الكنيسة والفدراليّة: نقاش “يسوعيّ”.. بمشاركة سنيّة

مدة القراءة 5 د


منذ أواخر العام الماضي، بدأت جامعة الروح القدس – الكسليك في العمل على إعداد مشروع للّامركزية الإدارية. ولهذه الغاية استعانت بخبراء في السياسة والاقتصاد والاجتماع والإدارة من أجل إعداد “مشروع نظام لامركزي متكامل يتلاءم مع الأنظمة المعتمدة عالمياً، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات اللبنانية المعقّدة”، والكلام للأب طلال الهاشم، رئيس جامعة الروح القدس في الكسليك، في حديث لـ”أساس”.

رغبة كنسيّة فاتيكانيّة

يرتكز هذا المشروع على الأساس الذي أجمعت عليه العائلات الروحية اللبنانية، والذي دعمته الدول العربية والغربية، وهو اتفاق الطائف، في محاولة لتطبيق بنوده كاملة، وبالتحديد البند الإشكالي المتعلّق باللامركزية. وهو يعمل على المزاوجة بين المزاج المسيحي العامّ الراغب في الاستقلالية، وبين رفض الفاتيكان لمشاريع الفدرلة والتقسيم واعتبار أنّها لا تصبّ في مصلحة المسيحيين على المدى البعيد.

اللامركزية بحدّ ذاتها مصطلح مطّاط، فهناك بعض القوى السياسية التي ترفع عنوان اللامركزية من أجل الوصول إلى فدرالية مقنّعة

لذا يحظى هذا المشروع بمباركة من الكنيسة المارونية، حيث أكّد البطريرك بشارة الراعي في أكثر من موقف وعظة له رفض مشاريع الفدرالية، والتمسّك باتفاق الطائف، والحرص على تطبيق جميع بنوده نصّاً وروحاً، ومنها اللامركزية الإدارية.

بيد أنّ اللامركزية بحدّ ذاتها مصطلح مطّاط، فهناك بعض القوى السياسية التي ترفع عنوان اللامركزية من أجل الوصول إلى فدرالية مقنّعة، والبعض يريد “التقسيم”، مقابل رفضها من قوى أخرى ترى أنّها تهدّد سيطرتها المزمنة والمهلكة على قرار الدولة، فتتّهم من يروّج لها بالرغبة في تقسيم لبنان.

إزاء هذه المحاذير، حرصت جامعة الروح القدس على التحفّظ عن إعلان مشروعها، بموازاة فتح باب النقاش حوله مع القوى السياسية استعداداً لطرحه ضمن مؤتمر وطني للحوار بشكل علمي وموضوعي بعد أخذ ملاحظات مختلف الأفرقاء.

بيد أنّ ما نشر عن المشروع يشير إلى أنّه ينطلق من قاعدة أساسية وهي تفعيل الإدارة المحلية، لا من خلال إنشاء كيانات ومجالس وهيئات جديدة، كما ينصّ قانون زياد بارود الذي يعمل على تنقيحه التيار الوطني الحرّ، إنّما عبر الإدارات الموجودة حالياً، وهي البلديات واتحادات البلديات، لكن مع منحها هامشاً واسعاً من الصلاحيات، ولا سيّما في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والتعليم ومعالجة النفايات، الأمر الذي يضمن أن تصبح أقلّ كلفة وفساداً، ويمكّن الناس من ممارسة رقابة حقيقية عبر الانتخابات.

توسعة دائرة النقاش

تسعى جامعة روح القدس إلى توسعة دائرة النقاش حول المشروع الذي صاغته والبداية كانت مع شخصيات سنيّة شاركت في الحكم والتشريع والإدارة. وضمّت كل من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والنواب والوزراء السابقين سمير الجسر، خالد قباني، أحمد فتفت، مصطفى علوش، والمستشار الإعلامي للرئيس السنيورة عارف العبد.

