سلّطت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية الضوء على القيادي في حركة حماس زاهر جبارين “الرئيس التنفيذي لحركة حماس” الذي، بحسب مسؤولين أمنيّين أميركيين وإسرائيليين، يشرف على “إمبراطورية ماليّة بمئات الملايين من الدولارات لتمويل عمليات حماس ضدّ إسرائيل ومنها هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)”، والذي “حتّى لو دمّرت إسرائيل جيش حماس في غزة، فإنّ الإمبراطورية الماليّة للحركة سوف تظلّ قائمة بفضله”، وهو الذي “موّل عملية 7 أكتوبر”.
ليس معلوماً إذا كان هذا الضوء يهدف إلى التحضير لاغتياله. لكنّ الرجل الذي يدير ملفّ التفاوض في حركة “حماس”، ويقيم في إسطنبول، كان قريباً جدّاً من صالح العاروري، القيادي في حماس الذي اغتالته إسرائيل يوم الثلاثاء الفائت في الضاحية الجنوبية لبيروت. فقد أسّسا معاً الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية.
جبارين هو أسير محرّر، كتب العاروري مقدّمة كتاب نشره بعد خروجه من السجن بعنوان: “حكاية الدم من شرايين القسام: شهادة للعصر والتاريخ”.
جبارين الذي لا يزيد عمره على 55 عاماً، يجمع أموالاً طائلة من تبرّعات رجال الأعمال والمموّلين من مختلف أنحاء العالم، كما يدير العلاقة المالية بين حماس وإيران، ويوصل الأموال عبر “الأنفاق الاقتصادية والمالية”. وفقاً للصحيفة يعتقد مسؤولون أمنيون أميركيون وإسرائيليون أنّه مكّن حماس من دفع ثمن الأسلحة وأجور المقاتلين لشنّ هجمات 7 أكتوبر.
جبارين هو أسير محرّر، كتب العاروري مقدّمة كتاب نشره بعد خروجه من السجن بعنوان: “حكاية الدم من شرايين القسام: شهادة للعصر والتاريخ”
نائب رئيس حركة حماس في الضفة الغربية تحدّى لسنوات عدّة طبقات من العقوبات الغربية لاستخدام الأنظمة المالية في السعودية ولبنان والإمارات العربية المتحدة والسودان، وأخيراً تركيا، لإنشاء شركات ونقل الأموال إلى غزة. ونقلت الصحيفة عن عوزي شايع، مسؤول أمني إسرائيلي سابق قوله: “لقد لعب جبارين دوراً كبيراً في هجوم 7 أكتوبر لأنّه يتولّى كلّ تمويل حماس خارج غزة”.
العلاقة مع الصرّافين في لبنان
في المكتب المالي لحماس بقيادة جبارين الذي يقع في مبنى بنوافذ داكنة في إسطنبول، حيث يمتلك حصصاً في شركات، بما في ذلك أسهم في شركة عقارية مدرجة في البورصة التركية، قال جبارين للصحيفة: “إنّه لشرف كبير أن نحصل على أموال لحماس”. لكنّه ينفي تورّطه في جمع الأموال. “هذا اتّهام وليس حقيقة.” وأضاف أنّه الآن “جزء من حماس، الحزب السياسي، وليس كتائب عزّ الدين القسام، الجناح العسكري للحركة. وحماس لديها علاقات مع العديد من الدول، مثل إيران وروسيا والجزائر وتركيا وغيرها. القسام له روابطه الخاصة، بعيداً عن حماس الحزب السياسي”.
وفقاً لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين وفلسطينيين حاليين وسابقين، بنى جبارين علاقات مع أشخاص مقرّبين من الرئيس التركي ساعدوا حماس في شراء الأسلحة والتمويل. كما ساعد جبارين في الحفاظ على علاقة حماس في لبنان مع الحزب، وكيل إيران، من خلال العمل مع الصرّافين هناك. وقال هؤلاء للصحيفة إنّ إيران حوّلت عشرات الملايين من الدولارات إلى حماس في السنوات الأخيرة عبر الصرّافين باستخدام نظام الحوالة، وأخيراً العملات المشفّرة. وتمّ توجيه الأموال عبر تبادلات الصرّافين في بيروت وإسطنبول ومراكز أعمال إقليمية أخرى قبل وصولها إلى غزة.
كما يحيى السنوار، تمّ إطلاق سراح جبارين من السجن في عام 2011 كجزء من صفقة لإطلاق سراح أكثر من 1,000 أسير فلسطيني مقابل جندي إسرائيلي واحد. وبينما صعد السنوار في صفوف حماس في غزة، شقّ جبارين طريقه خارج الأراضي الفلسطينية. لكنّه داخل حماس كان مسؤولاً عن السجناء، وتفاوض مع السنوار على الصفقة التي توسّطت فيها قطر ومصر لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل سجناء فلسطينيين، وفقاً لمسؤولين مصريين.
