في الذكرى العشرين لفيسبوك: مارك زوكربرغ متّهم بالقتل

2024-02-10

في الذكرى العشرين لفيسبوك: مارك زوكربرغ متّهم بالقتل


“سيّد زوكربرغ، أنت وممثّلو الشركات الموجودة هنا أمامنا… أيديكم ملطّخة بالدماء. لديكم منتج يقتل البشر”. بهذه الكلمات توجّه السيناتور ليندسي غراهام إلى مارك زوكربرغ مؤسّس فيسبوك وصاحب شركة “ميتا”. كان الرجل يستعدّ للاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس الموقع الذي غيّر العالم وأحدث ثورة في الثورة التكنولوجيّة والإنترنت وفي العولمة. فإذا به يمثل أمام لجنة تحقيق في الكونغرس ويُتّهم بالقتل!

اتّهام واستجواب

يوم الأربعاء مَثُل مؤسّس فيسبوك، بصفته صاحب شركة “ميتا” (وتضمّ فيسبوك، واتساب، إنستغرام، وغيرها) أمام الكونغرس الأميركيّ للتحقيق في تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الأولاد والمراهقين، ودفعها البعض منهم إلى الانتحار! حضر إلى جانب مارك زوكربرغ، ممثّل عن شركة “إكس” وآخر عن موقع “تيك توك” الصينيّ.

رضخ زوكربرغ لضغط السيناتور واعتذر من أهالي الضحايا الحاضرين بالقول “آسف لكلّ ما عشتموه”. بيد أنّه رفض الاعتراف بمسؤولية شركاته عن موت أولئك الشباب. وأكّد أنّه خصّص 20 مليار دولار، منذ 2016، لحماية أمن المشتركين على مواقع “ميتا” وكلّف 40 ألف موظّف لهذه الغاية.

حين حصل زوكربرغ على براءة الاختراع لم يُدرك أحد أنّ البرنامج الذي يصِل الناس بعضها ببعض سيكون له هذا التأثير على الإنسان والمجتمعات وسياسات الدول!

ليست المرّة الأولى التي يمثُل فيها زوكربرغ أمام الكونغرس الأميركيّ. ربّما أبرزها كان في 2018 حين استُدعي للتحقيق في شُبُهات حول تدخّل روسيا لمصلحة دونالد ترامب في انتخابات 2016 الرئاسية.

حين حصل زوكربرغ على براءة الاختراع لم يُدرك أحد أنّ البرنامج الذي يصِل الناس بعضها ببعض سيكون له هذا التأثير على الإنسان والمجتمعات وسياسات الدول!

بدايات فيسبوك

كان ذلك في شباط 2004. كان مارك طالباً في جامعة هارفرد ويبلغ من العمر عشرين عاماً (ولد في أيار 1984). هوايته برمجة الكمبيوتر. عمل مع أربعة من زملائه على اختراع موقع تواصل بين طلاب الجامعة. نجح المنتَج. ولاقى رواجاً. بعدها توسّع نطاقه ليضمّ طلاب عدد من كبرى الجامعات الأميركيّة (ستانفورد ويال وكولومبيا). بعد سنة أصبح الموقع يغطّي غالبية الجامعات الأميركيّة والكنديّة. ما هي إلا أشهر قليلة حتى أصبح مفتوحاً للجميع. سريعاً انتشر في كلّ دول العالم. وأصبح له مشتركون من كلّ الشعوب. تتواصل عبر منصّته بكلّ اللغات. وبذلك بدأت ثورة في قلب الثورة التكنولوجية التي ستفجّر لاحقاً ثورات في مجالات عدّة، وسترافق ثورات في العالم. قبل الكلام عن جوانب من تلك الثورات، لنلقِ نظرة سريعة على بعض أرقام فيسبوك العالميّة.

