تُصرّ فرنسا على الإمساك بالملفّ اللبنانيّ عموماً، والرّئاسيّ خصوصاً. وقد تبدّى إصرارها في تَعداد الموفدين والمُمسكين بالملفّ اللبنانيّ خلفَ جُدران الإليزيه. ومن جاءَ إلى بيروت منهم، وصلَ تحت عنوان واحد هو “استطلاع الآراء” حول الشّخصيّة التي تحظى بقبول أكبر من مختلف الأفرقاء للوصول إلى بعبدا.
يضمّ فريق فرنسا لملفّ لبنان كُلّاً من مُستشار الرّئيس الفرنسيّ لشؤون الشّرق الأدنى باتريك دوريل، والمُستشار الرّئاسيّ إيمانويل بون، ووزير الخارجيّة الأسبق جان إيف لودريان. ويُسجّل أخيراً ابتعاد مدير وكالة الاستخبارات الفرنسيّة برنارد إيمييه عن تفاصيل الملفّ اللبنانيّ، إذ يكتفي الأخير بمُتابعة العناوين العريضة لهذا الملفّ الذي يُمسكُ بزمامه الفريق الثّلاثيّ الذي اشتغلَ على فكرةٍ واحدةٍ هي “حثّ” من التقاهم على استشعار الخطر الذي يُحيطُ بلبنان.
المسيحيّون في خطر
معلومات “أساس” في هذا السّياق أنّ مرجعيّات مسيحيّة سمِعَت في الإليزيه وبيروت كلاماً واحداً عن “خطر ديمغرافيّ” يُهدّد المسيحيين في ظلّ “الإدارة السّياسيّة المسيحيّة الحاليّة”.
في هذا السّياق قال مرجع لبنانيّ زارَ العاصمة الفرنسيّة أخيراً لـ”أساس” إنّ ملفّ لبنان برمّته ما زالَ في يدِ الإليزيه و”ليسَ صحيحاً ما يتردّد عن وجود أجنحةٍ قادرة على قلب الموقف رأساً على عقب”.
يتظهّر وجود هذه الأجنحة من خلال ما تطرحه من أفكارٍ تصلُ أحياناً إلى حدّ التّعارض. لكنّ الإليزيه المالك للقرار في الملفّ اللبنانيّ تتقدّم عنده أولويّات علاقاته الدّوليّة، خصوصاً مع المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران، الطرفيْن المُؤثّريْن والفاعليْن في لبنان والشّرق الأوسط.
ومن أولويّاته الرّئيسيّة أيضاً لبنان بوصفه فرصةً استثماريّة تبدأ من تنقيبِ واستخراج الثّروات الغازيّة والنّفطية في مياهه، ولا تنتهي عند استثمار مرفأ بيروت ثمّ طرابلس، وما بينهما من هيكلة مصرفيّة وعقود تلزيمٍ في قطاع البريد وربّما المواصلات.
معلومات “أساس” في هذا السّياق أنّ مرجعيّات مسيحيّة سمِعَت في الإليزيه وبيروت كلاماً واحداً عن “خطر ديمغرافيّ” يُهدّد المسيحيين في ظلّ الإدارة السّياسيّة المسيحيّة الحاليّة
أكّدَ المرجع اللبنانيّ بعد سلسلة لقاءاته في العاصمة الفرنسيّة أن لا جديد في الموقف الفرنسيّ بعد الجولة الأخيرة للمبعوث الفرنسيّ جان إيف لودريان إلى بيروت، وأنّ الملفّ الرّئاسيّ اللبنانيّ ما يزال يُراوح مكانه منذ اللحظة الأولى التي تبلوَر فيها ترشيح الثّنائيّ الشّيعي لسليْمان فرنجيّة.
حتّى إنّ الجلسة النيابية التي تنافسَ فيها الأخير مع وزير الماليّة الأسبق جهاد أزعور لم تُشكّل فارقاً سياسيّاً في الخارج، لأنّ أزعور دخلَ السّباق الرّئاسيّ بصفته “مُرشّح تقاطعاتٍ هجينة” ليسَ فيها ما يضمن إنتاجيّة وفعّاليّة في حال وصوله، وعدم انفضاض ناخبيه من حولِه بسبب الخلافات الجذريّة فيما بينهم.
