محكمة الحريري للمرّة الأولى: الحزب قتل الحريري

مدة القراءة 5 د

بعد أن أعلنت رئيسة غرفة الاستئناف لدى المحكمة الخاصة بلبنان القاضية إيفانا هردليشكوفا، في العاشر من آذار الحالي، أنّ “مستخدمي هواتف الشبكة الخضراء” الذين “تولّوا قيادة مهمّة تنفيذ الاعتداء (اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من عام 2005)، هم “شبكة سرّيّة تابعة لحزب الله”، لا قيمة من الأن وصاعداً لضوابط نظام المحكمة الدولية التي قضت بحصر الاتّهامات والأحكام بالأشخاص وليس بالأحزاب والدول.

لذلك فالإدانة الجديدة الصادرة عن هذه الغرفة، التي تمثّل رأس الهرم في المحكمة، لكلّ مِن حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي في ملفّ اغتيال الحريري، تُسقِط نظرية الأفراد وتُحلّ مكانها نظرية الأحزاب.

 لفّ الصمتُ “حزب الله” على كلّ المستويات، فلم تظهر أيّة إشارة منه إلى حكم المحكمة، الذي ربط المدانين بارتكاب الجريمة به مباشرة

فقد أعلنت المحكمة مسؤولية “حزب الله” عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك للمرّة الأولى منذ بدء المحاكمة في 16 كانون الثاني 2014. إذ أصدرت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة في 18 آب 2020 حكماً قرّرت فيه بالإجماع أنّ “سليم جميل عياش (شخصيّاً) مذنبٌ على نحو لا يشوبه أيّ شك معقول”. وقرّرت أيضاً أنّ “حسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا غير مذنبين في ما يتعلّق بجميع التهم المسندة إليهم في قرار الاتّهام. أمّا رأس هذه المجموعة مصطفى بدر الدين، فقد تمّ وقف التعقّبات بحقّه بعد الإعلان عن مقتله في سوريا عام 2016”.

جديد المحكمة أيضاً في متن حكمها الجديد هو وصفها بدر الدين بأنّه “تولّى تنسيق الشبكة السرّية لحزب الله”، التي اغتالت الرئيس الحريري، وأنّه كان “قائداً عسكرياً في حزب الله خلال عامَيْ 2004 و2005”.

في المقابل، لفّ الصمتُ “حزب الله” على كلّ المستويات، فلم تظهر أيّة إشارة منه إلى حكم المحكمة، الذي ربط المدانين بارتكاب الجريمة به مباشرة.

ماذا يعني هذا التطوّر القضائي الدولي في جريمة العصر؟

أجابت الناطقة باسم المحكمة وجد رمضان على هذا السؤال في حديث صحافي بالقول إنّ المحكمة بدأت الإجراءات القانونية المتعلّقة بتحديد العقوبة بعد حكم الإدانة. وشدّدت على “أربع نقاط مهمّة في ملخّص الحكم، أبرزها استنتاج قضاة الغرفة (الاستئناف) بالإجماع أنّ الأدلّة أثبتت أنّ الشبكة الخضراء كانت شبكة سرّيّة تابعة لحزب الله”.

وعن مسألة النطق بعقوبة مرعي وعنيسي، تقول رمضان: “بعد حكم النطق بالعقوبة تكون المحكمة قد استكملت قضية اعتداء 14 شباط (2005)”. وتتوقّع المحكمة انتهاء عملها بحلول تموز المقبل من هذه السنة. وفيما بدأت المحكمة الخاصة تحزم حقائب الرحيل، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هناك مهمّات منعت المحكمة عن إنجازها منذ أن أصدرت في 2 حزيران 2021 بياناً جاء فيه أنّه “يؤسفها أن تعلن أنّها تواجه أزمة ماليّة غير مسبوقة. فمن دون تمويل فوري، لن تتمكّن المحكمة من مواصلة عملها… وقد أبلغ كبارُ مسؤولي المحكمة الأمينَ العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسميّاً بالوضع الماليّ الذي سيترتّب عليه عجز المحكمة عن إكمال عملها إذا لم تصلها أيّ مساهمات قبل نهاية شهر تموز (2021)”.

منذ أعوام، أعلن الأمين العامّ لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أنّ المتّهمين من حزبه (قبل صدور الإدانة بحقّهم) هم “قدّيسون… ولن يُسلّموا ولو بعد مئات السنين”

نقص التمويل.. والإقفال

تعتمد المحكمة، وفق البيان، “بدرجة كبيرة على المساهمات الطوعية من الدول المانحة لتمويل نسبة 51 في المئة من ميزانيّتها، في حين أنّ لبنان مسؤول عن تمويل نسبة 49 في المئة منها. وكانت المحكمة قد خفضت ميزانيّتها لعام 2021 بنسبة عالية بلغت 37 في المئة تقريباً مقارنةً بالسنوات السابقة، نظراً إلى الظروف الصعبة الناتجة عن جائحة كوفيد-19 العالمية والوضع المقلق في لبنان”.

في آذار 2021، قدّمت الأمم المتحدة للمحكمة إعانة بلغ قدرها 15.5 مليون دولار أميركي تغطي نسبة 75 في المئة من مساهمة لبنان في ميزانيّتها، بهدف دعم استمرار العمل القضائي للمحكمة. وقد أعربت المحكمة، في بيانها المشار إليه آنفاً، عن “أساها الشديد إزاء تأثير هذا الوضع على المتضرّرين من الاعتداءات المندرجة ضمن ولايتها الذين وضعوا آمالهم وثقتهم بالعدالة الجنائية الدولية”.

نتيجة انتهاء عمل المحكمة، ألغت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بدء محاكمة المتّهمين بضلوعهم في محاولة الاعتداء على الوزيرين السابقين مروان حماده والياس المر، وفي اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي.

هكذا نطقت المحكمة حكم الإدانة الأخير في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وعلى الفور، أصدرت المحكمة مذكّرتيْ توقيف في حقّ اللذين دانتهما، وهما مرعي وعنيسي. وقد بلغ عدد هذه المذكّرات أربع: اثنتان محلّيّتان، واثنتان دوليّتان، على أن تُرسل المحلّيّتان إلى السلطات اللبنانية للتعميم والتنفيذ لأنّ لبنان ملزم، طبقاً لنظام المحكمة، بالبحث عن الذين تصدر في حقّهم مذكّرات توقيف وعن المطلوبين وتوقيفهم ونقلهم إلى السلطات القضائية المناسبة. وسمحت المحكمة للمدّعي العامّ لدى المحكمة نورمن فاريل بتبليغ الإنتربول الدولي بالمذكّرتين الدوليّتين لتعميمهما دوليّاً.

إقرأ أيضاً: جريمة رفيق الحريري

من المؤكّد أنّ الإنتربول سيقوم بواجبه بعد تلقّيه مذكّرتيْ المحكمة. لكن ماذا عن لبنان؟

منذ أعوام، أعلن الأمين العامّ لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أنّ المتّهمين من حزبه (قبل صدور الإدانة بحقّهم) هم “قدّيسون… ولن يُسلّموا ولو بعد مئات السنين”.

نطقت المحكمة الدولية بحكمها ومشت. لكنّ لبنان ما زال يمشي على طريق الإفلات من العقاب ولو إلى حين.

مواضيع ذات صلة

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…

قنوات مفتوحة بين قائد الجيش و”الثّنائيّ الشّيعيّ”

في آخر موقف رسمي من الانتهاكات الإسرائيلية اليومية والفاضحة لقرار وقف إطلاق النار تكرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “لفت نظر” لجنة المراقبة لوجوب وقف هذه…