أرسل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان يوم الأربعاء الفائت موفداً باسمه إلى اجتماع مجلس أمناء جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية الذي انعقد لبحث تداعيات إسقاط أسماء أمّهات المؤمنين عن مدارس المقاصد والغضب الشعبي الذي أحدثه هذا الأمر.
دخل موفد المفتي دريان الاجتماع حاملاً ثلاثة مطالب:
1- إعادة الشعار القديم للجمعية الذي يحمل الآية القرآنية “وقل ربِّ زدني علماً” إلى كلّ اللافتات المعلّقة على المدارس والمؤسّسات التابعة للجمعية، مع إبقاء الشعار الجديد على المنشورات الورقية حفاظاً على عدم رمي الآية على الطرقات وفي المهملات.
2- إعادة اسم مدرسة خديجة الكبرى إلى ما كان عليه، أي كلّية خديجة الكبرى.
3- إعادة تسمية حضانة الأطفال في منطقة قصقص باسم عائشة أمّ المؤمنين الذي بُدّل باسم “ورد المقاصد”.
لم تعد قضية المقاصد محصورة بإسقاط أسماء أمّهات المؤمنين عن مدارسها ولا بيوم العطلة الأسبوعي ولا حتى بإسقاط الآية القرآنية من الشعار، بل باتت قضية المقاصد أنّ على رأسها شخصاً لا يحترم أحداً ولا يجلّ أحداً
ردّ رئيس الجمعية فيصل سنّو على موفد المفتي: “لا يمكننا القيام بذلك”، فأجابه الموفد: “هذا ليس اقتراحاً منّي، بل هذا طلب من مفتي الجمهورية”، فردّ سنّو: “اسم خديجة أخذنا قراراً بإعادته، وأمّا اسم عائشة فالأمر أصبح خلفنا، فلماذا تعودون إلى أمور قديمة انتهى النقاش حولها. أوصل سلامي للشيخ دريان”. هنا تدخّل عضو مجلس الأمناء الأستاذ محمد السماك فاتصل بالمفتي دريان لتهدئة الأمور وعدم تفاقمها، إلا أنّ فيصل سنّو أصرّ على البيان الذي صدر باسم مجلس الأمناء مقفلاً الباب أمام مطالب المفتي دريان.
جاءت هذه الرواية على لسان أمين الفتوى ورئيس المجلس الإداري لأوقاف بيروت الشيخ الدكتور أمين الكردي في أثناء إلقائه خطبة الجمعة أمس في مسجد محمد الأمين بوسط بيروت، وقد طالب فيها مجلس أمناء جمعية المقاصد بالقيام بواجبه بإقالة فيصل سنّو ونزع أيّ صفة تمثيلية عنه، إذ قال: “نطالب مجلس أمناء جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وهم مؤتمنون والمسلمون يراقبونهم، وخاصة الصادقين منهم، أن ينزعوا كلّ صفة لهذا الرجل الموجود والذي يتصدّر على رأس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية. كما أطلب من المسلمين مقاطعة أيّ نشاط لهذا الرجل لأنّه غير مؤتمن وأنصحه أن يتوب إلى الله عزّ وجلّ، ومقاطعة من يغطّيه ومن معه لأنّ مشاركتهم شرعاً أمر لا يجوز…”.
أصل الحكاية
روى الدكتور فوزي زيدان لـ”أساس” قبل فترة ما حدث له مع المفتي الشهيد حسن خالد، فقال: “قصدت المفتي خالد في دار الفتوى طالباً منه مساعدتي للتواصل مع السفير الفرنسي لمعالجة وضع أولادي وأولاد بعض المسلمين المنتسبين إلى مدرسة الليسيه الفرنسية، وكان موقعها خلف خط التماس في المنطقة الشرقية كما كانوا يسمّونها خلال الحرب”.
وأضاف زيدان: “طلب منّي المفتي أن أذهب إلى السفير وأطلب منه الأمر”، فقلت له: “وإن لم يستجب لي”، فقال المفتي حسن خالد غاضباً: “خذ عمامتي واذهب بها وسيستجيب لك”.
