عصيان عربيّ بوجه بلينكن… وورقة حلّ دائم في الرياض

مدة القراءة 9 د


تسابق الجهود الدبلوماسية والسياسية العربية آلة الحرب الإسرائيليّة التي تفتك بأرض غزّة وأهلها. وفي صلب هذا الماراتون، تأتي القمّة العربيّة في المملكة العربية السعودية يوم السبت المقبل (11 تشرين الثاني)، حاملةّ ورقة رباعية، سعوديّة – مصريّة – أردنيّة – قطريّة، يعملُ عليها المعنيون خلف الكواليس لوضعِ حدٍّ للمجازِر الإسرائيليّة. ومعها لملمة الأوراق وترتيب البيت الفلسطينيّ بأيدٍ عربيّة استعداداً للمرحلة المُقبلة من عمر القضيّة الفلسطينيّة.

يؤكّد مصدر أمني عربيّ لـ”أساس” أنّ الهدف الأساسي لدى الجانب العربيّ هو ترتيب البيت الفلسطينيّ ورصّ صفوف الفلسطينيين قد يثير قلق إسرائيل وإيران. والخشية تكمن في أن تلجأ تل أبيب وطهران إلى فتح الجبهات على وُسعها قبل انعقاد القمّة العربيّة يومَ السّبت المُقبل. إذ لا تُريد إسرائيل أن تُكبّل أيديها بموقفٍ عربيّ موحّد، كانت تراه بعيداً عن الواقع. ولا تريد إيران أن تفقد الورقة الفلسطينيّة لمصلحة العرب.

الماراثون الدبلوماسيّ والسياسيّ يُحاول أن يُسابقَ آلة الحرب الإسرائيليّة على أرض غزّة. والقمّة العربيّة الاستثنائيّة في الرّياض تسابق جولات وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن في عمّان وأنقرة وبغداد، ولقاءاته التي خيّمَت عليها أجواء سلبيّة. إذ سَمِعَ رئيس الدّبلوماسيّة الأميركيّة في جولته ما لا يُسرّه.

يؤكّد مصدر أمني عربيّ لـ”أساس” أنّ الهدف الأساسي لدى الجانب العربيّ هو ترتيب البيت الفلسطينيّ ورصّ صفوف الفلسطينيين قد يثير قلق إسرائيل وإيران

قمّة الرّياض: القضيّة عربيّة

تشير معلومات “أساس” إلى أنّ الدّول العربيّة تعمل على بلورة رؤيةٍ عربيّة لإيقاف الحرب المُشتعلة في قطاع غزّة. والورقة العربية التي يسوّقها العاهل الأردني بين الرّياض والقاهرة ومعهما الدّوحة، تحاول بلورة هذه الرّؤيا التي وصلَت حتّى السّاعة إلى الاقتراحات الآتية:

1- إعلان وقف إطلاق النّار في قطاع غزّة وإدخال المُساعدات الإنسانيّة والإغاثيّة، ورفع الحصار المفروض على القطاع منذ 2006.

2- إتمام عمليّة تبادلٍ للأسرى بين حركتيْ حماس والجهاد الإسلاميّ مع إسرائيل، على أن يتزامن إطلاق سراح المستوطنين من غير الجنود مع وقف إطلاق النّار وفتح المعابر لدخول المساعدات.

3- إعادة تكوين السّلطة الفلسطينيّة، وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة تسمّي فيها حماس وزراء من خارج التنظيم.

عن هذه النّقطة، تشير مصادر حماس إلى أنّها لا تُمانع العودة إلى فترة ما بعد انتخابات 2006، حينَ رأست حماس الحكومة، مع بقاء رئاسة السّلطة الفلسطينيّة بيد مُنظّمة التحرير الفلسطينيّة وحركة فتح. وإلى حين تحقيق ذلك تتولى مصر والأردن والأمم المتحدة إدارة القطاع.

3- إعلان هدنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تراوح بين 5 إلى 10 سنوات، تتزامن مع إطلاق محادثات سلام على مبدأ المبادرة العربيّة للسّلام المُنبثقة عن قمّة بيروت 2002.

4- إطلاق حملة إعادة إعمار القطاع بعد وقف الحرب.

إضافة إلى البيان سيصدر عن القمّة مواقف تُؤكّد التالي:

1- تحميل سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤوليّة الكاملة عمّا يتعرّض له المدنيّون الفلسطينيّون في غزّة.

2- إعادة التأكيد على الموقف العربيّ الرّافض لتهجير سُكّان غزّة إلى سيناء أو أيّ مكانٍ آخر، ودعم ثبات الشّعب الفلسطينيّ في أرضه.

3- التأكيد على دعم الحكومة الفلسطينيّة سياسيّاً واقتصاديّاً وماليّاً ودبلوماسيّاً.

