تتضارب المعلومات حول موقف الحزب والثنائي عموماً من الفراغ الذي يهدّد قيادة الجيش. بين تعيين قائد جديد أو التمديد للقائد الحالي جوزف عون تراوح الخيارات. لا شيء محسوم بعد. مرّة يتقدّم التمديد على التعيين وأخرى يكون العكس. بعدما اقتنع الثنائي بطرح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بأنّ التعيين أفضل من التمديد ما دام في الخيارين مخالفة، فوجئ بطلبه أن يحظى قرار التعيين بتوقيع 24 وزيراً في الحكومة، وهو ما رأى فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري محاولة للالتفاف على صلاحية رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فتراجع عن التعيين لمصلحة استمرار جوزف عون في مهامّه.
أبلغ الثنائي رئيس التيار معارضته التمديد لجوزف عون لكن لم يتبلّغ الثاني من الأول أيّ موقف جديد بعد، فماذا لو تبلّغ بتبديل موقف حليفه، أي الحزب، وتأييده التمديد لعون؟ وكيف سيكون انعكاس موقف كهذا على العلاقة بين الحزب والتيار الوطني الحرّ؟ وهل تصل العلاقة هذه المرّة إلى حدّ القطيعة بينهما؟
بعدما اقتنع الثنائي بطرح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بأنّ التعيين أفضل من التمديد ما دام في الخيارين مخالفة، فوجئ بطلبه أن يحظى قرار التعيين بتوقيع 24 وزيراً في الحكومة
جواب حاسم لسؤال افتراضي
ردّاً على سؤال اعتبرته مصادر التيار “افتراضياً” فإنّ تبدّل موقف الحزب بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون يعدّ بمنزلة كسر للقوانين والدستور وضرب الميثاق والشراكة ويهدر حقّاً من حقوق المسيحيين ويطعن مجدّداً التفاهم القائم واستراتيجية العلاقة مع التيار، وهذا ما لا يتصوّر التيار حصوله. سلوك كهذا سيضاف إلى سلسلة من الإحباطات التي تسبّب بها الحزب منذ بداية ولاية الرئيس ميشال عون وعدم مجاراة التيار في البنود الإصلاحية .
سيكون المردود سلبياً وسيكرّس تباعداً كبيراً بين الطرفين في وقت كانت أعادت حرب غزّة إلى تفاهم مار مخايل روحيّته الاستراتيجية، وكان الطرفان بدآ بتطوير الحوار بينهما ليشمل الرئاسة وملفّات أخرى .
بين الحزب والتيار مآخذ متبادلة لم تتبدّد بعد، ويكفي أنّ الثنائي لا يزال مصرّاً على دعم ترشيح سليمان فرنجية “الذي لا يحظى بأيّ شعبية تخوّله الحصول على المنصب الماروني الأول وسط معارضة مسيحية واسعة” ليكون الخلاف قائماً، فكيف إذا أيّد التمديد مع الإصرار على فرنجية؟ تقول المصادر المسؤولة في التيار: “نكون حينها فعلاً أمام مشهد سوريالي لا يمكن تخيّله بأن يهدم الحزب بإرادته بكلّ الخطوات التي تؤدّي حتماً إلى كسر العلاقة القائمة مع التيار وكسر الفريق المسيحي الوحيد الذي يقف معه في مواجهة التحدّيات التي تعترضه داخلياً وخارجياً”.
في المعلومات أنّ الحزب كان أبلغ التيار رسمياً عدم تأييده التمديد، لكن ماذا لو بدّل موقفه؟ سؤال يبقى افتراضياً ما دام التيار لم يتبلّغ عكسه بعد، لكنّ أجواء الحزب تشي بأنّ الحزب عدّل موقفه وانتقل من دفّة مسايرة باسيل إلى دفّة مسايرة برّي والحرص على عدم الخروج عن طوعه.
تطوّر كهذا ينذر بتدهور العلاقة مجدّداً بين الحليفين وانكسار الثقة بينهما نهائياً. فهل يفعلها الحزب ويصبح وحيداً فريداً من دون حليف مسيحي، ويصبح أقرب لخيار القوات، ويعود الطرفان إلى مربّع خلافهما الأوّل، وتتراكم بينهما النقاط الخلافية، ولن يقتصر الأمر على مجرّد خلاف بل يذهب إلى حدّ القطيعة؟
يعتبر الحزب أنّه أقرب إلى ما يقرّره برّي وإن كان يفضّل التعيين على التمديد. لكنّ حبل الإقتراحات على الجرّار والأوضاع لم ترسُ على قرار نهائي بعد
الحزب والمصلحة العامة
الحزب مجبر على تغيير موقفه ليس بقصد خلاف جديد مع “حليف”، بل بالنظر إلى ما تمليه عليه مصلحة المؤسسة العسكرية. تقول مصادره القريبة إنّ الحزب خلافاً لقناعته وافق على التمديد يوم شعر أنّ الاتفاق بشأنه صار منجزاً وأبلغ قائد الجيش بذلك، لكنّ اعتراض باسيل أحدث تغييراً لمصلحة التعيين ما دام الاقتراحان يحصلان في ظلّ غياب رئيس للجمهورية.
