واشنطن لطهران: أنجزنا المهمّة في بغداد

مدة القراءة 6 د


أُنجزت المهمّة. هذا ما يمكن أن توصف به عملية الاغتيال التي قامت بها طائرة مسيّرة أميركية انطلقت من قاعدة عين الأسد واستهدفت بصاروخ “هيل فاير” سيارة رباعية الدفع تقلّ مسؤول وحدة الطائرات المسيّرة والصاروخية في كتائب حزب الله العراقي أبا باقر الساعدي في شرق العاصمة العراقية بغداد.

لا تكمن أهمّية الهدف في كون الشخص المستهدَف يشغل منصباً بارزاً في فصيل كتائب حزب الله العراقي، بل في كونه مسؤول العمليات العسكرية لهذا الفصيل على الساحة السورية، بالإضافة إلى كونه من المخطّطين الأساسيين لكلّ العمليات التي استهدفت القواعد الأميركية في العراق وسوريا في الأشهر الأخيرة، وخاصة التخطيط لعملية استهداف قاعدة “البرج 22” داخل الأراضي الأردنية التي أدّت إلى سقوط ثلاثة جنود أميركيين، وهو ما استدعى ردّ فعل حازماً من القيادة الأميركية التي ردّت عليها بجولة من الغارات الجوّية استهدفت أكثر من 85 نقطة عسكرية تابعة للقوات الرديفة والموالية لإيران في الأراضي العراقية والسورية.

حدّدت الإدارة العسكرية والأمنيّة الأميركية أهدافها بدقّة على الساحتين السورية والعراقية، ووضعت محدّداتها وحصرتها في إطار استهداف المسؤولين المباشرين عن التخطيط والتنفيذ لهذه العمليات

أهداف أميركيّة دقيقة

التصعيد الذي مارسته الفصائل الإيرانية الرديفة، والذي زادت وتيرته مع الحرب التي يتعرّض لها قطاع غزة والمعركة التي تخوضها كتائب القسّام مع الجيش الإسرائيلي، قابله ضبط أميركي لردّ الفعل وتوجيه رسائل واضحة للحكومة العراقية وحتى للطرف الإيراني بضرورة وقف هذه العمليات وضبط سلوك هذه الفصائل. وفي آخر هذه الرسائل حذّرت واشنطن من أنّ الردّ الأميركي سيبدأ بشكل مختلف وأكثر تشدّداً بعد تاريخ 18 كانون الأول 2023، أي أنّها ستسمح بتمرير استحقاق الانتخابات المحلّية لمجالس المحافظات.

حدّدت الإدارة العسكرية والأمنيّة الأميركية أهدافها بدقّة على الساحتين السورية والعراقية، ووضعت محدّداتها وحصرتها في إطار استهداف المسؤولين المباشرين عن التخطيط والتنفيذ لهذه العمليات، بغضّ النظر عن جنسيّتهم أو الجهة التي يتبعونها أو ينتمون إليها. وفي هذا السياق من الصعب الفصل بين العمليات والاستهدافات التي قامت بها تل أبيب ضدّ أهداف في العاصمة السورية دمشق، وتلك التي قامت بها الإدارة الأميركية. وهذا ما دفع الجانب الإيراني لاتّهام واشنطن بالمسؤولية عن استهداف قيادات بفيلق القدس في سوريا من خلال تزويد الجانب الإسرائيلي بالمعلومات عن هذه الأهداف ومواكبة التنفيذ بكلّ تفاصيله.

قد لا يؤدّي ردّ الإدارة في واشنطن والضربات التي تقوم بها ضدّ أهداف وأشخاص محدّدين إلى الوقف التامّ للعمليات التي تقوم بها الفصائل العراقية الرديفة لفيلق القدس والعاملة بإمرته، إلا أنّها لن تخرج عن حالة ردّ الاعتبار، وبالتالي فإنّ السقف الذي ستعمل تحته هذه الفصائل في المرحلة المقبلة لن يذهب إلى مزيد من التصعيد.