لم تعد قضية المقاصد محصورة بإسقاط أسماء أمّهات المؤمنين عن مدارسها ولا بيوم العطلة الأسبوعي ولا حتى بإسقاط الآية القرآنية من الشعار، بل باتت قضية المقاصد أنّ على رأسها شخصاً لا يحترم أحداً ولا يجلّ أحداً، ومستعدّاً لرفض طلب مفتي الجمهورية وأن يرمي على الأرض عمامة المفتي التي جاءت تطلب منه ثلاثة أمور لا تكلّفه شيئاً ولا تهينه بشيء ولا تنال من كرامته بشيء، فكرامة الآية القرآنية وكرامة أمّهات المؤمنين ومعهم كرامة عمامة المفتي فوق كلّ الكرامات.
القضية لم تعد قضية اسم نرسله إلى وزير التربية لنستبدله باسم آخر، ولا بيان يصدر بجمل واضحة وبجمل أخرى مستترة، بل القضية باتت قضية مصير جمعية هي أمّ الجمعيات ومدرسة للتواضع والاحترام والتقدير. أعضاء مجلس الأمناء لجمعية المقاصد الـ 24 مطالبون بموقف تاريخي يتناسب مع أسمائهم وأسماء العائلات التي يمثّلونها والتي ما عُرف عنها إلا التقدير الكبير لرموز إسلامية وللتعاليم الوطنية ولروح الاعتدال الذي تمثّله جمعية المقاصد، وما عرف عنها إلا الاعتداد بأنّ مرجعيتها هي دار الفتوى وعمامة المفتي في السرّاء والضرّاء. وأبناء هذه العائلات هم أبناء مدينة يطلقون على المفتي اسم “المفدي” مستبدلين التاء بالدال للدلالة على الفداء.
الدكتور عماد عيتاني نائب الرئيس مطالب بموقف يشبه موقف أبناء عائلته الرافضين لكلّ هذه الإرهاصات، والدكتور غالب الداعوق مطالب بموقف يشبه تاريخ آل الداعوق السياسي والإسلامي والوطني، والدكتور محمد السماك سيّد الحوار وكلّ حوار نسأله: هل يستأهل فيصل سنّو التحاور والحوار؟ وبسام برغوت الذي يكتب لنا عن قواعد الاسلام لأسبوع وينشغل بحساباته الدقيقة. كيف يقبل أن يُرفض طلب مفتي الجمهورية؟
والدكتور غالب محمصاني وأحمد منيمنة وحسن بحصلي وأديب بساتني وأنس المغربل وجمال بكداش نسألهم: ماذا تنتظرون؟ لماذا أنتم ساكتون؟ هل تخافون فيصل سنّو أم تخافون ربّ فيصل؟ أليس لعمامة المفتي من كرامة عندكم وعند عائلاتكم الكريمة التي أرادتكم أن تمثّلوها بالاسم وبالقيم داخل مجلس الأمناء؟
كيف تنظر السيّدات منى بوراشي ورولا عجوز وميسم النويري وديانا طبّارة ودالية سلام وقبلهن جميعاً السيدة مي مخزومي إلى التطاول على أمّهات المؤمنين وأنتنّ أمّهات يدركن قيمة لقب أمّهات المؤمنين.
إقرأ أيضاً: أمناء “المقاصد”: الساكت عن الحقّ؟…
دعا فيصل سنّو إلى افطار يوم الأحد المقبل في منطقة الأشرفية باسم المقاصد. كلّ عيون البيارتة ستنظر إلى هناك، وسترى الوجوه الصفر الداخلة إلى هذا الإفطار، وستسجّل أسماءها وتحفظها عن ظهر قلب، وستشير إليها بالأصابع في الشوارع والمناسبات، وسيقولون إنّ فلاناً انتصر لفيصل وخذل أمّ المؤمنين خديجة، وعلّاناً تواطأ مع فيصل وأهان أمّ المؤمنين عائشة، وذاك ساند فيصل للتطاول على عمامة المفتي. سينضمّ المشارك في ذاك الإفطار إلى اللائحة البيروتية السوداء التي سوف تُنشر وتوزَّع لمحاسبة أعضائها عند كلّ المراحل والمحطات.
هناك من سيشارك في إفطار المقاصد ليس تحدّياً لدعوة المقاطعة، بل إمّا لأنّه يخاف من فيصل أو لأنّه لا يجيد الوقوف موقف الرجال، كما الكثير من مجلس الأمناء. المقاطعة مطلوبة بداية من رئيسيّ المقاصد السابقين الرئيس تمام سلام وأمين الداعوق.
[VIDEO]
*خطبة الجمعة للشيخ حسن مرعب من مسجد علي بن أبي طالب
لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@