كان موقف الحزب ثابتاً منذ أن أعلن أمينه العام أنّ هذه الحكومة لن تنجز تعيينات من أيّ نوع كان، فعارض التمديد كما التعيين، وقال إنّ ما سبق أن طبّق على مديرية الأمن العام وحاكمية المصرف المركزي سيكون سارياً على قيادة الجيش، لكن لأنه لا رئيس أركان يتسلّم بالإنابة فلا يمكن ترك الجيش بلا قائد، وهو ما يستوجب البحث عن حلول أخرى.
تتابع المصادر قولها إنّ الحزب تماهى مع تعيين قائد جديد ما حظي بموافقة الغالبية ونزولاً عند رغبة برّي وميقاتي لولا أن استجدّ اقتراح باسيل التعيين بناء على توقيع 24 وزيراً في الحكومة نيابة عن رئيس الجمهورية، فغضب برّي ورأى في الخطوة ضرباً جديداً من باسيل، فتراجع عن التعيين وأبلغ الحزب بذلك، واعتبر ميقاتي حصوله من سابع المستحيلات لأنّه سيصبح كرئيس حكومة تحت رحمة الوزراء مجتمعين، وهو ما يعني انتهاء دوره وصلاحيّاته.
باسيل وأقل الشرور
المتّهم في الرواية هو باسيل الذي وافق على التعيين بشروطه رافضاً الاكتفاء بتوقيع وزير الدفاع كونه المعنيّ الأول، وعبر مرسوم جوّال، فعدّل برّي رأيه وعاد إلى مربّع التمديد، فهل حصل ذلك نزولاً عند رغبة الأميركيين أم نكاية بباسيل أم نزولاً عند رغبة المسيحيين الرافضين التعيين في ظلّ غياب رئيس الجمهورية ؟
في ظلّ هذا الجوّ يعتبر الحزب أنّه أقرب إلى ما يقرّره برّي وإن كان يفضّل التعيين على التمديد. لكنّ حبل الإقتراحات على الجرّار والأوضاع لم ترسُ على قرار نهائي بعد. بعدما كان التعيين خياراً متقدّماً لأيام خلت، تراجع من أجل التمديد وعلى قاعدة “لا حول ولا قوة” يتمايز الحزب مع برّي على حساب علاقته بالحليف المسيحي.
في ردّه على السؤال يعتبر الحزب أنّه بالموافقة على التمديد إنّما قصد تقديم مصلحة البلد على أيّ اعتبار آخر، والمهمّ ألّا تبقى المؤسسة العسكرية بلا قائد في ظروف كالتي يعيشها البلد. فإذا قبِل التيار بالتمديد كان به وإلا فالخلاف سيستمرّ على ترشيح سليمان فرنجية.
إقرأ أيضاً: الرئيس عون: “لو بقي حدّي قائد الجيش كنت عملتو رئيس”
بتقديره أنّ مقاربة الموضوع لا تتمّ من زاوية تحسين العلاقة مع التيار أو كسرها بل من زاوية استقرار المؤسسة العسكرية وأن تبقى بمنأى عن المشاكل وأن تستمرّ في أداء مهامّها في الظروف الصعبة التي تسود. “إذا توافرت القدرة على التفاهم على التعيين فليكن، لسنا أصحاب القرار وحدنا بالموضوع، وإذا لم تتوافر يبقى التمديد أهون الشرور وأصعبها”. لو كان هناك رئيس أركان لكان الموضوع أسهل، لكنّ “الوضع دقيق ونحن لا نبحث عن خلاف مع التيار ومعنيون بأفضل علاقة معه وهو حليفنا ولا نقارب التمديد من زاوية كسر التيار أو تمتين العلاقة معه، فهناك مؤسسة عسكرية والجميع معنيّ بالحفاظ عليها والبحث في كلّ المخارج ولننتظر ونرَ”. الحسم لم يحن أوانه بعد لدى الحزب والأمور قابلة للأخذ والردّ وكأنّه في ذلك يتجنّب إثارة خلاف جديد مع الحليف، ولذا يضع كلّ ما هو متداول في إطار معركة “حرق متبادلة”.
السؤال الذي أجابت عنه مصادر التيار على أساس أنّه افتراضي مرجّح أن يصبح واقعاً بالنظر إلى التطوّرات المتسارعة أو الخلافات التي ستحول دون التعيين فيحقّق قائد الجيش الحالي نصراً على باسيل فيبقى قائداً للجيش على الرغم من إرادته ويكون باسيل وحيداً في معركة جديدة لم يجد فيها حليفاً إلى جانبه. امتحان يتكرّر مجدّداً بين الحليفين فيرسبان معاً في الحفاظ على علاقة تعرّضت أسسها للخلل لكن يبقى أملها الوحيد حاجة كل واحد منهما للآخر.