أميركا تحارب تركيا.. شمال العراق؟

مدة القراءة 8 د


“بدون لفّ ودوران نحن في حالة حرب مع أميركا”، يقول أحد الأقلام المحسوبة على حزب العدالة والتنمية التركي. فـ”هل عناصر حزب العمال الكردستاني هم جنود في الجيش الأميركي؟”، سؤال يطرحه كاتب آخر.

هكذا باختصار يمكن تلخيص المشهد الشعبي والإعلامي والسياسي الغاضب في الداخل التركي حيال واشنطن وتحميلها مسؤولية استهداف الجنود الأتراك في هاكورك ومتينا العراقيّتين قبل أيام.

زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بغداد في 21 آب المنصرم، وردّ نظيره العراقي فؤاد حسين الزيارة في 21 كانون الأول الماضي. بعد 3 أيام تحرّكت مجموعات حزب العمال في شمال العراق لتنفيذ هجومها ضدّ موقع عسكري للقوات التركية، ويبدو أنّ أوامر تحريك المجموعات صدرت على عجل بهدف توجيه أكثر من رسالة لأنقرة وغيرها.

لم يتأخّر الردّ التركي عبر غارات جوّية استهدفت مخابىء ومستودعات ومواقع هذه المجموعات وحليفها “قسد” على خطّ شرق الفرات وشمال العراق. الغارات التركية التي تشارك فيها المقاتلات الحربية والمسيّرات لم تتوقّف، والحديث يدور عن تحضيرات لعملية برّية واسعة ضدّ مواقع “بي كي كي” ومجموعات “قسد” و”مسد” ما إن تتبدّل حالة الطقس.

هناك انزعاج أميركي واضح من التقارب والتنسيق بين أنقرة وبغداد في ملفّات إقليمية تتقدّمها التفاهمات الثنائية الأخيرة حول دعم تركيا لإنشاء وتفعيل الخطّ العراقي التجاري الإقليمي البعد بين آسيا وأوروبا

تركيا تبحث عن الأجوبة

تتمسّك القيادات التركية بطلب الحصول على أجوبة للعديد من الأسئلة لتي تطرحها منذ سنوات على الشريك والحليف الأميركي، حول سياسات واشنطن التي تتعارض مع حسابات ومصالح أنقرة في الإقليم دون ردّ مقنع ومطمئن حتى الآن. نفد صبر أنقرة تماماً، وهي ترصد إصرار الإدارة الأميركية على تزويد مجموعات “قوات سوريا الديمقراطية ” بموازنة تصل إلى 200 مليون دولار سنوياً، غير العتاد والسلاح والتدريب والتجهيز العسكري تحت ذريعة محاربة مجموعات “داعش” التي لم يعد لها وجود في سوريا والعراق. التقارير الاستخبارية التركية تذهب إلى أبعد من ذلك. إذ تتحدّث عن تدريبات خاصة لعناصر “قسد” على استخدام المسيّرات والمروحيّات العسكرية في مناطق تقع تحت سيطرة ونفوذ بافل طالباني في السليمانية.

تدخل مجموعات حزب العمّال في فصل الشتاء إلى مغاورها ومخابئها في سبات طويل يستغرق أشهراً بانتظار قدوم الربيع. لكنّها قرّرت هذه المرّة التحرّك وسط الثلوج واستهداف موقع عسكري تركي في شمال العراق وسط الضباب الكثيف. العناصر المهاجمة كانت مزوّدة بمعلومات استخبارية فيها الكثير من التفاصيل وبأجهزة رؤية ليلية متطوّرة تمكّنها من تحديد أهدافها. حصلت على الدعم اللوجستي من لاعب إقليمي مكّنها من ذلك. أنقرة تعرف من هو، وهو يعرف أنّها تعرف، لكنّه لا يريد الاعتراف بعلاقته مع هذه المجموعات عبر شريك ووسيط في سوريا.

