لن يشارك الحزب في الحرب الدائرة حالياً بين “حماس” وبقيّة التنظيمات الفلسطينية من جهة، وإسرائيل ومن ورائها أميركا وبعض أوروبا من جهة أخرى. وما جرى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ليس سوى “تسجيل حضور” في المشهد، إعلامياً وسياسياً، لكنّه لن يتطوّر إلى عمل عسكري جدّيّ إلا في حالة واحدة.
الاحتمال الوحيد الذي سيدفع الحزب إلى التورّط في حرب كبيرة من لبنان، هو حين تتجاوز إسرائيل ما يصفه قريبون من الحزب بـ”الخطوط الحمر”. وهذه الخطوط يتلخّص احمرارها في اقتراب “حماس” من الفناء، أو في وصول معلومات إلى مركز العمليات المشتركة في طهران، بأنّ التشكيلات المقاومة على وشك أن تُمنى بالهزيمة العسكرية في الداخل الفلسطيني، الهزيمة العسكرية الكاملة وليس السياسية أو الأمنيّة أو الشعبية.
ما جرى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ليس سوى “تسجيل حضور” في المشهد، إعلامياً وسياسياً، لكنّه لن يتطوّر إلى عمل عسكري جدّيّ إلا في حالة واحدة
“الأحمر” أيضاً هو احتمال “الترانسفير” أو ترحيل أهالي غزّة إلى خارجها، أو استئصال حركات المقاومة وفصائلها بالكامل. حينها لا يكون اسمه “تدخّلاً” أو “مشاركةً” في الحرب، بل يصير اسمه “دفاعاً عن النفس” و”حرباً وجودية”، لأنّ استئصال حركة المقاومة في غزّة يعني حتماً استكمال المشهد إلى استئصال مشابه في لبنان، اليوم أو غداً. وتهجير الفلسطينيين بموافقة دولية من أرضهم في غزّة، يعني حتماً فتح الباب أمام تهجير مماثل من جنوب لبنان وربّما من مناطق حدودية أخرى اليوم أو غداً. وهذا تغيير ديمغرافي يطال الشرق الأوسط برمّته، لا غزّة أو فلسطين فقط.
كذلك فإنّ الخطّ الأحمر الذي دونه تنفيذ وعد “وحدة الساحات” ليس سوى المشارفة على “الموت”. تحالف الساحات المستجدّ سيُبقي على الدعم اللوجستي والسياسي والأمني، لكلّ حركة أو حزب أو فصيل مسلّح من أطرافه، لكنّه لن يتحوّل إلى “مشاركة عسكرية مباشرة” إلا إذا تبيّن أنّ هذا الفصيل قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الكامل. ودون ذلك ستبقى حدود لبنان آمنة، على الرغم من عدم الاستقرار النسبي والمناوشات التي ستستمرّ ما استمرّت الحرب.
فوق ذلك، يقول قريبون من الحزب إنّ المعلومات الآتية من غزّة “والنقاشات مع الفصائل المقاوِمة هناك، خلاصتها أنّها مرتاحة وأنّ القصف الإسرائيلي حتّى الآن ليس جديداً وليس خطيراً…”. وبالتالي فلا داعي للتدخّل.
أيضاً فإنّ مصادر نيابية قريبة من الحزب قالت لبعض مَن التقتهم، إنّ “الحزب لم يكن يعلم ولا علاقة له بما جرى ويجري”. هذا الكلام قيل في سياق التأكيد على أنّ جبهة الجنوب باردة، وعلى الرغم من الارتفاع المفاجىء في حرارتها، إلا أنّه “تحت السيطرة”. كذلك نفت حركة “حماس” كل ما كُتِبَ عن تنظيم اجتماعات في بيروت للتخطيط، على لسان مسؤولها علي بركة.
