هل مسموح لإيران التحكّم بقناة السويس؟

مدة القراءة 5 د


يستحيل اعتبار الحوثيين قدراً يمنيّاً. إنّهم جزء من النسيج اليمني لكنّهم ليسوا اليمن ولا يمكن أن يتحدّثوا باسم اليمن وأن يبادروا إلى شنّ حروب، نيابة عن إيران، لكنّها حروب محسوبة على اليمن. إنّها حروب لا يمكن إلّا أن ترتدّ يوماً على “أنصار الله” وعلى اليمن نفسه الذي يعاني من الفقر والجوع والأمراض والبؤس.
هؤلاء الذين يعرقلون الملاحة في البحر الأحمر، بحجّة دعم غزّة وقضيّة فلسطين، إنّما يهدّدون عملياً حركة العبور في قناة السويس ويغطّون على جرائم إسرائيل في غزة عبر خلق أزمة دولية تشغل العالم عن مأساة غزّة. لا مجال لتجاهل قناة السويس التي هي أحد الشرايين الحيوية بالنسبة إلى مصر، خصوصاً بفضل ما توفّره من مداخيل لبلد يواجه أزمة اقتصاديّة حقيقيّة. كذلك، تشكّل القناة شرياناً من شرايين التجارة الدوليّة، إن بالنسبة إلى أوروبا أو إلى دول جنوب شرق آسيا، فضلاً عن الهند والصين وكوريا الجنوبيّة.
في النهاية، لا بدّ من تسمية الأشياء بأسمائها. يعني ذلك، بكلّ بساطة، القول صراحة إنّ الحوثيين الذين يسمّون أنفسهم “جماعة أنصار الله” ليسوا سوى أداة إيرانيّة تنفّذ ما تطلبه منها “الجمهوريّة الإسلاميّة” في سياق تنفيذ مشروعها التوسّعي. هذا واقع لا جدل في شأنه. من يريد الدخول في جدل محوره العلاقة بين إيران والحوثيين وطبيعة هذه العلاقة القديمة، إنّما يريد تفادي طرح السؤال الأساسي: هل مسموح لإيران التحكّم بقناة السويس؟ هل مسموح لها استخدام الحوثيين لتحقيق هذا الهدف؟

هؤلاء الذين يعرقلون الملاحة في البحر الأحمر، بحجّة دعم غزّة وقضيّة فلسطين، إنّما يهدّدون عملياً حركة العبور في قناة السويس ويغطّون على جرائم إسرائيل في غزة

من يتحكّم بالعبور في البحر الأحمر؟
يبقى السؤال الأساسي: هل “الجمهوريّة الإسلاميّة” من يتحكّم بحركة العبور في البحر الأحمر، وبالتالي بحركة العبور في قناة السويس التي تختصر المسافة البحريّة بين الشرق والغرب؟ سيتوجّب على المجتمع الدولي الإجابة عن هذا السؤال بعدما مدّت إيران نفوذها إلى اليمن وأقامت فيه كياناً سياسياً، عاصمته صنعاء، هو بمنزلة قاعدة صواريخ ومسيّرات تابعة لها، بل بإمرة “الحرس الثوري”. يشبه وضع الحوثيين في شمال اليمن تماماً وضع “الحزب” في لبنان ووضع الميليشيات التابعة لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” العاملة في سوريا أو الميليشيات المنضوية تحت لافتة “الحشد الشعبي” التي حلّت مكان الدولة في العراق. تعتدي إيران على مطار إربيل وعلى مواقع مدنيّة في كردستان العراق. لا تجرؤ الحكومة العراقية، بغية استرضاء الرأي العامّ الداخلي، إلّا على التلويح بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن. في الواقع لا وجود لمثل هذه الشكوى نظراً إلى استحالة تقديم إيران شكوى على إيران في الأمم المتحدة!
يظلّ أخطر ما في الأمر استغلال إيران لحرب غزّة من أجل فرض أمر واقع يتمثّل في أنّها القوة المهيمنة على المنطقة من جهة وأن لا حلول أو تسويات من دون التفاوض معها واسترضائها من جهة أخرى. أقامت هلالاً آخر، غير الهلال الفارسي الذي يربط بين طهران وبيروت على البحر المتوسط. يمرّ هذا الهلال ببغداد ودمشق وصولاً إلى العاصمة اللبنانية التي استطاعت “الجمهوريّة الإسلاميّة” نشر ثقافة الموت فيها وإبعاد العرب عنها. هذا الهلال الآخر هو ذلك المؤدّي من طهران إلى صنعاء، ويمرّ فوق الخليج العربي ودوله وليس عبرهما. يفسّر وجود ذلك الهلال الآخر الموقف الإيراني الساعي في الوقت الحاضر إلى تحييد دول الخليج العربي، خصوصاً المملكة العربيّة السعوديّة.

