ربيع وأحمد وخالد: دماء طرابلس… تعانق فلسطين

مدة القراءة 7 د


لمدينة طرابلس تاريخ عريق في دعم القضية الفلسطينية قولاً وفعلاً منذ كانت العصابات الصهيونية “الهاغاناه” و”الأرغون” و”الشتيرن” و”البالماخ” تنفّذ المجازر بحقّ أبناء البلد الأصليين “على طريق تأسيس دولة إسرائيل”. في يوم واحد، قدّمت طرابلس ثلاثة من أبنائها شهداء للقضية الفلسطينية، القضية الأمّ وجرح القلب الذي لم يندمل قطّ.

معلومات متضاربة

الأوّل هو ربيع معماري، المصوّر في قناة الميادين، الذي كان يصوّر بكاميرته زميلته فرح عمر، كي ينقلا إلى اللبنانيين والعالم القصف الإسرائيلي على بلدات الجنوب وأهله، فاستهدفتهما الطائرات الإسرائيلية التي لا تفرّق بين صحافي ومدني وعسكري.

ما كادت تمرّ سويعات، حتى ارتقى ابنا طرابلس أحمد عوض “أبو بكر” وخالد ميناوي شهيدين، بعد تعرّض السيارة التي كانت تقلّهما برفقة ثلاثة آخرين، بينهم خليل الخراز القيادي في “كتائب عز الدين القسام”، لقصف مسيّرة إسرائيلية.

لمدينة طرابلس تاريخ عريق في دعم القضية الفلسطينية قولاً وفعلاً منذ كانت العصابات الصهيونية “الهاغاناه” و”الأرغون” و”الشتيرن” و”البالماخ” تنفّذ المجازر بحقّ أبناء البلد الأصليين “على طريق تأسيس دولة إسرائيل”

إذا كانت شهادة معماري لا تحتاج إلى توضيحات، فقد حصل لغط كبير عقب الإعلان عن استشهاد عوض وميناوي. إذ تضاربت المعلومات التي جرى تداولها بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي والمجموعات الإخبارية. في البداية جرى تعميم استشهاد ثلاثة من طرابلس، حيث أضيف اسم شابّ يدعى سعيد ضنّاوي إلى عوض وميناوي. بعدها تمّ نفي خبر استشهاد ضنّاوي كما وجوده معهما من أصله. فيما دار لغط آخر بعد انتشار أخبار تشير إلى أنّ عوض وميناوي لم يكونا برفقة القائد الحمساوي، إنّما في سيارة رابيد كانت خلف سيارته، لكنّها أُصيبت بالقصف الإسرائيلي، وأنّ الاثنين كانا يسعيان خلف رزقهما.

ما ساعد في رواج هذا اللغط هو صعوبة التعرّف على هويّة الشهداء بسبب حالة الجثث. بالإضافة إلى البيان المبهم الذي نشرته حركة حماس، والذي يقول: “نعَت حركة حماس كتائب عز الدين القسام القائد خليل حامد الحراز (أبو خالد) الذي استشهد مع مجموعة من إخوانه إثر غارة صهيونية استهدفته أثناء قيامه بواجبه الجهادي في جنوب لبنان”. ثم عادت حماس ونشرت بعد نحو 30 ساعة بياناً رسمياً نعت فيه الشبان الأربعة الذين استشهدوا “أثناء قيامهم بواجب التضامن والنصرة والإغاثة لشعبنا الفلسطيني”.

تقديم مساعدات للمجهود الحربيّ

تشير المعلومات إلى أنّ أبا بكر عوض وخالد ميناوي، وهما ينتميان إلى الفكر السلفي، والأوّل هو مساعد إمام مسجد التقوى الذي تعرّض لانفجار سيارة مفخّخة عام 2013، كانا يقومان بإيصال مساعدات ماليّة جرى جمعها في طرابلس لتقديمها لـ”كتائب القسام”. لذلك توجّها إلى مخيّم “الرشيدية” في صور للقاء الحراز من أجل تسليمه هذه المساعدات. بيد أنّهما لم يكونا وحدهما، بل كان معهما أيضاً شابّان تركيان، هما بلال أوزتورك ويعقوب أردال، اللذان قدما من تركيا للغاية نفسها، وهي تقديم مساعدات ماليّة.

لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يقُم الشابّان التركيان بتسليم المساعدات إلى ممثّلي حماس في تركيا في ظلّ العلاقة المميّزة التي تربط الحركة بحزب العدالة والتنمية الحاكم؟

تجيب مصادر تسنّى لها الاطّلاع على تفاصيل هذه الرحلة، بأنّ الشابّين “حضرا من تلقاء نفسيهما، ولا يمثّلان أيّ جهة أو منظمة، لأنّهما يريدان تقديم المساعدات للإسهام في المجهود الحربي لـ”كتائب القسام” على الجبهة الجنوبية. في حين أنّ قنوات المساعدات المفتوحة في تركيا ليست مخصّصة للشؤون القتالية، بل محصورة فقط بالعمل الإنساني والإغاثي عبر الأذرع الخيرية للحكومة التركية”.

