الكويت: هل تطيح “غزّة” بالحكومة؟

2023-11-12

الكويت: هل تطيح “غزّة” بالحكومة؟


منذ الخطاب الأخير لوليّ عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، قبل نحو أسبوعين، الذي وجّه انتقادات “معهودة” للسلطة التشريعية، و”غير مسبوقة” للسلطة التنفيذية، يموج المشهد السياسي الكويتي في خضمّ تقلّبات جعلته ضبابياً وعصيّاً على توقّع نتائجه، وإنْ كان الجميع يتحدّث صراحة أو مواربة عن “أزمة” سياسية قد تعصف بالاستقرار.

بعدما تحدّث الشيخ مشعل عن عمل الحكومة المشوب بـ”التردّد في اتخاذ القرارات” و”البطء في التنفيذ”، فهِمَ كثيرون أنّها قاب قوسين من الرحيل، وأنّ مجلس الأمّة سائر على دربها، ولو بعد حين.

استناداً إلى ذلك، بدأ الحديث في الكواليس والدواوين عن رئيس الحكومة الجديد وما إذا كان سيُعاد تكليف رئيس الحكومة الحالية الشيخ أحمد النواف بتشكيل حكومة خامسة، أم سيتمّ تكليف شخصية جديدة، مع ما لذلك من تبعات قصيرة وطويلة الأمد على المشهد السياسي.

منذ الخطاب الأخير لوليّ عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، قبل نحو أسبوعين، يموج المشهد السياسي الكويتي في خضمّ تقلّبات جعلته ضبابياً وعصيّاً على توقّع نتائجه

هذا وشرّع نواب حاليون وسابقون أبواب ديوانيّاتهم للمواطنين في مناطقهم الانتخابية، ووصل الأمر إلى أنّ بعضاً منهم تواصل مع مفاتيح انتخابية وعناصر الفرق الإعلامية، استعداداً لانتخابات مبكرة ضرَبَ البعض مواعيد لها خلال أشهر قليلة.

هذا الأمر ليس غريباً على الكويت، إذ إنّ النائب يُنتخب نظرياً لأربع سنوات، لكنّه عملياً يتصرّف منذ اليوم الأول وكأنّ الانتخابات حاصلة غداً، لأنّ من النادر أن يُكمل البرلمان ولايته المحدّدة بأربع سنوات نتيجة الصراعات المتتالية.

خرق الهدوء الحذر

لا مصلحة لأيّ من الحكومة ومجلس الأمة بمغادرة المشهد، لذا أدارا المُحرّكات، وعقدا سلسلة اجتماعات مكثّفة، بهدف سحب فتائل التفجير، وهو ما نجحا فيه جزئياً، من خلال إرضاء بعض النواب الذين كانوا يلوّحون بمساءلة عدد من الوزراء.

أفضى ذلك إلى اتفاق الحكومة والبرلمان على خارطة طريق تشريعية، تشمل جميع القوانين والملفّات التي ستُطرح أو ستُقرّ في مجلس الأمّة، اعتباراً من منتصف هذا الشهر حتى نهاية شهر حزيران 2024، قبل العطلة الصيفية.

بدا المشهد، إثر هذا الحراك المُكثّف، مائلاً نحو الهدوء الحذر، قبل أن يخرقه إعلان النائب مهلهل المضف تقديم استجواب لرئيس الوزراء، الذي وصفه بأنّه “ليس رجل دولة يقوم بدوره على أكمل وجه”، واعتبر أنّ حكومته “الأسوأ في تاريخ الكويت، وضعيفة وهشّة لدرجة أنّ الوزراء يتساقطون من دون الصعود إلى منصّة الاستجواب”، وانتقد وجوده خارج البلاد في إجازة لأكثر من شهر ونصف شهر فيما كانت الأحداث الإقليمية تتوالى، من حكم القضاء العراقي بخصوص خور عبدالله، مروراً بأزمة حقل الدرّة مع إيران، ووصولاً إلى حرب غزّة، وهو ما جعل “دور الكويت مُغيّباً على الساحة الدولية”، وفق تعبير النائب.

الاستجوابات بوّابة سقوط الحكومات

تاريخياً، أدّت استجوابات رؤساء الوزراء إلى سقوط الحكومات في غالبية الأحيان، إذ من النادر أن يقف رئيس حكومة على المنصّة ويواجه استجواباً مُقدّماً إليه من أحد النواب، لاعتبارات متنوّعة، غالبيّتها معنوية – سياسية.

نظرياً، يمتلك رئيس الوزراء الحالي 4 خيارات في مواجهة استجوابه:

1- أن يطلب تحويله إلى اللجنة التشريعية النيابية للنظر في دستوريّته، وهو خيار يبدو صعباً لأنّ قسماً كبيراً من النواب يرفضه.