لم يتردّد مسؤولون إيرانيون، في ضوء وضع الحوثيين يدهم على صنعاء في 21 أيلول 2014، في ترديد أنّ طهران باتت تسيطر على أربع عواصم عربيّة هي صنعاء وبيروت ودمشق وبغداد. لم يتردّد هؤلاء في تأكيد السيطرة الإيرانيّة على مضيق هرمز ومضيق باب المندب، فيما العالم الغربي يتفرّج. وُجد في عام 2015 من يُخرج الحوثيين من عدن ومن ميناء المخا المطلّ مباشرة على باب المندب. لكنّه وُجد أيضاً من يساعد الحوثيين في عام 2018 في تكريس سيطرتهم على ميناء الحديدة عن طريق اتفاق استوكهولم الذي حظي بغطاء من الأمم المتحدة ومن أميركا وبريطانيا تحديداً.

استفاقة أميركية بريطانية متأخرة
استفاقت أميركا، ومعها بريطانيا، أخيراً على خطر الحوثيين. هل تستفيق إدارة جو بايدن أيضاً على أنّ الضربات الموجّهة إلى هؤلاء لن تؤدّي إلى النتائج المرجوّة من دون تركيز في الوقت ذاته على الوضع الداخلي في اليمن؟ مرّة أخرى، الحوثيون جزء من المعادلة الداخليّة اليمنية ولا يمكن إلغاؤهم… لكنّ اليمن لا يُختزل بهم. لا يمكن في نهاية المطاف معالجة أزمة في حجم أزمة الملاحة في البحر الأحمر من دون التركيز على الوضع الداخلي في اليمن. مرّة أخرى أيضاً، ليس الحوثيون قدراً. هناك قوى مناهضة لهم في شمال اليمن وهناك “شرعيّة” جديدة متحالفة مع قوى أخرى تستطيع أن تلعب دوراً في مواجهة الحوثيين متى حصلت على الأسلحة النوعيّة التي تحتاج إليها لتأدية هذه المهمّة. ليس صحيحاً أنّ الحوثيين لا يُهزمون. هُزموا في عدن وهُزموا في المخا، واستطاعت قوات “العمالقة” وهي في معظمها جنوبيّة من منعهم من السيطرة على مدينة مأرب والتمدّد في اتجاه محافظة شبوة ذات الأهمّيّة الاستراتيجيّة الكبيرة كونها على تماسّ مع محافظات عدّة.

إقرأ أيضاً: وراء الجنون الإيرانيّ… الداخل وحرب غزّة

بكلام أوضح، لا يمكن معالجة الأزمة التي في البحر الأحمر التي تقف وراءها إيران وأداتها الحوثيّة من دون التركيز على مشروعها التوسّعي في المنطقة. في الوقت ذاته، لا يمكن معالجة الموضوع الحوثي، بحدّ ذاته، بمعزل عن القوى اليمنية المختلفة التي تستطيع التصدّي لإيران ولـ”جماعة أنصار الله” من داخل اليمن… وليس من خارجه عبر قصف مدفعي وصاروخي. هذا القصف يؤذي الحوثيين، لكنّه لا يحدّ من خطورتهم ولا ينهي لعبة إيران التي تستهدف بين ما تستهدفه التحكّم بالملاحة في البحر الأحمر، أي بحركة العبور في قناة السويس!

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…