسيا الغازية؟ ولئن تسعى إسرائيل بصعوبة إلى أخذ مسافة من الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على علاقة مع الصديق الروسي العزيز، فكيف للمشاعر العربية الداعمة لروسيا أن تقف مع مشاعر نفتالي بينيت وصحبه في خندق واحد؟

إقرأ أيضاً: حلفاء أميركا يتركونها: حركة تصحيحية؟

“في حال الحرب ضدّ إسرائيل، لن تقف الولايات المتحدة وحدها إلى جانب إسرائيل، بل روسيا أيضاً ستكون إلى جانب إسرائيل”، قالها في شباط 2018 نائب السفير الروسي إلى إسرائيل ليونيد فرولوف. لا يهمّ، نحن العرب مع صديقتنا روسيا.

يبقى أنّ في المنطقة مَن هو مدين هذه الأيام لروسيا بسبب تخريبها اتّفاق فيينا المكروه، فيتمّ التصفيق لموسكو في أوكرانيا نكايةً بما تدبّره واشنطن مع طهران. طبعاً لن يستطيع الأوكرانيون تفهّم ذلك أبداً.

 

*كاتب لبناني مقيم في لندن

مواضيع ذات صلة

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…