الخامنئي.. “وول ستريت”.. و”الحمقى”
سيصير السؤال معكوساً هنا: هل يستعدّ الإسرائيلي لمواجهة كبرى تستتبع دخول الحزب وأطراف أخرى الحرب؟
مصادر “وول ستريت جورنال” التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، ادّعت أنّ “مسؤولين أمنيّين إيرانيين ساعدوا في التخطيط للهجوم”، ونقلت عمّن سمّتهم “أعضاء كباراً في “حماس” والحزب” أنّ الإيرانيين “أعطوا الضوء الأخضر للهجوم”. لكنّ مرشد الجمهورية الإيرانية خرج ليعلن شخصياً أن لا صحّة لهذه المعلومات وأنّ ناشريها “هم أنصار النظام الصهيوني”. فأيّهما أصدَق، “المصادر” المُبهمة أم تصريح القائد الأعلى لهذا المحور؟
دور البندقية الشيعية في هذه المرحلة هو “المساندة” و”التهويل” بالحرب، ردّاً على الرسائل التي وصلت إلى الحزب في الأيام الأخيرة، تطلب منه عدم فتح جبهة الجنوب. فكان الردّ بأنّه “ليس على الحياد”
قال الخامنئي أمس كلاماً لا يمكن تجاهله: “يجب أن يكون الإنجاز فلسطينياً”، واعتبر أنّهم “لا يفهمون” أولئك الذين يقولون إنّ إيران هي التي أعطت الضوء الأخضر. وأكّد أنّ العملية فلسطينية بالكامل تخطيطاً وتنفيذاً.
في التفسير المحلّيّ لكلمة “فلسطيني”، أنّه يجب أن يكون “سنّيّاً”، وذلك ضمن الاستراتيجية الكبرى التي بدأتها إيران منذ عام تقريباً، ومرّت في معمودية المصالحة مع المملكة العربية السعودية في الصين بداية آذار الفائت، واستُكملت في لبنان بتمتين تحالفاتها ومصالحتها مع “حماس” ومع “الجماعة الإسلامية” وبتقوية حلفائها السُّنّة، مع إهمال حليفها المسيحي.
ماذا عن الشيعة؟
دور البندقية الشيعية في هذه المرحلة هو “المساندة” و”التهويل” بالحرب، ردّاً على الرسائل التي وصلت إلى الحزب في الأيام الأخيرة، تطلب منه عدم فتح جبهة الجنوب. فكان الردّ بأنّه “ليس على الحياد”.
هكذا بدأ الحزب تنفيذ عمليات إلهاء يومية، وهو سيرفع حالة التأهّب في صفوفه يومياً، و”سنشهد نشاطاً متزايداً يوماً بعد يوم على الحدود، لكن على قاعدة عدم الاستعجال، وأيضاً على قاعدة الاستعداد في الوقت نفسه”.
إقرأ أيضاً: نكسة إسرائيل: درس أخلاقي للغرب واليهود
هكذا إذاً، هي عمليات إلهاء، محدّدٌ اسمُها وواضح، وهو “نشاط متزايد” بدأ بقصف من الحزب لـ3 مواقع “داخل الأراضي اللبنانية المحتلّة” في اليوم الأوّل، ثمّ تطوّر إلى “تسلّل فلسطينيين من سرايا القدس” إلى الأراضي المحتلّة في اليوم التالي، ردّت عليه القوات الإسرائيلية بقصف مواقع للحزب أدّت إلى مقتل 4 من عناصره، وجرح آخرين، وقصف موقع للجيش اللبناني. ومعنى هذا الردّ أنّ إسرائيل لن تعترف بفلسطينيين، بل ستعتبر أيّ اعتداء من مسؤولية الحزب والدولة اللبنانية، التي كان نصيبها أمس إصابة ضابط لبناني بجروح. وسيُستكمل بعمليات إضافية ترتفع وتيرتها بشكل مدروس ودقيق وفق “ميزان الجوهرجي”.
لا حرب من لبنان… إلّا “دفاعاً عن النفس”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@