أطلقت المملكة العربية السعودية “منصّة المرصد العربي للترجمة”. والهدف النهائي منها هو إنشاء منصة عربية توفّر كلّ ما له علاقة بمجال الترجمة في العالم العربي إحصائياً، ومعرفياً، وأكاديمياً.
والترجمة واحد من أهمّ روافد التنمية المستدامة ورؤية المملكة 2030.
فقد بات أكيداً أنّه لا يمكن الحفاظ على أمن المجتمعات دون التعرّف إلى ثقافة الآخر. بل إنّ ترسيخ الترجمة كمحرّك معرفي ديناميكي للمجتمعات يلعب دوراً ريادياً بنشر المعرفة والعلوم لكي لا تقع المجتمعات في مطبّات المعرفة المزيّفة، خصوصاً في زمن الانفتاح الكبير على مواقع التواصل.
الهدف من مشروع الترجمة هو إثراء اللغة العربية، كوسيلة لإنتاج الفكر العربي، الذي بات ضرورة لا يمكن أن نتغاضى عنها. كما يطمح “المرصد العربي للترجمة” إلى أن يكون ركيزة لإنتاج المعرفة العربية انطلاقاً من عدم إمكانية إنتاج المعرفة خارج نطاق قوى المجتمع.
أطلقت المملكة العربية السعودية “منصّة المرصد العربي للترجمة”. والهدف النهائي منها هو إنشاء منصة عربية توفّر كلّ ما له علاقة بمجال الترجمة في العالم العربي إحصائياً، ومعرفياً، وأكاديمياً
كلّ ذلك هو نتيجة هذه المبادرة التي تقوم بها وزارة الثقافة السعودية، لكي لا يبقى الخطاب العربي مجرّد كلمات وشعارات نطلقها كفقاقيع في الهواء تتلاشى بعد صدورها. الوزارة تمثّلها “هيئة الأدب والنشر والترجمة” بالتعاون مع “المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – الألكسو”. وهي مبادرة أثمرت توقيع مذكّرة تفاهم بين وزارة الثقافة، ممثّلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة، و”الألكسو”، بالتنسيق مع “اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم بالسعودية”.
تكمن أهمية هذا المرصد في أنّه يشكّل منصة عربية تعالج فيها كلّ الإشكاليات الترجميّة، سواء تقنياً في ما يتعلّق بالذكاء الصناعي، أو شفهياً في ما يخصّ الترجمة الفورية التي لا تزال ضعيفة نسبياً في العالم العربي، أو ما يتعلّق بنظريات الترجمة، وتعلُّم الترجمة أكاديمياً. سيكون المرصد مرجعاً عربياً للترجمة وعنصراً أساسياً للمهنة، ودليلاً معرفياً لمهنة الترجمة في العالم العربي من خلال تحويل هذه الأبحاث وهذه الإحصاءات وهذا التوثيق إلى واقع عمليّ يُعتمد عليه في مختلف المؤسّسات التي لها علاقة بالمجال.
سيكون هذا المرصد العربي للترجمة محطّةً معرفيةً أساسيةً تبيّن لنا القدرات الفعلية للباحثين العرب وما يمكن القيام به لإثراء المخزون المعرفي العربي والعالمي، وهو ما يساعد أيضاً في تخطّي العقبات المعرفية.
أكبر مرجع رقمي للترجمة العربية
يرتكز دور المرصد الأساسي على حصر وتقديم البيانات الدقيقة عن حركة قطاع الترجمة في العالم العربي، كما يهدف إلى تنسيق الجهود العربية في مجال الترجمة من خلال كونه أكبر مرجع رقمي متخصّص في توفير قاعدة شاملة من البيانات الببليوغرافية للكتب المترجمة من اللغة العربية وإليها في الدول العربية.