فيسبوك في أرقام

بحسب إحصاءات شركة “ميتا” الصادرة نهاية 2023، بلغ عدد المشتركين على مواقعها 3.96 مليارات مشترك، أي نصف سكان الأرض (8 مليارات). الموقع الأوّل هو فيسبوك (3 مليارات مشترك في نهاية 2023). يليه من حيث عدد المشتركين يوتيوب (2.5 مليار مشترك)، واتساب (2 مليار)، وإنستغرام (2 مليار)…

ينشط على موقع فيسبوك يومياً 2.08 مليار إنسان. 400 مليون مدمنون على استعماله. أمّا المشتركون بحسب الجنس، فهم 56.3% رجالاً، و43.7% نساء. يوجد أكبر عدد مشتركين نسبة لعدد السكان في أوروبا. وتبلغ هذه النسبة 83.4% في بلدان شمال القارّة العجوز، و83.3% في بلدان غرب أوروبا، و76.1% في دولها الجنوبيّة. أمّا في أميركا الشمالية فيشكّل عدد المشتركين على فيسبوك 73.7% من عدد السكان. وتبلغ نسبتهم 72.8% في دول شرق آسيا. وتتراجع إلى 61.7% في دول غرب آسيا – الدول العربيّة. أمّا نسبة “الفيسبوكيّين” الأقلّ عالمياً فهي في وسط إفريقيا (9.1% فقط من عدد السكان).

المشتركون بحسب الفئات العمريّة تبلغ نسبتهم العليا لدى الأشخاص بين 25 و34 سنة (17.6% لدى الرجال، و12.3% لدى النساء). تليها الفئة العمرية 18-24 (12.6% من الرجال و8.9% من النساء). أمّا المراهقون (13-17 سنة)، والمتّهم زوكربرغ بقتل العديد منهم، فتبلغ نسبتهم 2.7% بين الشباب و2.1% من الفتيات. وهو ما يعني أنّ أعدادهم بالملايين.

ليس موقع فيسبوك بمنأى عن العمل السياسيّ. فهو يتعاطاه من خلال منع بوستات والترويج لأخرى. وقد برز هذا بشكل واضح منذ اندلاع حرب غزّة. فهو منحاز لإسرائيل. يحجب أخبار الحرب الوحشيّة على قطاع غزّة

هذه الأرقام جعلت من شركة “ميتا” من كبرى شركات العالم مع دخل سنويّ بلغ 113 مليار دولار في 2023 لتحتلّ المركز الـ11 عالمياً بين شركات التكنولوجيا العالميّة (بينها أمازون، وآبل، وغوغل، ومايكروسوفت، وتيسلا، وغيرها). أمّا ثروة مارك زوكربرغ فقد بلغت 96 ملياراً في 2023، ليكون بين أوّل عشرة أثرياء في العالم بحسب مجلّة “فوربس”.

ثورة في الإعلام والإعلان

لم تنحصر ثورة فيسبوك في التأثير على الثورة التكنولوجيّة. إنّما انسحبت على العديد من القطاعات. أبرزها الإعلان. لم يعد التلفزيون والراديو والصحيفة المطبوعة وسيلة للإعلان. أصبح المعلنون يعتمدون على فيسبوك، وأخواته، للإعلان. لم يكتفِ فيسبوك من سرقة الإعلانات من وسائل الإعلام بل وفرض نفسه عليها. ما من وسيلة إعلام اليوم ليست لديها صفحة على الموقع العالميّ، إمّا للترويج لبرامجها أو لبثّ أخبارها.

كما فرض الموقع نفسه على السياسيين والأحزاب. في الماضي كانوا يؤسّسون صحيفة، والميسور راديو، والثريّ تلفزيوناً. اليوم يؤسّسون موقعاً إلكترونياً إخباريّاً، ويروّجون له عبر فيسبوك. أنشأوا صفحات لهم يتواصلون من خلالها مع جمهورهم. موقع “إكس” (تويتر) المتخصّص بالسياسة والسياسيين، لا يكفي للوصول إلى أكبر شريحة من المحازبين والمناصرين. عدد مشتركيه لا يتجاوز ملياراً.