الشبّان الأربعة كانوا معاً برفقة الحراز في سيارته التي استهدفتها المسيّرة الإسرائيلية. وتنفي مصادر مقرّبة من عوض وميناوي أن يكونا منتميين إلى حماس، أو أن يكون لهما أيّ دور في العمل العسكري: “مهمّة الشباب الأربعة كانت محصورة فقط بتسليم المساعدات لكتائب القسام”.

الجدير بالذكر أنّه منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة يتمّ جمع المساعدات المالية في مساجد طرابلس، ولا سيما عقب صلاة الجمعة، وفي أمكنة أخرى، بهدف تقديمها لأهل غزة لدعم صمودهم. فـ”نُصرة المظلوم” بكلّ الأشكال المتاحة، من الدعاء إلى الجود بالمال، هي واجب، وذلك امتثالاً لقيم التراحم والتضامن وإغاثة الملهوف التي تشكّل أساس الإرث الإسلامي الذي تتميّز به الثقافة الطرابلسية، والذي يسعى الكثير من النخب في المدينة إلى الحفاظ عليه.

على الرغم من كلّ الأجواء العاطفية المشحونة، إلا أنّ بعض الأصوات العاقلة لا تني تحذّر من مغبّة الانجراف بعيداً خلف العاطفة، كي لا تتكرّر المأساة السنّية مرّة جديدة، حيث لا تزال السجون حافلة بعشرات الشبّان الذين ذهبوا بكلّ نيّة طيّبة لنصرة إخوانهم في سوريا

الحضّ على دعم المجاهدين

هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الخطاب الديني في طرابلس منذ بدء حرب الإبادة على غزة وأهلها شبه موحّد. لكنّه لا يكتفي بالوعظ الديني والتذكير بأهمية “نُصرة المظلوم”، بل يذهب أبعد من ذلك في الحضّ على الدعم المالي للمجاهدين في كتائب القسام وسائر فصائل المقاومة في فلسطين. ويستند الخطباء في ذلك إلى جملة من الآيات القرآنية والمفاهيم الفقهية والأحاديث النبوية عن فضائل الجهاد في سبيل الله. ومنها الحديث الشريف الذي بات كثير التداول في الآونة الأخيرة: “من جهّز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خَلَفَ غازياً في أهله بخير فقد غزا”. رواه زيد بن خالد الجهني، وورد في كتاب “صحيح البخاري”. والمقصود منه حسب تفسير العلماء أنّ من دعم المجاهدين في سبيل الله، أو قام بالإنفاق على عوائلهم أثناء جهادهم فله مثل أجرهم.

من هذا المنطلق، ما كاد خبر استشهاد عوض وميناوي ينتشر في طرابلس حتى صدحت بعض المساجد بالتكبير، وقام العديد من الشبّان بتوزيع الحلوى في الشوارع. فضلاً عن تقديم التبريكات والتهنئة لهما ولذويهما عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ذلك أنّ الشهادة هي أرفع مرتبة يطمح إليها أيّ مسلم. علماً أنّ فيديو لقي رواجاً هائلاً على شبكات التواصل لأبي بكر وهو يقدّم الحلوى بنفسه ابتهاجاً بعملية “طوفان الأقصى”، ويدعو للمجاهدين بالنصر والتمكين.

ورغم نفي مصادر مقرّبة من حماس أنْ يكون الشابان الطرابلسيان منتميان اليها، أو حتّى كانا بصدد المشاركة في العمليات العسكرية، وأن عملهما لا يتجاوز المجال الإغاثي، إلا أنّ ذلك لا يمنع تشكيك البعض في كون مهمّة الشبّان الأربعة، أو الشابّين الطرابلسيّين على الأقلّ، تتجاوز إطار تسليم التبرّعات للقيادي في القسام، إلى المشاركة معهم في القتال الدائر جنوباً ولو عن بعد.

فهناك تعاطف طرابلسي شعبي كبير مع “كتائب القسام” قد تسعى الأخيرة لاستثماره عبر ضمّ بعض الأشخاص إليها من أجل منحها طابعاً لبنانياً. يضاف إلى ذلك إعلان الأمين العام للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقوش في مقابلة صحافية عن فتح باب الانتساب إلى “قوات الفجر”، التي تعتبر الذراع اللبناني لـ”كتائب القسام”.

إقرأ أيضاً: أبو عبيدة: سنّة لبنان وجدوا زعيمهم… العسكري

على الرغم من كلّ الأجواء العاطفية المشحونة، إلا أنّ بعض الأصوات العاقلة لا تني تحذّر من مغبّة الانجراف بعيداً خلف العاطفة، كي لا تتكرّر المأساة السنّية مرّة جديدة، حيث لا تزال السجون حافلة بعشرات الشبّان الذين ذهبوا بكلّ نيّة طيّبة لنصرة إخوانهم في سوريا، فكانت ملفّات الإرهاب في انتظارهم عند عودتهم، بعدما جرى بيعهم على طاولة السياسة.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…