يُقابل ذلك إصرار الثّنائي على ترشيح فرنجيّة، وإعلانه أنّ مرشّح المُعارضة “لن يصلَ إلى بعبدا”، كما قال النّائب حسن فضل الله، “إلّا بعد التّفاوض مع الحزب والحركة”، لكن من دون إعلان مُرشّحٍ وسطيّ يُمكن الاتفاق عليه.
ملفّات المنطقة تتقدّم على لبنان
ما يزيد من تأخّر الملفّ الرّئاسيّ اللبنانيّ على رادارات عواصم القرار هو انتظار خفيّ لمُفاوضات تجري قُدُماً بين إيران والولايات المُتحدة الأميركيّة في سلطنة عُمان وفي أروقة الأمم المُتحدة في نيويورك. إضافة إلى أنّ الاهتمام العربيّ بهذا الملفّ تراجع بعض الشّيء مع ارتفاع سخونة ملفّات إقليميّة واقتصاديّة، كما هو الحال في المملكة العربيّة السّعوديّة وجمهوريّة مصر العربيّة.
ينصبّ اهتمام القاهرة على الوضع الاقتصاديّ الدّاخليّ، وعلى التطوّرات الأمنيّة على الحدود مع السّودان، والنّزاع المائيّ مع إثيوبيا. أمّا الرّياض فتصبُّ جهودها باتجاه تنويع علاقاتها وتحالفاتها شرقاً وغرباً مع اهتمام بالوضع الأمنيّ الذي يُهدّد البحر الأحمر ويتمثّل في الصّراع الدّائر على الضّفة الغربيّة للبحر في السّودان.
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ لودريان يُعدّ لجولة يزور فيها العواصم المُؤثّرة في الملفّ اللبنانيّ، وذلكَ لاستطلاع حقيقة المواقف هُناك، بعد اصطدامه بـ”جدران المواقف اللبنانيّة” المُتصلّبة عند رأيها
لودريان بديلاً عن غريو؟
في معرض التّأكيد أنّ القرار النّهائيّ بشأن الملفّ الرّئاسيّ هو عندَ الإليزيه، برّرَ المرجع اللبنانيّ لـ”أساس” تعيين لودريان مبعوثاً إلى لبنان بأنّه “ملء للشغور الذي خلّفته السّفيرة آن غريو التي انتهَت مهمّتها في لبنان، ولا مجال لتعيين سفيرٍ آخر في ظلّ الفراغ الرّئاسيّ”.
بهذا المعنى تصبحُ مهمّة لودريان الإضافيّة أن يكونَ صلة وصل بين “الفريق اللبنانيّ” في الإليزيه، والقادة السّياسيين في لبنان، والمسؤولين عن الملفّ اللبنانيّ في عواصم التأثير مثل واشنطن والرّياض والدّوحة والقاهرة.
إلى ذلك تشير معلومات “أساس” إلى أنّ لودريان يُعدّ لجولة يزور فيها العواصم المُؤثّرة في الملفّ اللبنانيّ، وذلكَ لاستطلاع حقيقة المواقف هُناك، بعد اصطدامه بـ”جدران المواقف اللبنانيّة” المُتصلّبة عند رأيها، سواء من جانب الثّنائي الشّيعي أو أحزاب المُعارضة. إذ إنّ الدّبلوماسيّ الفرنسيّ المُخضرم لم يجِد مساحةً مُشتركةً يُمكن مُحاولة الانطلاق منها لـ”تدوير الزّوايا الرّئاسيّة”.
إقرأ أيضاً: لائحة فرنسا الجديدة: فرنجية وبارود وأزعور وعون
على الرّغم من كون الدّور الفرنسيّ مُعلّقاً حاليّاً جرّاء الأسباب السّابقة، تجلّت محوريّته أكثر فأكثر مع الزّيارات التي قامَ بها للعاصمة الفرنسيّة كُلّ من الوزير السّابق سليمان فرنجيّة والنّائبين جبران باسيل وسامي الجميّل والبطريرك الماروني بشارة الرّاعيّ، إضافة إلى زيارة قريبة ينوي القيام بها المُرشّح الرّئاسيّ جهاد أزعور.
هكذا استعاضَ المسؤولون اللبنانيّون عن زيارة الثّلاثيّ “دمشق – عنجَر – البوريفاج” بزيارة الثّلاثي “دوريل – بون – لودريان”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@