من هو جبارين؟
ولد جبارين عام 1968 في سلفيت، وهي بلدة في شمال الضفة الغربية، وأصبح متديّناً منذ المراهقة، فكان يرتاد المسجد المحلّي ويقرأ أعمال حسن البنّا، مؤسّس جماعة الإخوان المسلمين. وفي أواخر عمر المراهقة، رأس عصابة من الشباب تسمّى “فرق الرماية” التي انضمّت إلى الانتفاضة ضدّ إسرائيل عام 1987، التي عُرفت باسم “الانتفاضة الأولى”. ولشراء الأسلحة، اقترض جبارين المال من والدته، وفقاً لملفّه الشخصي على موقع مركز المعلومات الفلسطيني، الذي يقول باحثون إسرائيليون إنّه تابع لحماس. وكانت أكبر مساهمة مبكرة له في الحركة تجنيد الفلسطيني يحيى عيّاش، الذي درس كيفية صنع العبوّات الناسفة.
بحسب الصحيفة، أمضى جبارين بعض الوقت في بيروت، حيث قام برعاية علاقة حماس مع وكيل طهران اللبناني، الحزب، وبعض الصرّافين المتمركزين في المدينة
في بداية أعمال العنف، اعتقلت القوات الإسرائيلية جبارين بتهمة قتل جندي إسرائيلي، وأدانته المحكمة بالقتل وحُكم عليه بالسجن المؤبّد. في غضون ذلك، اغتيل عياش عام 1996 عندما انفجر هاتف بجوار أذنه. في السجن، تعلّم جبارين اللغة العبرية، وحصل على شهادة جامعية، وكان أحد أعضاء حماس المسؤولين عن رعاية السجناء.
بدأ بتأليف كتابه الذي نُشر بعد عام من إطلاق سراحه عام 2011. خلال سجنه، تطوّرت حماس من حركة فلسطينية هامشية إلى الفصيل الأكثر شعبية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفازت في انتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية عام 2006، ثمّ انتزعت السيطرة على غزة من السلطة الفلسطينية. وهو ما سمح لها بفرض الضرائب وتعزيز قدرتها على جمع الأموال.
من جدّة إلى إسطنبول.. وبيروت
في وقت إطلاق سراح جبارين، كانت حماس قد أنشأت شبكة من الشركات التي زوّدتها بالإيرادات واستُخدمت لغسل الأموال حتى لا ترتبط بها. وفقاً للمسؤولين الأميركيين والإسرائيليين السابقين، كانت جدّة في السعودية القاعدة لهذه العملية، حيث نقلت حماس عشرات الملايين من الدولارات من إيران إلى جناحها العسكري وعملياتها في غزة. لكن تحت ضغط العقوبات الأميركية، أجبرت المملكة المسؤولين الماليّين في حماس على الخروج من جدّة فوجد جبارين موطناً جديداً لأعماله في تركيا حيث تلقّى مساعدة من شريك تركي لشراء واستئجار عقارات تجارية وسكنية، وشراء سيارات فاخرة، وفقاً لتحقيق أجرته أجهزة الأمن الداخلي الإسرائيلية عام 2018 أدّى إلى اعتقال أكاديمي تركي متّهم بالعمل مع حماس.
استخدم جبارين منصبه لتمويل الهجمات ضدّ الإسرائيليين، وفقاً لمصادر الصحيفة. وفي عام 2018، اعتقلت إسرائيل مواطناً من عرب إسرائيل أخذ مئات الآلاف من اليوروات نقداً لعناصر القسام في الضفة الغربية، وهي أموال قدّمها جبارين في إسطنبول، وفقاً لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي. فرضت الولايات المتحدة عقوبات مباشرة على جبارين في عام 2019، باعتباره “العقل المدبّر لشبكة ماليّة سمحت لحماس بجمع واستثمار وغسل مبالغ طائلة” في تركيا.
إقرأ أيضاً: مركز استخباريّ أميركيّ حذّر قبل أسبوع من اغتيال قادة حماس في لبنان
عقوبات على صرّاف لبنانيّ
عمل جبارين بشكل وثيق مع مسؤولين آخرين في حماس، وطوّر محفظة عقارية في البلاد شكّلت الجزء الأكبر من أصولها العالمية البالغة 500 مليون دولار، وفقاً للمسؤولين الأميركيين. وشملت حصصاً في شركات مقرّها في الجزائر والإمارات العربية المتحدة. وكان الأصل الأكثر شهرة هو الشركة العقارية “Trend GYO” المدرجة في البورصة التركية، والمملوكة بنسبة 75% من رجال واجهة لحماس، ففرضت الولايات المتحدة عقوبات على الشركة في أيار 2022. لكنّ الحكومة التركية منحت أحد مؤسّسيها الجنسية واسماً جديداً، وفتح مسؤولو حماس في تركيا حسابات مصرفية تركية لنقل الأموال وتحويلها إلى رفاقهم في الضفة الغربية.
أخيراً، بحسب الصحيفة، أمضى جبارين بعض الوقت في بيروت، حيث قام برعاية علاقة حماس مع وكيل طهران اللبناني، الحزب، وبعض الصرّافين المتمركزين في المدينة.
فرضت الولايات المتحدة في 14 تشرين الثاني عقوبات على صرّاف لبناني عمل مع الحزب على تحويل ملايين الدولارات من إيران إلى الجناح العسكري لحركة حماس. لكنّ إسرائيل تخشى ألا يكون لذلك أيّ تأثير على قدرة جبارين على نقل الأموال. وقال مسؤول لبناني كبير للصحيفة إنّ “لبنان ليست لديه نيّة للتدخّل في وجود حماس في البلاد. لا نحبّ دائماً ما يفعلونه، لكنّنا قرّرنا منذ البداية أن نكون دولة مفتوحة”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا