ماذا بين السيسي ومحمّد بن زايد؟

مدة القراءة 7 د

اللقاء الـ27 بين الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي ووليّ عهد أبوظبي الشيخ محمّد بن زايد، لن يُقنع المراهنين على انهيار محور القاهرة-أبوظبي بعدم جدوى رهاناتهم، ولن يقلّل عدد مقالات الرأي والدراسات والأوراق السياسية التي تجتهد وتثابر للتشويش على هذا المحور وفعّاليّته الاستثنائية في شؤون الشرق الأوسط.

الرقم 27 هو أعلى عدد لقاءات بين أيّ مسؤولَيْن في المنطقة. لكن بين هذه اللقاءات ما هو أهمّ من غيره.

 

يزور الرئيس السيسي أبوظبي بعد أيّام على العدوان الحوثي عليها ليؤكّد علناً أنّ الأمن القومي الإماراتي هو أمن مصر. الأسابيع التي سبقت الزيارة، حفلت بعدد من التسريبات الإخبارية ومقالات الرأي والتحليل في الصحافتين العربية والأجنبية، حول الشرخ العميق بين العاصمتين والتحوُّل الاستراتيجي في نظرة القاهرة إلى جدوى تحالفها مع الإمارات. رُدَّ ذلك إلى اختلاف المواقف بين الدولتين حول ملفّ إثيوبيا الاستراتيجي بالنسبة لمصر، من زاوية إصرار أديس أبابا، صديقة الإمارات، على المضيّ في التفعيل الأقصى لسدّ النهضة. ورُدَّ أيضاً إلى أنّ مواقف العاصمتين افترقت حول المعارك العسكرية التي اندلعت بين حكومة آبي أحمد القريب من أبوظبي (أوّل رئيس وزراء يقود إثيوبيا من عرقيّة الأورومو، وهي أكبر عرقيّة إثيوبية بنسبة 35% من السكان) وميليشيا تيغراي (أقلّية تمثّل 7% من السكّان) التي تحتلّ إقليم تيغراي شمال البلاد.

تنفي القاهرة أيّ دور لها في التأزّم العسكري داخل إثيوبيا، وإن كانت تستفيد سياسياً من ارتباك أولويّات حكومة آبي أحمد. بيد أنّها، في الوقت نفسه، تتضرّر من انفلات غير محسوب للنزاع الإثيوبي يؤدّي إلى التهاب العمق الجنوبي المصري، ليضاف إلى التهابات سيناء من جهة، والجمر الكامن تحت رماد الواقع الليبي من جهة ثانية.

على الرغم من هذه الخلفيّة، وصل السيسي إلى أبوظبي، التي خصّت قيادتها الضيف المصري باستقبال رفيع المستوى، مكاناً، في قصر الوطن، وشكلاً من خلال الحميميّة التي صبغت صورة الاستقبال بين الشيخ محمد بن زايد وضيفه، ومضموناً من خلال المواقف السياسية المتبادلة التي أكّدت على استراتيجية العلاقة بين البلدين.

 

أثيوبيا وليبيا

بعد مغادرة السيسي بساعات وصل إلى أبوظبي رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الذي وصفه الشيخ محمّد بـ”الصديق”. مَن يعرفون الإمارات يستنتجون بسرعة أنّ هذا ليس ترتيباً بالصدفة، وأنّ المقصود من علنيّته إرسال رسائل في كلّ الاتجاهات.

معلومٌ أنّ أبوظبي تقود منذ 3 سنوات وساطة مباشرة بين الرئيس السيسي وبين آبي أحمد حول سدّ النهضة، وأنّ في جعبتها تصوُّر لحلّ عمليّ يستجيب لمتطلّبات الأطراف المعنيّة، خارج إطار المبالغات السياسية والتصريحات الساخنة التي تمليها حساسيّة الملفّ، ويعزّزها ضعف الكيمياء الشخصية بين الرئيسين السيسي وآبي أحمد. ولولا القناعة الإماراتية الراسخة بأنّ صيغ الحلّ بحوزتها (وليست صيغة واحدة) تضمن مصالح مصر من دون انتقاص، لَما بقي موقف أبوظبي على ما هو عليه ساعة واحدة.

زيارة ثانية فارقة في العلاقات المصرية الإماراتية، في الاتجاه الآخر هذه المرّة، حصلت في حزيران الفائت حين شارك الشيخ محمد بن زايد في افتتاح قاعدة “3 يوليو” البحرية بمنطقة جرجوب على الساحل الشمالي الغربي لمصر على المتوسط، وعلى بعد 70 كلم من الحدود مع ليبيا.

فهذه القاعدة تتّصل اتّصالاً وثيقاً بالأمن المصري الاستراتيجي، العسكري والاقتصادي، في المتوسّط والبحر الأحمر، في ذروة التصعيد التركي ضدّ المصالح المصرية، أكان في شرق المتوسط أو عبر التدخّل التركي في ليبيا. وحرْص الشيخ محمد على حضور الافتتاح بصحبة أبناء وأحفاد هو تأكيد على أنّ أمن مصر القومي هو أمن إماراتي في نهاية المطاف، وإعلان عن تطابق نظرة البلدين إلى أنّ ليبيا مستقرّة، غير إخوانية، هي عمق استراتيجي حيويّ لمصر والإمارات، وأنّ خطّ سرت الجفرة بعمق 1000 كلم داخل الأراضي الليبية هو خطّ أحمر إماراتي، لا مصري وحسب.

