120 موقع “للقمار الإلكترونيّ” في لبنان: نشوة فانتحار!

مدة القراءة 6 د


على حافة درج منزلها الحجري القديم، تجلس سيّدة في العقد الخامس من العمر يعلو رأسها كومة من الشعر المنفوش، مسندةً خدّها إلى يديها المتشقّقتين، فتخالها تحاول أن تنفض عن ذهنها شقاء تنظيف البيوت الذي ألفته منذ سنوات لأجل إعالة أفراد أسرتها. يهون تعب العناء اليومي على تلك الأمّ العظيمة أمام الكارثة التي حلّت بها وأخرستها لأشهر طويلة عن البوح بمصيبةٍ تخجل بمفاتحة أقرب الناس بها. لقد ابتُلي ابنُها بالقمار وبات مدمناً على لعبه إلكترونياً حتى مطلع الفجر.

تنهال دموع تلك السيّدة حين تتحدّث عن فلذة كبدها العشرينيّ. فهو لم يُبقِ لها من مدّخراتها شيئاً، حتى إنّ يده، التي كانت تُقبّلها، طالت مجوهراتها التي كانت تشتريها كلّما “جمعت قرشين” من عملها الشاقّ. ترفع المرأة يديها نحو الله باكية، وتدعو له أن يرفع عنه وعن كلّ شباب جيله هذا البلاء.

تشير آخر المعلومات إلى أنّ هناك أكثر من 120 موقعاً إلكترونياً غير مرخّصة للقمار الإلكتروني في لبنان، وأنّ هذا العدد يُرجّح أن يزداد يومياً مع صعوبة تتبّع تلك المواقع من قبل الأجهزة الأمنيّة

حكاية تلك السيّدة كافية لتسليط الضوء على تلك الآفة المنتشرة بين الشباب. فقد بات القمار الإلكتروني الملاذ الأسهل لمئات الشبّان في لبنان، وصار الإدمان عليه تماماً كالإدمان على أيّ مادّة مستهلَكة، فهو يُحقّق الشعور باللّذة عند الربح ويصعب التخلّص منه في حالتَي الربح والخسارة.

تشير آخر المعلومات إلى أنّ هناك أكثر من 120 موقعاً إلكترونياً غير مرخّصة للقمار الإلكتروني في لبنان، وأنّ هذا العدد يُرجّح أن يزداد يومياً مع صعوبة تتبّع تلك المواقع من قبل الأجهزة الأمنيّة، لأنّه يسهل على مشغّليها أن يفتحوا موقعاً جديداً أو تطبيقاً كلّ دقيقة، ويمكن أن يستخدموا تقنيّة الـvpn. وفي ظلّ انعدام التشريعات التي تُنظّم أو تحدّ من عمل تلك المواقع، برز عدد من المتطوّعين الذين رفعوا الصوت عالياً من أجل التحذير من خطورة هذه الظاهرة، ومن بينهم رئيس بلدية الصرفند المهندس علي خليفة الذي بدأ بتشكيل جمعية تطوّعية قوامها عدد من الناشطين في المجتمع المدني سيتمّ إطلاقها بالتعاون مع جامعة AUCE  في تشرين الثاني المقبل.

يدقّ المهندس خليفة في حديث لـ “أساس” ناقوس الخطر من تفاقم ظاهرة القمار الإلكتروني المنتشر بين شباب تراوح أعمارهم بين 15 و35 عاماً، فيما أكثر المدمنين عليه هم بين 15 و25 عاماً، مشيراً إلى أنّ “هذه الظاهرة تنمو بشكل تصاعديّ مع سهولة اختراق أصحاب تلك المواقع لجيل الشباب الذي يهوى الربح السريع، مستخدمين الأسلوب التسويقي “حطّ 100 دولار واربح 300 ألف دولار”. ولا يخفي الريّس أنّ “الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان والبطالة تُشكّلان عاملين أساسيَّين لدفع الشباب إلى البحث عن مصادر الربح السريع، فيستغلّ المُبرمج، وهو شخص ذكيّ جدّاً، تلك الثغرة للولوج إلى عقول المقامرين، فيستدرجهم إلى ساحته ويُربحهم المال مرّة واثنتين وثلاثاً، قبل أن تبدأ الخسارة الفعلية، فيجد الشابّ نفسه مُدمناً على القمار، ويستسهل فعل أيّ شيء للحصول على المال. ولقد شهدنا سرقة أبناء لأموال ذويهم أو جواهرهم أو لأيّ شيء ثمين يُمكن بيعه”، لافتاً إلى أنّ “المُشغّل بات يُفضّل الوسيط، أي “البروكر”، الذي يُشرّج للمقامر بطريقة الـ”coins”، أو كما نُشرّج كارت “البلاي ستايشن”، ويتقاضى “كاش”، ويمكن أن يلعب المقامر من حساب الـ “بروكر” نفسه”.

