الكويت تنفتح على “عَدْوى” التحوّل السعوديّ

مدة القراءة 6 د


بعد 40 يوماً على أدائه اليمين الدستورية وتولّيه مقاليد الحكم، اختار أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد السعودية، لتكون أوّل محطّة خارجية له كحاكم، في انعكاس لعمق العلاقات بين البلدين والرغبة في السير بها نحو التكامل واستثمار الفرص الاقتصادية.

جاءت “زيارة الدولة” التي قام بها أمير الكويت للسعودية، الثلاثاء الماضي، في وقت تعيش الكويت مرحلة استكشاف حذِر على المستوى الداخلي مع تشكيل حكومة جديدة، فيما تموج المنطقة على وقع ارتدادات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتحيط النيران المشتعلة بأكثر من دولة في الإقليم.

ولأنّ البلدين يرتبطان بـ”علاقات متجذّرة تجاوزت أبعاد العلاقات الرسمية بين الدول إلى مفهوم الأخوّة والمصاهرة، في ظلّ أواصر النسب والجوار والتاريخ والمصير المشترك”، وفق تعبير وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، خصّصت السعودية استقبالاً حافلاً لضيفها، من مرافقة طائرات حربية لطائرته لدى دخولها الأجواء السعودية، مروراً بعزف الأبواق وإطلاق المدفعية 21 طلقة ترحيباً، وصولاً إلى منحه قلادة الملك عبد العزيز ولقائه مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ومباحثاته الموسّعة مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان التي شملت كلّ مجالات التعاون بين البلدين، والملفّات العالقة مع العراق وإيران، والوضع الإقليمي وتداعيات الحرب في غزة.

بعد 40 يوماً على أدائه اليمين الدستورية وتولّيه مقاليد الحكم، اختار أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد السعودية، لتكون أوّل محطّة خارجية له كحاكم، في انعكاس لعمق العلاقات بين البلدين والرغبة في السير بها نحو التكامل واستثمار الفرص الاقتصادية

علاقة عضويّة

اتّسمت الزيارة بطابع خاص، إذ حملت رسالة مفادها أنّ العلاقات الكويتية – الخليجية عموماً، والكويتية – السعودية خصوصاً، هي “علاقات عضوية” و”ذات أولوية مطلقة” للشيخ مشعل الذي سبق له أن زار السعودية 9 مرّات خلال 3 سنوات عندما كان وليّاً للعهد. كما ضمّ الوفد المرافق له عدداً كبيراً من أبناء الأسرة الحاكمة، في صورة واضحة عن “عمق العلاقة بين آل الصباح وآل سعود”.

عكس البيان المشترك الذي صدر في ختام المباحثات حجم التوافق بين البلدين، سواء في ما يتعلّق بالتعاون الثنائي، أو السياسة الخارجية، والتنسيق في الملفّات الإقليمية والدولية.

رأت أوساط كويتية في الزيارة وما أحاط بها من أجواء وتوافقات “رغبة من الكويت في انتقال عدوى التحوّل السعودي السريع إليها”، خاصة في ظلّ نظرة الكويتيين الإيجابية إلى حجم التغييرات الجذرية التي تشهدها، الشقيقة الكبرى، في السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وتطلّعهم لـ”استنساخ” ولو جزءاً منها في بلدهم، خصوصاً في الطريق نحو وقف “الإدمان” على النفط عبر تنويع مصادر الدخل وتعزيز الموارد غير النفطية.

برَزَ ذلك جليّاً في ما تمّ الاتفاق عليه لجهة “توسيع آفاق التعاون والشراكة الاقتصادية” و”تحقيق التكامل بين الفرص المتاحة في البلدين”، و”استكشاف وتطوير الفرص الاقتصادية” في ضوء رؤية “الكويت 2035” ورؤية “السعودية 2030”.

فضلاً عن الاتفاق على زيادة التسهيلات لتعزيز الاستثمارات المتبادلة، تضمّن البيان المشترك مجالات مُحدّدة للتعاون، ووردت فيه تفاصيل للمرّة الأولى تعكس قراراً مشتركاً بتسريع التعاون ورفده بالمقوّمات اللازمة لذلك، خصوصاً في مجالات “كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها”، و”الكهرباء والطاقة المتجدّدة”، و”حماية البيئة البحرية”، و”الاتصالات والتقنية والاقتصاد الرقمي والابتكار والفضاء”، و”القضاء والعدل”، و”النقل الجوّي والبرّي والسككيّ والموانئ والخدمات اللوجستية والطيران المدني”، والتعاون العلمي والثقافي والسياحي والرياضي والصحّي، و”تعزيز الشراكة الإعلامية في جهود التصدّي للمعلومات المضلّلة”، و”تبادل الخبرات والتجارب في مجال تنفيذ الإصلاحات المالية وتنويع مصادر الدخل”.

محاربة التطرّف

كان لافتاً الاتفاق المشترك على تعزيز التعاون في المجالات الدفاعية والأمنيّة، لا سيما “مكافحة الجرائم بكلّ أشكالها، مكافحة المخدّرات، أمن الحدود، محاربة التطرّف والغلوّ وخطاب الكراهية والإرهاب، نشر ثقافة الاعتدال والتسامح، بما يُحقّق أمن واستقرار البلدين”.