تشير معلومات “أساس” إلى أنّ الدّول العربيّة تعمل على بلورة رؤيةٍ عربيّة لإيقاف الحرب المُشتعلة في قطاع غزّة. والورقة العربية بين الرّياض والقاهرة ومعهما عَمّان والدّوحة، تحاول بلورة هذه الرّؤية

بلينكن في عمّان.. توتّر

منذ يوم الجمعة الماضي يجولُ وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن في المنطقة. بدأ جولته من تل أبيب برفقة سفير بلاده الجديد جاك لاو. لم يغِب عن بالِ بلينكن أنّه مواطنٌ يهوديّ، كما قال في زيارته الأولى بعد عمليّة “طوفان الأقصى”. فاجتمَع مع نتانياهو و”كابينت الحرب”. وبحسب معلومات “أساس”، بحثَ معهم إمكانيّة إعلان “هدنة إنسانيّة”، فكان جواب نتانياهو ووزير حربه يوآف غالانت أنّها “غير مُمكنة من دون إطلاق سراح الأسرى لدى حماس”.

كانَ الموقف الإسرائيليّ أكثر ليونةً من ذي قبل، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّهم فقدوا الدّعم الأميركيّ، إذ كانَ بلينكن يقول للإسرائيليين إنّ بلاده ستزوّدهم بقنابل “أصغر” من تلكَ التي يلقونها على غزّة، لأنّ “الرّئيس بايدن يتعرّض لضغوطٍ كبيرة في أوساط الحزب الدّيمقراطيّ من التيّار اليساري بقيادة بيرني ساندرز، وداخل الإدارة، خصوصاً بعد مجزرة مخيّم جباليا التي صدَمت الرّئيس شخصيّاً”.

كذلك طلب بلينكن من الحكومة الإسرائيليّة أن تُفرِجَ عن أموال السّلطة الفلسطينيّة فوراً لما يسبّب ذلك من تقويض للسّلطة على حسابِ حماس، وذلك بعدما أعلن وزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش أنّه سيُبقي على احتجاز أموال السّلطة.

توصّل الجانبان إلى اتفاقٍ يقضي بالإفراج عن الأموال، شريطة أن لا يُحوّل شيء منها إلى غزّة، ولا حتّى لموظّفي السّلطة فيها.

من تل أبيب انتقَل بلينكن إلى العاصمة الأردنيّة عمّان. هُناك عقدَ اجتماعاً تنسيقيّاً مع 6 وزراء خارجيّة عرب: السّعودي الأمير فيصل بن فرحان، المصريّ سامح شكري، الأردني أيمن الصّفدي، القطريّ الشّيخ محمّد بن عبد الرحمن، الإماراتيّ الشّيخ عبد الله بن زايد، والفلسطيني رياض المالكيّ.

ماذا جرى في هذه الاجتماعات؟

بحسب معلومات “أساس” من مصدر دبلوماسيّ عربيّ، فإنّ الاجتماع بين بلينكن ونظرائه العرب كان مُتوتّراً:

1- نقلَ وزير الخارجيّة الأميركيّ إصرار إسرائيل على استكمال ما سمّاه “ضربَ الأهداف في غزّة حتّى القضاء على حماس، بما في ذلك مستشفى الشّفاء”.

2- قال بلينكن إنّ وقف إطلاق النّار من دون ضربِ البنية العسكريّة لحماس والتأكيد على أنّها أو غيرها لن تشنّ هجوماً مثل 7 تشرين الأوّل يعني “منح حماس انتصاراً على إسرائيل”.

3- استدعى هذا الكلام ردّاً شديد اللهجة من وزير خارجيّة مصر سامح شكري الذي قال لبلينكن إنّ بلاده ينبغي أن تعمل على وقفٍ غير مشروطٍ لإطلاق النّار بدلاً من دعم الجرائم الإسرائيليّة التي تُخالف القانون الدّوليّ وقوانين الحرب وكلّ الاتفاقيّات ذات الصّلة. كذلك كان موقف وزير الخارجيّة القطريّ محمّد بن عبد الرّحمن آل ثاني.

4- قال بلينكن إنّ تل أبيب تقوم بالدّفاع عن نفسها بعد هجوم حماس في 7 تشرين، فقال له شكري إنّ “ما تُسمّيه الدّفاع عن النّفس لا يقتضي استهداف الأبرياء والمشافي ومحاولة دفع المواطنين الفلسطينيين لمُغادرة أرضهم”.

5- سمِعَ بلينكن من الحاضرين أنّ الهدف الإسرائيلي بـ”القضاء على حماس” هو ضربٌ من الجنون.

6- كما أبلغه الحاضرون أنّ بيان القمّة العربيّة في 11 الجاري سيكون عالي السّقف تجاه استمرار العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة.

7- كذلك سمِعَ بلينكن كلاماً عربيّاً مُفاده أنّ استمرار بلاده بدعم تل أبيب وعدم قدرتها على لجمها قد يدفع العرب إلى البحث “عن شركاء وحلفاء يُمكن الوثوق بهم للضّغط على إسرائيل”.

من أنقرة حطّ بلينكن رحاله في مطار بغداد الدّوليّ. وصلَ بعد ساعات من بيان حمل توقيع “المقاومة الإسلاميّة في العراق” هدّد بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الاستهدافات للأميركيين والإسرائيليين بدءاً من هذا الأسبوع

في أنقرة.. توتّر، وفي بغداد رسائل

من عمّان طارَ بلينكن إلى العاصمة التّركيّة أنقرة، حيث التقى نظيره حقّان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالن في لقاء غير مُعلن.

