من الصعب أن تكون وزيراً سنّيّاً في الحكومة الحالية. فهي حكومة وُلدت من رحم الأزمة والسقوط المالي والانهيار السياسي. جاءت بعد عهدٍ طويلٍ من الاعتداء على صلاحيّات رئاستها، ومن الصراع والخزعبلات الدستورية التي هبطت من بعبدا على السراي في وسط بيروت. وجاءت بعد ثورة 17 تشرين، وحكومة حسان دياب التي سرّعت الانهيار. وجاءت بعد تأكّد اللبنانيين أن لا “أمّ حنونة” ترعاهم، ولا أحد في العالم يضعهم في الحسبان. وأيضاً بعد تعليق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عمله السياسي، واختيار أبرز وجوه الطائفة السنّية عدم الترشّح إلى الانتخابات النيابية في 2022، تاركين الساحة لـ”الثوّار” و”الشباب”… وصولاً إلى انعدام الوزن السنّيّ في الفضاء السياسي اللبناني العامّ.
من هنا ندخل إلى توزير ناصر ياسين، وزير البيئة، الذي جاء عبر لوائح “الجامعة الأميركية في بيروت”. تلك التي اقترحت الكثير من الأسماء، وأخذ منها الحريري اسم ياسين، قبل أن يرث الاسم ميقاتي.
من الصعب أن تكون وزيراً سنّيّاً في الحكومة الحالية. فهي حكومة وُلدت من رحم الأزمة والسقوط المالي والانهيار السياسي
تجربته السياسية الأعمق هي كونه على رأس “مرصد إدارة الأزمات” في الجامعة الأميركيّة في بيروت. وهي التي جعلت اسمه ينتقل من تشكيلة حريريّة موعودة إلى تشكيلة ميقاتي المستمرّة، علماً أنّه لم يلتقِ أيّاً منهما سابقاً، ما عدا لقاءً يتيماً جمعه مع الحريري قبل الثّورة عند التحضير لمؤتمر سيدر، وآخر جمعه بالرئيس ميقاتي قبل توزيره.
في مكاتب “أساس”
في أثناء زيارته مكاتب “أساس”، حيث التقى عدداً من أعضاء هيئة التحرير، لم يكن ممكناً البدء إلا من رئاسة الحكومة وصلاحيّاتها. فهو يؤكّد: “كانت لنا مواقف في كثيرٍ من الجلسات بهدف حماية الموقع وصلاحيّاته، بغضّ النظر عمّن يكون اسم الرّئيس”. لكنّه يعتبر “من غير المنصف أن تتحمّل رئاسة الوزراء وزرَ الآخرين، بل ينبغي أن يكونَ التّوازن محفوظاً ومصوناً من أجل استمراريّة العمل وحماية الدّستور”.
لا يستعمل ياسين لغة “عدائية” اتجاه أيّ طرف: “لم أدخل بسرديّة الخطاب الطّائفيّ والمذهبيّ. موقفي هذا مُنبثق من قناعة دستوريّة”. وهو فوق هذا فخور بتجربة الحكومة، التي يعتبر أنّها وضعت أسس الحلّ، وأنّ الطّريق صار واضحاً على الرّغم من الأزمة: لن يعودَ الوضع كما كان قبل عام 2020، وهذه حقيقة على الجميع أن يعلمها ويعترف بها.
يفتخر بأنّ إجراء الانتخابات النّيابيّة في موعدها على الرغم من الظّروف هو إنجاز، وكذلك الانفتاح الجزئي على المجتمعَيْن العربيّ والدّوليّ، والمحاولات التي يقوم بها الرّئيس ميقاتي كثيرة في هذا الموضوع.
ماذا عن السُّنّة ومناطقهم؟
يفضّل ياسين الحديث عن كلّ اللبنانيين، لكنّ هناك مناطق منكوبة في لبنان أكثر من غيرها: “للأسف، إن خضنا في المناطق الأكثر حرماناً، نجدُ أنّها عكّار وطرابلس والضنية والبقاع والبقاع الشّماليّ وإقليم الخرّوب والعرقوب، وأخيراً بدأت مدينة صيدا بالانضمام إلى اللائحة. ويغيب الحراك المُجتمعي الفاعل في هذه المناطق، وهي تبدو متروكة”.
هكذا ندخل إلى السياسة من باب الإنماء، وهو يشبه “بورتريه” هذا الوزير، ومنبته المدني والتعليمي. تكمُن المشكلة، بنظره، في غياب القيادة السّياسيّة في هذه المناطق، وفي غياب من يتابع ملفّاتها واحتياجاتها التّنمويّة. في طرابلس مثلاً، لا أحد يُتابع ملفّ الصّرف الصّحيّ أو النّفايات أو محارق الدّواليب ونهر “أبو علي”. الكلّ ينتقِد ولا يُبادر.
بحسب الأرقام، تُنتجُ بيروت حوالي 400 طن من النّفايات يوميّاً. تهدف الخطّة إلى فرز 10% من هذه الكميّة في المراكز الجديدة، وهو ما سيسمح بفرز أوّليّ وفرز ثانٍ للنّفايات، وبعدها يبقى 30% أو 40% من النّفايات التي تذهب إلى المطمر الصّحيّ
يكشف أنّه حاول أخيراً العمل في هذه المناطق مع مُفتيها وناشطين واكاديميين، ويأمل أن ينطلق العمل من أجل تحسين الوضع هُناك عبر صناديق الأوقاف، وأن يتمكّن مُفتو المناطق من تعبئة الفراغ السّياسيّ، خصوصاً أنّ كثيراً من رؤساء البلديّات استقالوا أو اعتكفوا عن العمل.
بيروت: غياب المجلس البلديّ
نصل إلى العاصمة بيروت التي لا تقلّ حرماناً على ما يبدو: “هناك غياب كلّيّ على المستوى البلدي للمدينة، فلا أحد يريد أن يتحرّك. وحدها بعض الجمعيّات تُحاول أن تحدث فارقاً”.
بحسب تجربته الحديثة: دائماً ما تكون الحجّة غياب الموارد الماليّة. وصندوق البلدية كان يجمع ما يقارب مليار دولار قبل الأزمة، لكنّ قيمة العائدات تبخّرت بعدها. كان الجميع ينظر إلى بلديّة بيروت كـ”البقرة الحلوب” وتخلّوا عنها بعدما جفّ حليبها.
يعطي مثالاً حديقة المفتي حسن خالد، التي يلتزم مُتعهّد تأهيلها لكن نفد ما لديه من مال المشروع، فتوقّف عن العمل وتحوّلت الحديقة إلى ملجأٍ لمتعاطي المُخدّرات وأمور أخرى لا تليق بالاسم ولا بالمنطقة. نُحاول قدر الإمكان أن نُعالج ملفّ الحديقة وتفعيله بالحدّ الأدنى. أما بالنّسبة للحدائق الأخرى فلا نجد صعوبة في حمايتها، إذ يولي المُحافظ أهميّة لها ولحرش بيروت، ويُعتَبَر الوضع مقبولاً حتّى الآن.
مطمر النّاعمة سيعود؟
نصل إلى ملفّ النفايات، التي يتخوّف البعض من عودتها إلى شواع العاصمة، ولأنّ هذا الملفّ هو الأكثر إثارة للجدل في وزارة البيئة. يقول ياسين إنّه يُحاول أن يجدَ حلولاً جذريّة، ويكشف أنّه سينشأ 10 مراكز لجمع المفروزات في بيروت، لقاء بدل ماليّ للمواطنين الذين يُسلّمون البلاستيك والكرتون وبعض الموادّ الأخرى، وذلك بمنحة من البنك الدولي بلغت نصف مليون دولار، ويعمل على زيادة المراكز لتغطي كلّ الأحياء والمناطق في العاصمة، وتعميمها على مدن ومناطق أخرى لاحقاً: “نعمل مع البنك الدولي ونحاول إقرار تشريعات جديدة في هذا الخصوص. لكنّنا في حال لم نجِد حلّاً لقضيّة مطمر “الجديدة” قبل نهاية العام، فقد نواجه أزمة نفايات جديدة”. وهو أوجد حلّاً مع الشّركات الموكل إليها رفع النّفايات في بيروت والمناطق: “واستطعنا أن نحلّ مسألة الدّفع لها عبر مُعادلة جديدة تأخذ بعين الاعتبار ارتفاع سعر صرف الدّولار وارتفاع الكلفة التشغيليّة على الشّركات، وفي الوقت عينه لا تُكبّدُ الدّولة ما كانت تدفعه في السّابق”.
بحسب الأرقام، تُنتجُ بيروت حوالي 400 طن من النّفايات يوميّاً. تهدف الخطّة إلى فرز 10% من هذه الكميّة في المراكز الجديدة، وهو ما سيسمح بفرز أوّليّ وفرز ثانٍ للنّفايات، وبعدها يبقى 30% أو 40% من النّفايات التي تذهب إلى المطمر الصّحيّ.
إقرأ أيضاً: سفير روسيا لـ”أساس”: “نواجه أميركا”… وإسرائيل؟
يرى أنّ مطمر النّاعمة من أهمّ المطامر إذا أٌحسِنت إدارته، ويجد أنّ كلّ ما أثيرَ عنه شعبويّ، فهو يستطيع أن يطمر نفايات بيروت وجبل لبنان لعدد من السنوات المقبلة، اذا تمت ادارته بشكل جيد وامن الكهرباء للمحيط. في الوقت نفسه، لن يستمرّ مطمر “الكوستابرافا” طويلاً قبل أن يصل إلى قدرته الاستيعابيّة القصوى.
في الختام، يجيب عن أسئلتنا عن الهزّة الأرضيّة التي ضربَت مدينة زحلة قبل أسبوعيْن. يترك الأمر للأجهزة الأمنيّة التي تُتابع التحقيق. لكنّه يركّز على الأثر البيئي والمياه الجوفيّة كاشفاً أنّ بعض أصحاب الكسّارات يعمدون من وقت لآخر إلى تفجير أنفاق في الجبال باستخدام نيترات الأمونيوم من أجل بيع الصّخور. وقد أصدرتُ مئات القرارات لإيقاف هذه المخاطر، لكنّ المشكلة تكمن في أجهزة إنفاذ القانون. وهو يقصد الأجهزة الأمنيّة التي ربّما يتواطأ بعض عناصرها مع المرتكبين من خلال تسهيل هذه الجريمة البيئية.