باتت المهلة الزمنية الفاصلة عن موعد إحالة النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على التقاعد في 22 شباط المقبل ضاغطة جداً، ولا تبدو معها المخارج ميسّرة أمام المراجع السياسية والقضائية لاختيار خلف له، سواء بالتعيين أو بالتكليف، فالخيارات كثيرة لكنّها متضاربة ودونها عقبات سياسية وقانونية قد تعرقل اختيار الشخصية المناسبة لهذا المركز القضائي الحسّاس.
من الآن إلى حين الاتفاق على الاسم البديل، فإنّ النيابة العامّة التمييزية تعيش في هذه الأيام أجواء تقاعد مبكّر لعويدات، الذي غادر لقضاء إجازة في الخارج قبل أن يعود ويسلّم موقعه للخلف، وهو ما يجعل الملفّات الأساسية معلّقة إلى حين تسلّم النائب العامّ الجديد.
يبدو أنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود هو صاحب الكلمة الفصل لإيجاد الحلّ وتذليل كلّ العقبات والمخاوف التي تعتري الجسم القضائي، وهو الذي يؤكّد أمام زوّاره أنّه لن يسمح بترك مركز مدّعي عام التمييز شاغراً، علماً أنّ الرجل لا يملك الكثير من الأسماء المرشّحة، فكلّ التقديرات تميل إلى إمكانية تكليف رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجّار بهذا الموقع لأكثر من سبب، أهمّها أنّه القاضي السنّيّ الأعلى درجة في لبنان، ومشهود له بكفاءته وعلمه، وبعيد عن التبعيّة لأيّ فريق سياسي، عدا عن أنّ تاريخه القضائي ونجاحه في كلّ المحاكم التي تسلّمها كانا بارزين.
لا تُخفي المصادر لـ “أساس” أنّ عبود يضع في أولويّاته تكليف قاضٍ سنّيّ يخلف عويدات، “باعتبار أنّ هذا المنصب هو من حصّة الطائفة السنّية
ماذا عن جمال الحجّار؟!
ما دام جمال الحجار هو الشخصية التي تستحقّ المنصب، فهذا سبب كافٍ لإحجام وزير العدل عن اقتراح اسمه أو التوافق مع مجلس القضاء الأعلى على انتدابه لسبب لا يقبل الجدل والنقاش، إذ تُرجّح المعلومات أن يكون سبب رفض التيار الوطني الحرّ وصول الحجّار، الذي يرأس المجلس التأديبي للقضاء، إلى أهمّ موقع في السلطة القضائية في لبنان، هو أنّه اتّخذ قرار فصل قاضية “العهد العوني” غادة عون من السلك القضائي، بسبب سلوكها وتجاوزاتها في معرض عملها على رأس النيابة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان والتمرّد على قرارات مجلس القضاء الأعلى والنائب العامّ التمييزي، والإدلاء بمواقف وتصريحات عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تتعارض مع دورها كقاضٍ وكشف معلومات تتعلّق بالملفّات التي تُحقّق فيها.
ليست قنوات الحلّ مقفلة إذا توفّرت النوايا التي تجنّب القضاء أزمة جديدة، وكشف مصدر قضائي بارز لـ “أساس” أنّ هناك “ثلاثة مسارات لملء الشغور في مركز النائب العامّ التمييزي وُضعت قيد البحث هي: أوّلاً أن تُبادر الحكومة إلى تعيين قاضٍ أصيل في هذا المركز، وهذا مستبعد في ظلّ حكومة تصريف الأعمال التي تحجم عن إجراء تعيينات في ظلّ الشغور الرئاسي، وثانياً أن ينتدب وزير العدل بالاتفاق مع مجلس القضاء الأعلى قاضياً يتولّى مهمّة عويدات إلى حين انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة تتولّى مسألة التعيينات، غير أنّ الوزير ليس بالوارد للأسباب المذكورة أعلاه، وثالثاً أن يبادر رئيس مجلس القضاء الأعلى إلى تكليف قاضٍ من محكمة التمييز لهذا المنصب، علماً أنّ القانون يمنح الأخير صلاحية وزير العدل في حال أحجم الأخير عن القيام بمسؤوليّاته”. ويؤكد المصدر أنّه “في حال لم يحصل أيّ من هذه الخيارات الثلاثة فإنّ المحامي العامّ التمييزي الأعلى درجة تُناط به مسألة تسيير عمل النيابة العامّة التمييزية والقيام بمسؤوليات مدّعي عام التمييز”.