انحياز لإسرائيل ضدّ غزّة

يمكن القول إنّ أوّل استعمال سياسي لفيسبوك قام به شباب “ثورات الربيع العربيّ”. لم يعد “البلاغ رقم واحد” عبر الإذاعة الرسميّة يشكّل الإعلان عن ثورة أو انقلاب، بل “بوست” على فيسبوك. ولم يعد من يضعون النجوم على الأكتاف وحدهم قادة الانقلابات، بل و”نجوم” فيسبوك أيضاً. استدعت هذه الظاهرة عقد مؤتمرات وندوات لدراستها. وقد شاركت في إحداها في تونس في 2012 حيث حاضرت عن أهميّة فيسبوك وباقي مواقع التواصل الاجتماعيّ في “الثورة السوريّة”. هذه المواقع جعلت من كلّ ناشط “مراسلاً” ومن كلّ مواطن صحافيّاً. فكانت صفحات “الثوّار” على فيسبوك ورسائل الواتساب مصدر الخبر لوسائل الإعلام، وهو ما خلق مشكلة مصداقية في حقيقة الخبر ودقّته. إذ خلقت مواقعُ “فيك نيوز” (Fake news)، ولم تعد أجهزة الاستخبارات مَن تطلق الشائعات، بل ناشطو مواقع التواصل الاجتماعيّ.

إقرأ أيضاً: حرب مواقع التواصل: الغرب “يمحو” العرب.. والمقاومة صامدة

ليس موقع فيسبوك بمنأى عن العمل السياسيّ. فهو يتعاطاه من خلال منع بوستات والترويج لأخرى. وقد برز هذا بشكل واضح منذ اندلاع حرب غزّة. فهو منحاز لإسرائيل. يحجب أخبار الحرب الوحشيّة على قطاع غزّة. كما أغلق العديد من صفحات الناشطين المؤيّدين للقضية الفلسطينيّة.

قاتل الثقافة

أمّا تأثيره السلبيّ فلا ينحصر بالمراهقين الذي يُقدمون على الانتحار بحسب لجنة الكونغرس الأميركيّ، بل يتعدّاهم إلى إتقانهم للغاتهم وقواعدها ومتابعة دروسهم وتركيزهم عليها. كما أثّر سلباً على عادة قراءة الكتب التي تراجعت بشكل كبير في العديد من المجتمعات. وهو ما استدعى تحرّك وزارات التربية والثقافة في العديد من البلدان. ربّما ستوجّه فيما بعد لزوكربرغ تهمة “قتل الثقافة” في المجتمعات. بيد أنّه ليس المسؤول وحده في هذه “الجريمة”. الأهل مسؤولون تجاه أبنائهم المراهقين. وكلّ إنسان مسؤول تجاه نفسه.

مواضيع ذات صلة

باسيل يُطلِق “الجِهاد” إلى الانتخابات: برّي بيَد والحزب بيَد!

بعدما وازن النائب جبران باسيل طوال أشهر الصراع في غزة واشتعال الجبهة الجنوبية بين التمسّك بالخيار الاستراتيجي في التموضع ضدّ العدوّ الصهيوني والوقوف إلى جانب…

زحمة دبلوماسيّين في الضاحية: ماذا يريد الحزب وكيف يفكّر؟

تشهد الضاحية الجنوبية هذه الأيام هجوماً دبلوماسياً متعدّد الاتّجاهات من دول عربية وغربية وآسيوية. إذ يقوم عدد من الدبلوماسيين من هذه الدول بزيارات مكثّفة لضاحية…

سؤال معلّق بين الحزب و”المقاومة الغزاوية”… ماذا لو توقّفت الحرب؟

لم يعد بعيداً احتمال وقف الحرب الإسرائيلية على غزة. إسرائيل وحماس على وشك التوصّل إلى اتفاق يضمن وقف إطلاق النار لفترة أربعين يوماً والإفراج عن…

بارولين… هل لمّح لفرنجيّة بالانسحاب؟

معلوم عن دبلوماسية الفاتيكان أنّها هادئة لا تدخل في زواريب الخلافات السياسية في أيّ بلد كان. إنّما ترسل إشارات باتّجاهات معيّنة تراها للمصلحة العامة ولمصلحة…