لفت خليفة، وهو أحد المنتمين إلى جمعية “جاد” لمساعدة المدمنين، إلى أنّ “المواقع الإلكترونية التي تتعاطى القمار باتت شبه معروفة، إلّا أنّ هناك صعوبة في تعقّبها من قبل رجال الأمن أو مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، لأنّها تعمل بطريقة “الأونلاين”، وإذا أقفلنا موقعاً يمكن أن يُنشئ موقعاً آخر كلّ دقيقة. ومن هنا ضرورة إيجاد تشريعات تساعد القضاء والوزارات المعنيّة على الحدّ من تلك الظاهرة وملاحقة المتورّطين، مع ضرورة تسليط الضوء إعلامياً على تلك الآفة الخطيرة التي باتت منتشرة في بيوتنا وفي المقاهي الإلكترونية، وتهدّد مجتمعنا وشبابنا، خاصة مع تسجيل حالات انتحار لدى بعض المدمنين على القمار الإلكتروني”، وشدّد على “أهميّة التكامل بين الدولة والمجتمع والأهل ورجال الدين والقانون بهذا المجال”.

صالات القمار المسموح بها في لبنان تُشكّل مصدر دخل للدولة، ويتمّ فيها التدقيق في هويّة المقامر الذي يقصدها، لكنّ الأمر مختلف عند الحديث عن “القمار الإلكتروني”، حيث لا رقابة ولا ضوابط

المُدمن على القمار يُهمل عائلته

بدورها رأت الدكتورة في علم النفس الاجتماعي والمعالِجة النفسية ناديا شحرور أنّ “القمار يُحفّز نظام المكافأة في دماغ الإنسان، فيُشعره بالسعادة ويدفعه الى الإكثار من الرهانات الخطرة كالمقامرة بمئة دولار من أجل الحصول على ألف دولار مثلاً”.

عزت شحرور أسباب تفاقم تلك الظاهرة إلى الأمور التالية:

– سهولة الوصول إلى تلك اللعبة عبر الإنترنت بدلاً من التوجّه إلى الكازينو أو مراكز القمار.

– الإغراءات التي تُقدّمها تلك الألعاب.

– هي ألعاب مسلّية تجذب الأشخاص، خاصة أولئك الذين يعانون التوتّر والقلق.

– النشوة التي يشعر بها الفرد عند الرهان قبل صدور النتيجة النهائية.

– الجوّ العامّ الذي ينشأ من خلال الأصدقاء أو الأهل إذا كانوا يلعبون الميسر.

– تناول بعض العقاقير الطبّية، ومنها بعض أدوية “الباركنسون”.

– شخصيّة الفرد وحبّه للمغامرة.

أضافت أنّه “عندما تُصبح فكرة المقامرة مسيطرة على الشخص، يبدأ بالابتعاد عن الأنشطة الاجتماعية ويقلّل من واجباته العائلية ومن قضاء الوقت مع الأسرة، ويصبح الإنترنت في طليعة أولويّاته، فيُهمل أولاده وأصدقاءه غيرَ مكترث لإنفاقه الكثير من النقود أو لتراكم الديون عليه، وقد يصل به الأمر إلى ارتكاب جريمة قتل من أجل الحصول على المال”.

إقرأ أيضاً: قوانين “مواجهة” الذكاء الصناعيّ (3/3): الخليج… و”ثقافة العرب”

أشارت شحرور إلى أنّ “صالات القمار المسموح بها في لبنان تُشكّل مصدر دخل للدولة، ويتمّ فيها التدقيق في هويّة المقامر الذي يقصدها، لكنّ الأمر مختلف عند الحديث عن “القمار الإلكتروني”، حيث لا رقابة ولا ضوابط”.

شدّدت على “أهميّة مراقبة تلك المواقع من قبل الدولة التي يجب أن تكون العين الساهرة، مع ضرورة تتبّع الأهل لتصرّفات أولادهم وإفهامهم مخاطر لعب الميسر. فالمسؤولية هنا مشتركة، ومعالجة هذا النوع من الإدمان صعبة جدّاً، لذا يجب ضبطه كي لا نهدم مجتمعاً ونعيق فرص الإبداع لدى أبنائه”.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق   في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…