ينطلق عدم التصعيد من قبل الفصائل العراقية من عدّة اعتبارات، ربّما أبرزها أنّ الرسائل الأميركية للحكومة العراقية كانت حازمة وعالية السقف، إذ أشارت إلى أنّها قد تواجه سلسلة من التضييقات الاقتصادية وبعض العقوبات الاقتصادية في حال لم تتّخذ خطوات وإجراءات جدّية لضبط أفعال وأعمال هذه الفصائل، خاصة أنّ بعضها يُعتبر جزءاً من قوات هيئة الحشد الشعبي ويخضع لإمرة القائد الأعلى للقوات المسلّحة.

الجانب الإيراني لن يكون أمامه سوى استيعاب هذه الخسائر وضبط ردّ فعله، مقابل الحفاظ على المسار التفاوضي الذي لا يقتصر على الساحة العراقية، بل يتّسع ليشمل المنطقة وكلّ ملفّاتها

قد يقود أيّ تصعيد غير محسوب إلى إرباك مسار التفاوض الذي بدأته الحكومة العراقية على وجود قوات التحالف العسكري والقتالي على الأراضي العراقية، وهو مسار تفاوضي مدعوم من كلّ الأطراف المنضوية تحت مسمّى “الإطار التنسيقي” الشيعي المقرّب من إيران، بما فيها الفصائل الإيرانية الرديفة، وبالتالي قد يدفع الإدارة الأميركية لتعليق هذه المفاوضات وتأخير إنجاز الانسحاب.

التأثير الإيرانيّ الحاسم

يُعتبر العامل الإيراني المؤثّر الأبرز والأكبر في ضبط هذا التصعيد، لأنّ التفاهمات والحوارات والإجراءات التي وظّفتها طهران وقيادتها لإيصال المفاوضات إلى هذه النقطة، وجعلت الجانب الأميركي يقبل بالتفاوض على وجوده القتالي في العراق وسوريا، سيكون من الصعب على هذه القيادة أن تخاطر أو تقامر بما تحقّق والعودة إلى نقطة الصفر، خاصة أنّ السلبية على هذا المسار قد تنعكس سلبية أكبر على الملفّات الأخرى التي تشكّل مفردات استراتيجية في مشروع النفوذ الإيراني الإقليمي.

هذه الرؤية أو القراءة الإيرانية للتصعيد الذي قد يتحوّل إلى تصعيد منفلت بين بعض الفصائل العراقية من “المقاومة الإسلامية” والقوات الأميركية، ولذلك جاءت الزيارة التي قام بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان لبغداد، والتي تلت عملية البرج 22 وقبل الردّ الأميركي باغتيال أبي باقر الساعدي القيادي في كتائب حزب الله العراقي ومسؤول عمليات “المقاومة الإسلامية” للفصائل على الأراضي السورية، وهي الزيارة الخارجية الأولى لهذا الرجل، من أجل إيصال رسالة واضحة لهذه الفصائل بضرورة ضبط السقوف من ناحية، وتطمين الحكومة العراقية إلى عدم السماح بإضعافها أو إحراجها، وأيضاً للتأكيد على تأييد إيران وقيادتها لمسار المفاوضات الذي بدأته بغداد مع الجانب الأميركي حول وجود قوات التحالف القتالية، من ناحية أخرى.

إقرأ أيضاً: الدولة الفلسطينيّة.. منزوعة السلاح أم السيادة؟

على الرغم من حجم الخسارة التي لحقت بقوة القدس وحرس الثورة بسبب الاغتيالات التي تعرّضت لها خليّة قيادة العمليات الأمنية والعسكرية في سوريا والعراق، وأدّت خلال فترة وجيزة إلى مقتل أربعة من كبار مستشاريها العسكريين المعنيّين بالإشراف على الأعمال القتالية ضدّ القواعد الأميركية، واستُكملت بالضلع الخامس مع اغتيال الساعدي، إلا أنّ الجانب الإيراني لن يكون أمامه سوى استيعاب هذه الخسائر وضبط ردّ فعله، مقابل الحفاظ على المسار التفاوضي الذي لا يقتصر على الساحة العراقية، بل يتّسع ليشمل المنطقة وكلّ ملفّاتها.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…