طلبَ موعداً للقاء الرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان، فقيل له إنّ جدول أعمال الرّئيس مُزدحم بالمواعيد، وبإمكانه العودة الإثنين للقائه. هذه الواقعة هي إعادة لما حصلَ قبل أسبوعيْن يومَ طلب بلينكن لقاء وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان، فسافر وعاد في اليوم التّاليّ.

يكشف مصدر تركيّ لـ”أساس” أنّ اللقاء بين بلينكن وإبراهيم كالن كانَ مُتوتّراً أيضاً:

1- اشترطَ بلينكن أن تُسلّم حركة “حماس” كلّ أسلحتها النّوعيّة والصّواريخ، وهذا ما رفضه كالن قبل التّوصّل إلى اتفاق سلام شاملٍ وعادل.

2- يُسمَح لقيادات الحركة بالخروج من قطاع غزّة إلى وجهة من 3: لبنان أو تركيا أو باكستان. هذا أيضاً دفع رئيس الاستخبارات التركيّة إلى تكرار ما سمعه الإسرائيليّون في الدّوحة الأسبوع الماضي من أنّ هذا الموضوع غير قابل للنّقاش، وقيادة حماس هي التي تُقرّر إن كانَ قادتها يبقون في القطاع أو يُغادرونه.

3- السّماح لمن يرغب من سكّان قطاع غزّة بمغادرته. كان الجواب التّركيّ مُماثلاً للجواب العربيّ: “لا تهجير من غزّة، وندعم ثبات الشعب الفلسطينيّ في أرضه، ولن نقبل بتهجير سكّان القطاع”.

من أنقرة حطّ بلينكن رحاله في مطار بغداد الدّوليّ. وصلَ بعد ساعات من بيان حمل توقيع “المقاومة الإسلاميّة في العراق” هدّد بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الاستهدافات للأميركيين والإسرائيليين بدءاً من هذا الأسبوع.

كان المشهدُ مختلفاً في عاصمة العباسيين. ارتدى الوزير الأميركيّ سترة واقية من الرّصاص قبل خروجه من الطّائرة، لينتقل إلى مقرّ رئاسة الوزراء للقاء الرّئيس محمّد شيّاع السّوداني.

ناقشَ بلينكن والسّوداني الهجمات التي تستهدفُ القواعد الأميركيّة في شمال العراق وغربه. قال السّودانيّ إنّ بلاده ستفعل كلّ ما يلزم لضمان عدم تكرار الهجمات. وفي الوقت عينه نقل الموقف العراقيّ المُطابق للموقف العربيّ الذي سيصدر عن قمّة الرّياض العربيّة.

طلبَ وزير الخارجيّة الأميركيّ من السّوداني نقل رسالة عاجلة إلى طهران مُفادها أنّ بلاده لا ترغب بتوسيع نطاق الحرب بين إسرائيل وقطاع غزّة وتعمل ما في وسعها لمنع ذلك. لكنّها في الوقت عينه لن تسكتَ عن استهداف قواعدها في العراق وسوريا، وقد يتّخذ الرّد الأميركيّ منحىً تصعيديّاً في حال كانت الهجمات أقوى، وقد يصل الأمر إلى ضربِ مصالح إيرانيّة.

إقرأ أيضاً: القمة العربية أمام تحدي انتزاع المبادرة من إسرائيل وإيران

لم يكَد بلينكن يُغادر بغداد حتّى أُعلِنَ حدثان:

الأوّل: أنّ رئيس الوزراء العراقي وصل الإثنين إلى العاصمة الإيرانيّة طهران للقاء الرّئيس إبراهيم رئيسي.

الثّاني: استهداف قاعدة عين الأسد الأميركيّة في الأنبار بهجوم صاروخيّ تزامناً مع مُغادرة بلينكن بغداد.

بين موعد انعقاد القمّة العربيّة وانتهاء جولة بلينكن، كانَ الوضع يزداد توتّراً على الحدود الجنوبيّة للبنان. وكأنّ المشاورات الدّبلوماسيّة والسّياسيّة تصطدم كلّها بالمواقف الإسرائيليّة المبنيّة على جنون آلة الحرب بعد ضربة 7 أكتوبر (تشرين الأوّل)، وتأجيل مراسم دفن المُستقبل السّياسيّ لبنيامين نتانياهو. هذا الأسبوع وحده كفيل بأن يجيب إن كانَ برميل الشّرق الأوسط سينفجر، أم أنّ قرارات القمتان العربية والإسلامية ستسحبان فتيل الانفجار.

مواضيع ذات صلة

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…

“الفرصة الأخيرة” وسط الألغام

قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين تقصّد العدوّ الإسرائيلي كما الحزب رفع مستوى الضغط الميداني إلى حدّه الأقصى: إسرائيل تكرّر قصف عمق العاصمة…