عكس البيان المشترك الذي صدر في ختام المباحثات حجم التوافق بين البلدين، سواء في ما يتعلّق بالتعاون الثنائي، أو السياسة الخارجية، والتنسيق في الملفّات الإقليمية والدولية

أظهر ذلك رغبة مشتركة بمحاصرة الأصوات المتطرّفة والمتشدّدة، التي تعلو بين حين وآخر، مستغلّة بعض الأحداث السياسية أو المآسي الإنسانية لتلج منها نحو تطبيق أجندة التضييق على الحرّيات أو فرض مظاهر متشدّدة على المجتمع.

إذا أصبح ذلك من الماضي في السعودية، فإنّه لا يزال فاعلاً ومتفاعلاً في الكويت، في ظلّ النفوذ الكبير للتيارات الإسلامية والمحافظة، التي تصرّ على منع الاختلاط في الجامعات وطالبت أخيراً بوقف المظاهر الاحتفالية خلال الأعياد الوطنية الكويتية نهاية هذا الشهر، تضامناً مع غزة والشعب الفلسطيني، علماً أنّ الحفلات والفعّاليات متوقّفة في الكويت، بقرار حكومي، منذ بدء العدوان على غزة قبل حوالي أربعة أشهر.

البحر الأحمر وخور عبدالله والدرّة

في حين تقف المنطقة على فوهة بركان، تطرّقت المحادثات إلى التوتّر الحادّ في البحر الأحمر وانعكاساته بشكل خاصّ على دول الخليج، حيث أكّد الجانبان الحرص على “أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر واحترام حقّ الملاحة البحرية”، وشدّدا على ضرورة “ضبط النفس وتجنّب التصعيد في ظلّ ما تشهده المنطقة من أحداث”.

في ما يتعلّق باتفاقية خور عبدالله المبرمة بين الكويت والعراق في 2012 والتي أسقطها القضاء العراقي في 2023، فقد شدّد البلدان على “أهميّة التزام جمهورية العراق بسيادة دولة الكويت ووحدة أراضيها، واحترام التعهّدات والاتفاقيات الثنائية والدولية وكلّ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”، ووجّها دعوة إلى العراق لـ”استكمال ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لما بعد العلامة البحرية 162″، وهي آخر نقطة تمّ الاتفاق عليها سابقاً.

إقرأ أيضاً: حكومة الكويت الجديدة.. مقدّمة لحلّ البرلمان

أمّا في ما يتعلّق بالعلاقة مع إيران ومشكلة حقل الدرّة الغازيّ الواقع في المنطقة المشتركة بين الكويت والسعودية، فقد تمسّك البلدان بموقفهما السابق الذي يؤكّد حصرية ملكية الثروات الطبيعية بهما، ويدعو إيران إلى التفاوض معهما “كطرف تفاوضي واحد”، لكنّ الجديد هو أنّ البيان المشترك تضمّن إشارة إلى أنّ الحقل “يقع بأكمله في المناطق البحرية لدولة الكويت”، في إشارة إلى أنّه واقع في الملكيّة المشتركة للبلدين، لكنّه في الجانب الكويتي منها.

يفتح ذلك باب التفاوض والحوار مع إيران، على قاعدتين أساسيّتين: أولاهما أنّ الكويت والسعودية هما طرف واحد في العملية برمّتها، وأنّ التفاوض يكون حول “ترسيم الحدود الشرقية للمنطقة المقسومة المغمورة” المشتركة، وليس حول الادّعاء بوجود حقوق إيرانية في حقل الدُرّة الذي يحتوي على نحو 20 تريليون قدم مكعّبة من الاحتياطات المؤكّدة، ويُتوقّع أن يتمّ تشغيله بحلول 2029.

مواضيع ذات صلة

اليوم التّالي لـ”الحزب”: تعايش السّلاح مع الرّقابة الأميركيّة؟

ستّون يوماً ستحدّد وجه لبنان لعشرين سنة مقبلة. وما سيحدث (فيها) خلالها سيكون أكثر تعقيداً ومشقّة من أن تحسم أمره بنود الاتّفاق الذي أنجزه المفاوض…

لا تنخدعوا “بفائض الضّعف” كما خُدعتم “بفائض القوّة”

يقول دبلوماسي عربي في مجلس خاصّ: “خدع “الحزب” اللبنانيين وخدع نفسه وجمهوره بمقولة فائض القوّة. على اللبنانيين اليوم عدم خداع أنفسهم بالمراهنة على فائض الضعف…

إيران تتعظ… وتتراجع تكتيكياً

يتراءى للبعض أنّ رياح تغيير الأسلوب الإيراني بدأت تعصف في طهران مع السماح بوصول مسعود بزشكيان للرئاسة، ليتوطّد هذا النهج بعد فوز دونالد ترامب بولاية…

الحروب ليست حلّاً…  

عالم الحروب اليوم أعمق وأخطر، وقد وصل إلى قلب أوروبا بهجمة روسيا على أوكرانيا عام 2022 التي استمرّت حتى اليوم. وكأنّما كانت إسرائيل تنتظر مسوِّغاً…