أميركا تعتدي على تركيا؟

من الذي حرّك المشهد في شمال العراق؟ ولماذا في هذه الآونة وكيف سيكون شكل الردّ التركي؟

هناك أكثر من دافع ومؤشّر يكشف النقاب عمّا جرى وأهدافه وأسبابه:

– هناك أوّلاً حالة القلق التي يعيشها العديد من القوى الإقليمية وعلى رأسهم أميركا من نتائج الزيارات المتبادلة والمكثّفة بين القيادات السياسية والعسكرية التركية والعراقية في الأشهر الأخيرة وأهدافها السياسية والأمنيّة والاقتصادية.

– هناك انزعاج أميركي واضح من التقارب والتنسيق بين أنقرة وبغداد في ملفّات إقليمية تتقدّمها التفاهمات الثنائية الأخيرة حول دعم تركيا لإنشاء وتفعيل الخطّ العراقي التجاري الإقليمي البعد بين آسيا وأوروبا.

– بعد ذلك تأتي حالة القلق الأميركي حيال الأنباء الواردة من موسكو حول اقتراب موعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنقرة، لبحث العلاقات وتدشين مشاريع وعقود استراتيجية واحتمال حدوث تفاهمات ثنائية جديدة حول الملفّ السوري قد تعيد أطراف الطاولة الرباعية للاجتماع من جديد.

– وتحريك عناصر حزب العمال في شمال العراق قد يكون رسالة ردّ استباقي أميركي على أيّة تفاهمات تركية روسية تستهدف مصالح واشنطن في سوريا.

– في المقابل هناك أنباء واردة من طهران تتحدّث عن تحديد تاريخ القمّة التركية الإيرانية التي ستكون لموضوع “قسد” وتحرّكاتها داخل كوريدور سوري عراقي ينتهي في السليمانية، الحصّة الكبرى فيها.

– وهناك احتمال حدوث تفاهمات تركية إيرانية تتعارض مع مصالح واشنطن وحليفها المحلّي في سوريا والعراق. هذا واحد من الدوافع الأميركية لتنفيذ عملية من هذا النوع بتوقيع حزب العمال المموّل أميركياً اليوم عبر الوسيط والحليف المحلّي في شرق الفرات والسليمانية.

تدخل مجموعات حزب العمّال في فصل الشتاء إلى مغاورها ومخابئها في سبات طويل يستغرق أشهراً بانتظار قدوم الربيع. لكنّها قرّرت هذه المرّة التحرّك وسط الثلوج واستهداف موقع عسكري تركي في شمال العراق وسط الضباب الكثيف

حصة تل أبيب من الهجوم

لا يمكن هنا طبعاً استبعاد الشقّ الإسرائيلي وحصّة تل أبيب في ما يجري. نتانياهو يريد تخفيف الضغوطات على إسرائيل إقليمياً ودولياً وتوجيه الأنظار نحو مكان آخر وساحة أمنيّة وسياسية ساخنة جاهزة للانفجار في مثلّث تاريخي يجمع شرق الفرات وشمال العراق وجنوب شرق تركيا. و”قسد” وحزب العمال لن يخيّبا آماله وسط ساحة جغرافية واسعة للخدمات المتبادلة. وذلك من دون تجاهل وجود ملفّات ونقلات استراتيجية جديدة تقلق واشنطن مثل التقارب التركي اليوناني الأخير بعد زيارة إردوغان لأثينا قبل أيام والإعلان عن مسار جديد في العلاقات بهدف التهدئة والتطبيع، ووضع خارطة طريق تنهي الملفّات الخلافية بشكل تدريجي. وهو ما يتعارض مع حسابات واشنطن ومصالحها في إيجه وشرق المتوسط وقبرص. ومن دون إغفال مسألة استعداد البرلمان التركي لبحث ملفّ عضوية السويد الأطلسية وتوقيت هذه العملية. هناك من يهمّه توتير العلاقات التركية الغربية والتركية الأميركية تحديداً ودفع أنقرة لإرجاء بحث ملفّ السويد. وقد يحاول عبر خلايا مخترَقة محسوبة عليه في صفوف حزب العمال اليساري الماركسي والسوفيتي القديم طلب خدمة من هذا النوع في جبال قنديل.