بالتحديد في هذه المنصة للمرصد سيوثَّق ما ينتج في العالم العربي من ترجمة من العربية وإليها من جهة، كما يوثَّق فيها الإنتاج المعرفي في مجال الترجمة من أبحاث ودراسات تتعلّق باللغة العربية من جهة ثانية. بالإضافة لذلك، تنفيذ مبادرة كهذه يحتاج إلى موازنة كبيرة تشجّع الدراسات والأبحاث في مجال الترجمة المتعلّقة باللغة العربية مدعومة بمنحة مخصّصة لهذه الأبحاث يحصل عليها كلّ باحث متحمّس.
الهدف من مشروع الترجمة هو إثراء اللغة العربية، كوسيلة لإنتاج الفكر العربي، الذي بات ضرورة لا يمكن أن نتغاضى عنها. كما يطمح “المرصد العربي للترجمة” إلى أن يكون ركيزة لإنتاج المعرفة العربية
خلال العامين الماضيين، قدّم المرصد الدعم للعديد من الأبحاث والمبادرات (أكثر من 200 بحث ودراسة) في المجال. وللإشارة فقد جرى إغلاق التقديم على منح الدراسات والأبحاث لدورة 2023، وسيتمّ إطلاق الدورة المقبلة في منتصف عام 2024، لذلك باستطاعة كلّ من يرغب الترشّح لهذه المنحة، بناءً على شروطٍ محدّدة في المنصة، الولوج إلى موقع المرصد على هذا الرابط: (منح الدراسات والأبحاث في مجال الترجمة (aotalecso.org)).
أهمية الترجمة حضارياً
لا لزوم لشرح وتبيان أهميّة الترجمة في نشر الثقافات المتنوّعة والتعرّف عليها، وما للترجمة من أهمية في التعرّف على الحضارات المتعدّدة. العديد من المفردات والمفاهيم أصبحت معروفة وشائعة لكلّ من له علاقة بالمجال، بالأخصّ في عالمنا المعاصر الذي يتميّز بالتنوّع ثقافياً ولغوياً، هذا العالم الذي بات في زمن اللاحدود المعرفية ومفتوحاً على بعضه، سواء في الفضاء الافتراضي أو على أرض الواقع. فلم تعد تشكّل المسافات عائقاً للمثاقفة ولتعارف الشعوب فيما بينها من أجل بيئة عالمية يحافظ فيها كلٌّ على ثقافته. يتغذّى من ثقافة الآخرين ويغذّي الآخرين بثقافته.
كلّ ذلك يتعلّق باكتساب المعرفة، ترجمةً وتوطيناً، ويستفاد منه، كما حصل على مرّ السنوات والعقود مع العربية كلغة علم وثقافة بمعناها الجامع كطريقة شاملة في الحياة. الجميع مساهم في هذه المعرفة العالمية ولا يوجد من له الفضل الأكبر على الآخرين سابقاً أو آنيّاً… فالمعرفة مشتركة وغير احتكارية، ولا توجد حضارات ولغات أفضل، فجميع اللغات لها أهمّيتها في تحديد هويّة الفرد والمجتمع والحفاظ عليها.
إقرأ أيضاً: حرب مواقع التواصل: الغرب “يمحو” العرب.. والمقاومة صامدة
لكن لا يعني هذا الخطاب شيئاً إذا لم نبادر إلى العمل في المجال أكاديمياً، ومعرفياً، وبحثياً، ومهنياً، وإحصائياً. لا يكفي القول إنّ العالم العربي حالياً لا يترجم ما تترجمه بعض الدول الأقلّ عدداً بكثير. ولا يكفي القول إنّ العرب قد ساهموا في نقل المعارف من اللغات الأخرى، الأمر الذي أدّى إلى تطوّر العديد من العلوم الحالية، بالأخص الخوارزميات. ولا يكفي القول إنّ اللغة العربية فيها كلّ الظواهر اللسانية التي تسمح لها بالتعبير عن العلوم كافّة اصطلاحاً ومفاهيميّاً. كما لا يكفي توصيف الحالة بقدر ما يجب العمل في المجال، ولكنّ العبرة تكمن في الإرادة وأخذ القرار المناسب والتنفيذ.
لذلك كان هذا المرصد السعودي الريادي.
*استاذ باحث في حوسبة اللغة والإعلام الرقمي، ورئيس مركز الأبحاث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية.