مهمّة لودريان مع “الدول الشريكة”: ترقّب تفاوض إيران وأميركا

مدة القراءة 7 د

انشغل لبنان بمهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، سواء لجهة الحصيلة التي انتهت إليها جولته الاستطلاعية الأولى، أو لجهة ترقّب ما سيحمله عند عودته “في القريب العاجل” كما قال.
بصرف النظر عن تفاصيل ما طرحه من أسئلة والأجوبة التي تلقّاها عن إمكان التوافق على مرشّح رئاسي “وسطيّ”، وعمّا سمعه من الفرقاء كافّة في شأن الأسماء الممكن التوافق عليها، وتسمية بعضهم لمرشّحين، وعن مواقفهم المتباينة في شأن الحوار، وعن التحذيرات التي أطلقها من أنّ الوقت أخذ ينفد لإنقاذ البلد من تحلّل المؤسّسات، يصعب توقّع ما ستؤول إليه مهمّته من دون النظر إلى ما يحيط بلبنان من حراك سياسي دبلوماسي. فاللاعب الرئيسي في أزمة الفراغ الرئاسي والمؤسّساتي التي يغرق فيها البلد، وهو الحزب، يربط حساباته الرئاسية بما يجري في الإقليم، وموقع إيران فيه أكثر من أيّ شيء آخر.

كيف “التشاور مع الدول الشريكة”؟
نقطتان أساسيّتان تضمّنهما بيان لودريان في ختام لقاءاته الجمعة الماضي، تُلقيان الضوء على ما يمكن أن يسعى إليه، مهما كانت تفاصيل مداولاته:
1- سيعمل “على تسهيل حوار بنّاء وجامع بين اللبنانيين للتوصّل إلى حلّ يكون في الوقت نفسه توافقيّاً وفعّالاً”…
2- “التشاور مع الدول الشريكة الأساسية للبنان”.

تؤكّد كلّ مصادر المعلومات المتّصلة بالجانب الأميركي أنّ قرار واشنطن هو إبقاء قوّاتها في الدولتين بحجّتين: الأولى محاربة “داعش”، والثانية مستجدّة وهي مكافحة تهريب الكبتاغون

من نافل القول أنّ ترتيب حوار بين الفرقاء اللبنانيين يحتاج إلى رعاية خارجية، في وقت يسود الاعتقاد بأنّ لبنان سيبقى معلّقاً على نتائج ما سترسو عليه المعادلة الإقليمية ولم يعُد مرهوناً باتفاق فرقائه الداخليين، المتعذّر، وفق ما برهنته الجلسة النيابية الثانية عشرة لانتخاب الرئيس، وتفاعلاتها. وتقصد إشارة لودريان إلى “التشاور مع الدول الشريكة للبنان” إيران بالطبع، إضافة إلى الخماسيّة المعنيّة بالشأن اللبناني، التي تضمّ إلى فرنسا أميركا، السعودية، مصر وقطر، أو بعضها على الأقلّ. فحين اجتمعت الدول الخمس في 6 شباط الماضي، كان السؤال الذي طُرح في حينها: كيف يمكن لهذه الدول البحث عن حلول لأزمة لبنان فيما إيران غائبة عن هذه الطاولة؟ والمساعي التي تولّتها فرنسا مع طهران من دون نتائج إيجابية دفعت الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الطلب من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن تسعى الرياض لدى طهران لتسهيل انتخاب الرئيس اللبناني، في إطار ترجمة التقارب بين الدولتين إلى خطوات عملية. وفي مقابل ذلك كرّر العارفون بنهج التفكير الإيراني القول إنّ أيّ جهد إيجابي يمكن أن تبذله طهران في حلّ الأزمة اللبنانية لن يتمّ إلا في إطار التفاوض مع أميركا لأنّها تحتفظ بورقة الرئاسة اللبنانية لاستخدامها في سياق البازار الإقليمي بينها وبين واشنطن، وليس في إطار علاقتها مع فرنسا الخاضعة للتذبذب.

تأثير مسارَيْ تفاوض أميركا مع إيران وسوريا
ثمّة من يقول إنّ موقع لبنان في الإقليم سيتحدّد بعد تحديد موقع سوريا في التسويات التي انطلقت في آذار الماضي مع الاتفاق السعودي الإيراني، الذي يبدو أنّ تطوّر الاتفاقات التي يفترض أن يستولدها بطيء. ويدعو المتابعون لهذا الاتفاق إلى تركيز الأنظار على مسارين آخرين سيتأثّر بهما حتماً امتداد التطبيع الإيراني السعودي على الصعيد الإقليمي، الذي سيواجه مطبّات عديدة:
1- مسار المفاوضات الأميركية الإيرانية في عُمان المتواصل منذ شهرين، والذي أحدث تقدّماً مهمّاً، خصوصاً أنّه مباشر ووجهاً لوجه ولم يعد غير مباشر كما كانت الحال في فيينا السنة الماضية. ويبدو أنّ طهران أخذت في الاعتبار النصيحة التي أُسديت لها، ومفادها أنّها إذا كانت تتوخّى نتائج من التفاوض فإنّ الصيغة غير المباشرة غير مستحبّة عند الجانب الأميركي، ولا يفيد التعامل معه بطريقة متعالية.
2- مسار التفاوض الأميركي السوري الذي أخذ يتكثّف أيضاً منذ ستة أسابيع في العاصمة العُمانية. وهو متفرّع من المفاوضات الأميركية الإيرانية، إذ تقول الأوساط المطّلعة عينها إنّ طهران هي التي تتولّى التشجيع على فتح خطوط تواصل بين بعض الدول وبين دمشق. وهي نصحت المفاوضين الأميركيين بذلك، مثلما سبق أن فعلت مع السعودية حين شجّعتها على تسريع التطبيع مع نظام بشار الأسد.
تقول رواية أوساط مطّلعة على جانب ممّا يجري في عُمان إنّ التفاوض الأميركي الإيراني قطع شوطاً ويقوم على إحياء الاتفاق النووي على أساس تجميد طهران تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وتخزين الكميّة المخصبة بنسبة 83.6 في المئة في مكان يُتّفق عليه، مع الإفراج عن معتقلين أميركيين في إيران ومعتقلين إيرانيين في أميركا.

تشير الأوساط نفسها إلى أنّ التفاوض يجري على سلّة متكاملة تشمل الوضع الإقليمي وسوريا والعراق ولبنان، وإن كانت المعطيات في هذا الصدد غير متوافرة، وتبقى طيّ الكتمان الشديد

سلّة متكاملة مع إيران… وعقبتان
تشير الأوساط نفسها إلى أنّ التفاوض يجري على سلّة متكاملة تشمل الوضع الإقليمي وسوريا والعراق ولبنان، وإن كانت المعطيات في هذا الصدد غير متوافرة، وتبقى طيّ الكتمان الشديد. إلا أنّ هذه الأوساط تلفت إلى النقاط البارزة التي تحول دون التوصّل إلى نتائج عملية وتطبيقية في هذه المفاوضات حتى أيام قليلة ماضية، ويمكن ذكر الآتي:
3- طرح الجانب الأميركي مسألة انحياز طهران لروسيا في الحرب في أوكرانيا، ومواصلتها تزويد موسكو بالمسيّرات التي تستخدمها في قصف البنية التحتية الأوكرانية، وتعطّل حركة الجيش الأوكراني، وتستهدف مستودعات الذخيرة والأسلحة التي تزوّد بها دول أوروبا وأميركا أوكرانيا. هذا علاوة على تزويد موسكو بصواريخ كروز المعدّلة، وبناء مصنع للمسيّرات في روسيا… ولم يعرف ماذا كان الموقف الإيراني من إثارة المفاوض الأميركي لهذه النقاط، لكنّ واشنطن تعطي أولوية في علاقاتها مع الدول لمسألة مدى قربها أو ابتعادها عن موسكو فلاديمير بوتين، في المواجهة المفتوحة معه. وهي تسعى إلى تحييد بعض الدول إذا تعذّر عليها إقناعها بالاصطفاف إلى جانبها. وهو ما تعمل عليه بالعلاقة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في سياق السعي إلى عزل روسيا دوليّاً، مقابل محدوديّة فعّالية الهجوم المضادّ للجيش الأوكراني على المناطق التي احتلّها الروس.

ضمانات للوجود الأميركيّ في سوريا والعراق

مع المستجدّات الروسية الأخيرة بات السؤال: هل تكون لطهران حسابات مختلفة إثر اتّضاح آثار تمرّد قوات فاغنر على المؤسّسة العسكرية الروسية؟
4- تريد واشنطن ضمانات من طهران بعدم تعرّض قوّاتها الموجودة في كلّ من سوريا والعراق لضربات الميليشيات التي تأتمر بأوامر “الحرس الثوري” الإيراني. وسبق لـ”واشنطن بوست” أن نشرت تقريراً قبل أسبوعين عن استعداد طهران لاستهداف القوات الأميركية الموجودة في شمال شرق سوريا عبر أذرعها في بلاد الشام.
تؤكّد كلّ مصادر المعلومات المتّصلة بالجانب الأميركي أنّ قرار واشنطن هو إبقاء قوّاتها في الدولتين بحجّتين: الأولى محاربة “داعش”، والثانية مستجدّة وهي مكافحة تهريب الكبتاغون. ولذا تسعى إلى مبادلة التخفيف من العقوبات الأميركية بهذه الضمانات.

إقرأ أيضاً: لودريان لماكرون: C’est Beyrouth

ارتقاء مستوى التفاوض مع دمشق
أمّا مسار التفاوض الأميركي السوري فتكمن أهميّته في أنّه بدأ على المستوى الأمنيّ للبحث في الجهود المبذولة لمعرفة مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في ضواحي دمشق عام 2012، والإفراج عنه، ثمّ ارتقى إلى تفاوض على المستويين الدبلوماسي والسياسي في الأسابيع الستّة الماضية، وهو أمر كان نظام الأسد يصرّ عليه في اتصالات القنوات الخلفيّة التي تولّتها عُمان وبغداد، وذلك مقابل حاجة الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى الحصول على نتائج في هذا الصدد لتوظيفها في الانتخابات الرئاسية. ويتكثّف التفاوض في شكل دوري، وإضافة إلى قضية تايس يتناول عناوين سياسية عديدة تتعلّق بالحلّ السياسي في سوريا، من دون أن ترشح معلومات واضحة في هذا الصدد. لكنّ مسار التفاوض بين واشنطن ودمشق مرهون حتماً بنجاح التفاوض الأميركي مع طهران. إلا أنّ مسارَيْ التفاوض هذين لا بدّ أن ينعكسا على لبنان، واستطراداً على احتمال التفاهم الدولي الإقليمي على المعالجات لأزمة الرئاسة فيه.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…