لكن كما الملفّ الإثيوبي، يحضر الملفّ الليبي كمناسبة لتجديد النعي وقراءة الفاتحة على تمييز العلاقات المصرية الإماراتية، تارة من بوّابة الانقسام حول دور المشير خليفة حفتر، وطوراً حول أولويّة الحلّ السياسي أو العسكري. هنا أيضاً تحضر المشهديّة الخاصّة لافتتاح قاعدة “3 يونيو” التي شارك فيها رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، إلى جانب الشيخ محمد والرئيس السيسي. أهميّة اللحظة أنّ المنفي، هو حصيلة عملية سياسية معقّدة قادتْها مصر ودعمتها الإمارات بلا شروط، وأدّت في نهاية المطاف في فيينا وبرعاية أمميّة إلى إعادة تشكيل السلطة السياسية في ليبيا، وإنتاج نخبة سياسية، حلَّ فيها المنفي وعبد الحميد دبيبة مكان رجل تركيا في ليبيا فايز السرّاج، في منصبيْ رئاسة المجلس السياسي ورئاسة الحكومة، اللذين تولّاهما السرّاج معاً.

أُعطي هذين المثالين من ضمن مثالات أخرى، كالاتفاق الإبراهيمي والتقارب التركي الإماراتي وخطط المشاريع اللوجستية بين إسرائيل والإمارات، وما سبقها وتخلّلها وأعقبها من اتصالات إماراتية مصرية. كلّ هذه لحظات وفّرت وتوفّر فرصاً أمام الباحثين عن تمايزات في المواقف بين القاهرة وأبوظبي، بغية توظيفها في التشويش والتغطية على التوافقات الاستراتيجية التي تشكّل ثوابت العلاقة بين البلدين.

اللقاء الـ27 بين الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي ووليّ عهد أبوظبي الشيخ محمّد بن زايد، لن يُقنع المراهنين على انهيار محور القاهرة-أبوظبي بعدم جدوى رهاناتهم

الدولة الوطنية

1-  لنبدأ من التلاقي الاستراتيجي بين الإمارات ومصر حول أولويّة الدولة الوطنية في مواجهة مشروع الإسلام السياسي الإخواني. شكّل هذا العنوان رافعة العلاقات المصرية الإماراتية بعد إسقاط نظام محمد مرسي والدعم الإماراتي السياسي والاقتصادي لنظام ثورة 30 يونيو.

2-  اقتصاديّاً تعدّ الإمارات الشريك التجاري الثاني (أحياناً الأوّل) لمصر في المنطقة، وأوّل مستثمر خارجي بحجم استثمار تراكمي يقارب أربعين مليار دولار داخل مصر في قطاعات استراتيجية تتوزّع على الصحّة، العقارات، السياحة، التكنولوجيا، الطاقة، المعادن الثمينة. ومصر تحتلّ المرتبة الثانية في الاستحواذ على استثمارات الإمارات الخارجية.

3-  عسكريّاً تجمع منذ العام 2014 البلدين عشرات التمرينات والمناورات الاستراتيجية المشتركة أبرزها:

أ- “مناورات زايد” بين الجيشين المصري والإماراتي على أرض الإمارات وهي تمرين يهدف إلى تبادل الخبرات العسكرية والقتالية وتعزيز الجاهزيّة العملياتيّة للقوات المسلّحة لجيشيْ البلدين، كان آخرها مناورات “زايد 3” في أيار الماضي. وتلاها ضمن الفاعليّة نفسها مناورة جوّيّة مشتركة في آب 2021.

ب- في أيلول الفائت شاركت مصر والإمارات إلى جانب السعودية واليونان، في اليونان، بمناورات مشتركة لوحدات المظلّيّين وقوات الأمن الخاصة.

ج- عادت والتقت القوات المصرية والإماراتية في تشرين الثاني 2021 في إطار التدريبات العسكرية المشتركة “ميدوسا 11” بين مصر واليونان وقبرص والإمارات وفرنسا، بجزيرة “كريت” اليونانية وبحر “إيجة”.

ما بين مصر والإمارات كبير بكلّ مقاييس فحص العلاقات بين الدول.

مع ذلك، لا يخفى أنّ مصر بقيادة السيسي بدأت تستشعر رغبتها وحقّها في الدور القيادي التاريخي لمصر في العالم العربي والإسلامي، بعد أن صرفت معظم وقتها منذ حزيران 2014 في تثبيت دعائم النظام والاقتصاد في الداخل. ولا بدّ لهذا التحفّز المصري، مسنوداً بأداء اقتصادي متميّز، ومقدرات اقتصادية مستجدّة، أن يُحدث خلطاً للأدوار والأحجام في الإقليم. كما ليس مستغرباً أن تتضارب السرعات التي تتحرّك فيها دولة ثقيلة بحجم مصر وتلك التي تتحرّك فيها دولة بحيويّة الإمارات، في ملفّات تعني نتائجها الطرفين معاً.

إقرأ أيضاً: مصر حاضرة دائماً في لبنان

الأكيد أنّ المصالح المصرية الإماراتية غير متطابقة. وهي لا يمكن أن تكون كذلك بين بلدين يختلفان لناحية المساحة وعدد السكّان والاقتصاد والنظام السياسي. لكنّها ليست مصالح متصادمة كما يهوى هواة “صيد التمايزات” أن يستخلصوا.

المعادلة بسيطة: مصالح غير متطابقة لكنّها مصالح غير متصادمة، تحكم إدارتها ثقة بحجم الجبال بين الشيخ محمد والرئيس السيسي، بصرف النظر عن أيّ حساسيّات متبادلة قد تنشأ بين النخبة البيروقراطية أو السياسية أو الإعلامية في البلدين.

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…