النائب السابق سمير الجسر من أبرز المشرّعين في المجالس النيابية السابقة، وكان حاضراً في النقاشات حول مشروع وزير الداخلية السابق زياد بارود عن اللامركزية الإدارية لأنّه كان عضواً في لجنة الإدارة والعدل ورئيس للجنة الداخلية والبلديات. والوزير السابق خالد قباني يعدّ من أكثر من عمل على مشروع اللامركزية على الصعيد الأكاديمي وبالتأكيد تجربة الرئيس السنيورة في الحكم لسنوات.

كذلك الحال بالنسبة للكاتب عارف العبد الذي أصدر كتاباً عن “الطائف” يعرض فيه الثغرات والمعوّقات التي منعت تطبيقه بشكل كامل، وعنوانه “لبنان والطائف: تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل”. والرئيس السنيورة ذو تجربة طويلة في إدارات الدولة من وزارة المالية إلى رئاسة الحكومة. في حين أنّ النائب السابق مصطفى علّوش لديه تجربة سياسية ونيابية وحزبية وبلدية واسعة.

بحسب المعلومات فإنّ جامعة الروح القدس ستعمل على الانفتاح على جميع الأطراف والفئات من أقصاها إلى أقصاها، وذلك لحماية المشروع من براثن الشعبوية، والحرص على إخراجه من الفئوية

ورقة عمل أوّليّة

يكشف النائب السابق سمير الجسر لـ”أساس” أنّ “النقاش تمحور حول إطار عامّ أوّليّ للمشروع طلبوا منّا إبداء ملاحظاتنا عليه، حيث أبدينا رأينا وكانت لدينا بعض الملاحظات. وننتظر تحويل ورقة العمل التي ناقشناها إلى مشروع متكامل ومنجز من كلّ النواحي القانونية والإدارية لكي يُبنى على الشيء مقتضاه”.

ويشير الجسر إلى أنّه “من الناحية العامّة لا يوجد من يعارض اللامركزية الإدارية بما هي استكمال لتطبيق ما ورد في اتفاق الطائف، علاوة على أنّ كلّ القوى السياسية أو أغلبها هي ضدّ الفدرالية أو اللامركزية السياسية”.

في المقابل يروي النائب السابق مصطفى علّوش أنّ “النقاش دار حول ورقة عمل قُدّمت إليهم كإطار عامّ لكيفية تطبيق اللامركزية الإدارية بناء على اتفاق الطائف، بهدف بحثه في إطار علمي وأكاديمي خارج إطار الاصطفافات السياسية وللوقوف على المشاكل والفوائد”. ويلفت إلى أنّ “جامعة الروح القدس ستتحاور مع كلّ القوى السياسية حول هذا المشروع. مع الإشارة إلى وجود قناعة لدى مُعدّي المشروع بأن لا إمكانية لتحقيق لامركزية موسّعة من دون وجود دولة مركزية قوية”.

بحسب المعلومات فإنّ جامعة الروح القدس ستعمل على الانفتاح على جميع الأطراف والفئات من أقصاها إلى أقصاها، وذلك لحماية المشروع من براثن الشعبوية، والحرص على إخراجه من الفئوية التي تغلب مشاريع البعض والتي تجنح نحو الأبعاد الطائفية والمذهبية، بحيث يصبح لكلّ طائفة إدارتها الذاتية.

إقرأ أيضاً: إسلاميّو عين الحلوة (2/2): “إسلاميّو” لبنان يتبرّأون منهم

فالهدف، بحسب الجامعة ومصادرها، هو تحويل مشروع اللامركزية الإدارية إلى مشروع إصلاحي يحظى بقبول وموافقة جميع أركان الطوائف والمذاهب.

وهذا الأمر ربما سيفضي إلى إضافة بنود أخرى مثل مجلس الشيوخ وإلغاء الطائفية السياسية، ولا سيما أنّ البندين الأخيرين نصّ عليهما اتفاق الطائف أيضاً، وتتمسّك بهما بعض القوى السياسية العريقة والتغييرية.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…