بات معلوماً أنّ الشغور في المواقع السنّيّة وإسنادها إلى موظفين من طوائف أخرى، بدأ يثير قلق المراجع السنّيّة العليا
للتخفيف من البلبلة القائمة حول هذا الأمر، أوضحت مصادر مقرّبة من رئيس مجلس القضاء الأعلى أنّه “لن يكون هناك فراغ في منصب النائب العامّ التمييزي، وفي حال لم تُعيّن الحكومة ولم ينتدب وزير العدل بالاتفاق مع مجلس القضاء الأعلى القاضي المناسب لرئاسة النيابة العامّة التمييزية ولو مؤقّتاً، فإنّ القاضي سهيل عبود سيضطلع بهذه المهمّة ولن يتردّد في اختيار القاضي المناسب لتكليفه ليكون على رأس النيابة العامة التمييزية”.
قلق سُنّيّ
لا تُخفي المصادر لـ “أساس” أنّ عبود يضع في أولويّاته تكليف قاضٍ سنّيّ يخلف عويدات، “باعتبار أنّ هذا المنصب هو من حصّة الطائفة السنّية، وهو لا يُحبّذ إسناد هذا الموقع، سواء بالانتداب أو بالتكليف، لقاضٍ من طائفة أخرى لأنّ الفترة التي تفصل ما بين تقاعد عويدات وتعيين قاضٍ أصيل ستكون طويلة، فهذا الأمر رهن الحلول السياسية المعقّدة، أي بانتظار انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وبدء الأخيرة بفكفكة العِقد المتراكمة، وبينها التعيينات العسكرية والإدارية والقضائية والأمنيّة والدبلوماسية التي ربّما تأتي في وقتٍ متأخّر”.
إقرأ أيضاً: خوري يخلف عويدات في شباط!
بات معلوماً أنّ الشغور في المواقع السنّيّة وإسنادها إلى موظفين من طوائف أخرى، بدأ يثير قلق المراجع السنّيّة العليا، لا سيّما ما يُحكى عن إمكانية أن يُكلّف القاضي عويدات المحامي العامّ التمييزي القاضي غسان الخوري (ماروني) القيام بمهامّه قبل مغادرته مكتبه، خصوصاً أنّ الأخير كان الأقرب إليه والمطّلع على الملفّات الكبرى، أو أن تتولّى القاضية ندى دكروب (شيعيّة) هذا المنصب حتماً لأنّها الأعلى درجة بين المحامين العامّين التمييزين. كما ترافق ذلك مع الحديث عن إمكانية أن يشغل النائب العامّ المالي القاضي علي إبراهيم هذا المنصب (باعتبار أنّ النيابة العامّة الماليّة تتبع مباشرة للنيابة العامّة التمييزية)، إلا أنّ المصدر القضائي شدّد على أنّ “فرضية تكليف عويدات للخوري ليست في مكانها القانوني الصحيح، وإذا حصل هذا التكليف قبل أيام من تقاعد عويدات فإنّه ينتهي حتماً مع مغادرته إلى منزله بعد أربعة أسابيع. كما أنّ إسناد المهمّة إلى القاضي علي إبراهيم غير وارد إطلاقاً، وليس صحيحاً أنّ النيابة المالية هي جزء من النيابة العامّة التمييزية، وإن كانت الأخيرة تشكّل رأس النيابات العامة والضابطة العدلية في كلّ لبنان. أمّا عن احتمال تسلّم دكروب هذه المسؤولية فهو احتمال وارد لكنّه ضعيف”.