ليست حتماً عملية ردّ على وزير الداخلية التركي الأسبق سليمان صويلو الذي كان يقول إنّ “المنظمات الإرهابية تلفظ آخر أنفاسها”. هي أبعد من ذلك كما يبدو من خلال الردّ التركي الأخير على لسان الرئيس إردوغان الذي يقول: “لن نسمح لبارونات الإرهاب في قنديل وسوريا ولا لمن يتحكّم بهؤلاء الخونة بأن يحيّدونا عن طريقنا”.

المخطِّط والمشرف والمموّل والمنفّذ لعملية استهداف الجنود الأتراك في هاكورك هو فريق عمل متكامل تقرّبه المصالح وتوحّده معاداة أنقرة وسياساتها الإقليمية. هناك مشاريع وخطط اقتصاد ومياه وطاقة ونفوذ جيوسياسي تقرّب وتباعد الأطراف المحلّية والإقليمية، وعملية هاكورك لا يمكن فصلها عن كلّ هذه الملفّات.

أميركا تحمي حليفها شرق الفرات

تستهدف واشنطن المسيّرة التركية في شمال شرق سوريا قبل أسابيع تحت ذريعة الدفاع المشروع عن النفس لحماية قواتها الموجودة هناك. فهل تحاول عرقلة العمليات العسكرية التركية ضدّ مواقع حليفها المحلّي في شرق الفرات؟ كيف ستتصرّف إذا ما قرّرت أنقرة توسيع العمليات العسكرية في السليمانية التي توفّر الحماية والرعاية لـ”قسد” وعناصر حزب العمال، كما تقول تقارير الاستخبارات التركية؟

أعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر من غرفة العمليات في مدينة شرناق الحدودية مع العراق: “سنواصل عملياتنا ضدّ العناصر الإرهابية الملطّخة أيديها بالدماء حتى نقضي عليها مهما كان حجم الدعم الذي يقدّمه لها البعض”. مسألة تحديد من هم “البعض” لم تنتظر كثيراً. فالإعلام التركي كشف بالصورة والوثائق عن بعض المهاجمين وهويّاتهم وهم يحملون الأسلحة الأميركية الحديثة.

إقرأ أيضاً: أميركا “تستثمر” تصعيد أذرع إيران… للضغط على نتانياهو

الردّ التركي على واشنطن التي تقول إنّها تفصل بين “قسد” ومجموعات حزب العمال جاء سريعاً وصادماً أيضاً. مجموعة صور لليلى قرمان “الرئيسة المشاركة” الجديدة في “مجلس سوريا الديمقراطي” في المؤتمر الرابع المنعقد في الرقّة، وهي ترفع السلاح بالزيّ العسكري وتتوسّط قيادات حزب العمال مثل جميل بايق ومراد قره يلان ومصطفى قره صو. واشنطن لم تعقّب على الصورة بعد، لكنّها ستجد حتماً ما تقوله.

هل تتغيّر خارطة التحالفات والحسابات التركية بعد ما جرى قبل أيام في جبال هاكورك؟ هل تحدث المفاجأة وتراجع أنقرة سياساتها حيال دمشق وطهران وتسرّع عمليات الانفتاح والتقارب، خصوصاً أنّ بشار الأسد في حالة من الغضب الشديد بسبب بيانات “قسد” و”مسد” الأخيرة التي تتحدّث عن مشاريع كونفدرالية في سوريا وتطالب بحالة مشابهة للحالة الكردية في شمال العراق؟

لمتابعة الكاتب على تويتر: Profsamirsalha@

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…