2- أن يطلب تحويله إلى المحكمة الدستورية للنظر في الأمر عينه، وهو أيضاً ما يبدو مستبعداً.

3- أن يصعد إلى المنصّة ويواجه الاستجواب، وهو خيار محفوف بالمخاطر، لأنّه بنهاية المساءلة يمكن لـ10 نواب أن يرفعوا كتاب طرح ثقة به (كتاب عدم التعاون)، وهو ما سيؤدّي إلى إقالته في حال وافق على الطرح نصف أعضاء مجلس الأمّة.

4- أن يواجه الاستجواب، لكن في جلسة سرّية، وهو خيار صعب جدّاً، لأنّ كثيراً من النواب سيواجهون غضباً في قواعدهم الانتخابية إذا وافقوا على هذا الطرح الذي يحتاج إلى تصويت في المجلس.

بعدما تحدّث الشيخ مشعل عن عمل الحكومة المشوب بـ”التردّد في اتخاذ القرارات” و”البطء في التنفيذ”، فهِمَ كثيرون أنّها قاب قوسين من الرحيل، وأنّ مجلس الأمّة سائر على دربها، ولو بعد حين

منذ تولّيه رئاسة أوّل حكومة في آب 2022، قبل نحو عام ونصف عام، اختار الشيخ أحمد النواف الانكفاء وعدم مواجهة النواب، لدرجة أنّه لا يردّ على أسئلتهم المكتوبة باعتبار أنّها غير دستورية، وهو أحد المآخذ عليه التي ساقها النائب المضف في استجوابه.

لكنّ رئيس الوزراء مضطرّ حالياً إلى “كشف أوراقه” وتحديد “قواعد اللعبة” في كيفية تعامله مع النواب ومواجهته البعض منهم.

ما يملكه نظرياً في الوقت الحالي من دون مخاطرة هو طلب تأجيل الاستجواب لأسبوعين، وهو ما يعني أنّ الحسم سيكون عملياً بعد نحو شهر من الآن، لأنّ الاستجواب سيُدرج في جلسة البرلمان المقرّرة في 28 تشرين الثاني الحالي، ويمكن تأجيله إلى 12 كانون الأول المقبل، وهو التاريخ الذي يرجّح كثيرون أن تستقيل الحكومة قبل حلوله، بتبعية استقالة رئيسها.

التكلفة الباهظة

صحيح أنّ النائب الذي قدّم الاستجواب ليس محسوباً على أيّ طرف سياسي ولا يمتلك كتلة نيابية مؤيّدة، وليس مُقرّباً من الشيخ أحمد الفهد النائب الحالي لرئيس الحكومة الذي “يمون” على كتلة كبيرة من النواب لا تقلّ عن 20، بيد أنّه في الوقت نفسه من الشخصيات المرموقة في الساحة السياسية وحلّ أوّلاً في دائرته بالانتخابات الأخيرة، حاصداً أعلى الأصوات، ومتقدّماً على رئيس مجلس الأمّة “الرمز” أحمد السعدون، بكلّ ما يملك من إرث وطني ومسيرة سياسية حافلة.

لن يكون سهلاً على أيّ نائب الجهر بدعم رئيس الحكومة لأنّ مثل تلك الخطوة لها ارتدادات سلبية آنيّة ومستقبلية، وهي غير شعبية، وغالباً ما أدّت إلى سقوط كثير من النواب في الانتخابات.

بالتالي يعلم النواب التكلفة الباهظة لدعم الحكومة، خاصة أنّ المؤشّرات تفيد بأنّها غير قادرة على تلبية متطلّباتهم “الشعبية” و”الشعبوية”، وفي مقدَّمها زيادة رواتب المواطنين.

أزمة سيولة

في الجولة الأخيرة من المفاوضات الحكومية – النيابية، تمّ الاتفاق على خارطة تشريعات للسير بها، لكنّ ما تمّ التوافق عليه هو طرح الملفّات لا إقرارها، بمعنى أنّ الحكومة لن تعارض مناقشة أيّ ملفّ يريده النواب وحتى عرضه للتصويت، لكن لا يوجد أيّ ضمانة بإقراره، خاصة في ما يتعلّق بالتكاليف المالية، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير المالية فهد الجارالله الخميس الماضي بإعلانه أنّ الحكومة وافقت على زيادة معاشات شريحة محدّدة من المتقاعدين، لكن لا يمكنها السير حالياً بالزيادات الأخرى لأنّها تواجه “أزمة سيولة” تعمل على حلّها مع “إعادة هيكلة الاحتياطي العام”.

على الرغم من طمأنته إلى أنّ الحالة الاقتصادية للكويت “متينة”، ربط الوزير ضمناً أيّ زيادة في النفقات بتعزيز الإيرادات عبر “تحقيق بعض الوفورات ووقف مكامن الهدر في بعض بنود الصرف وتعزيز الإيرادات غير النفطية” لضمان “عدم الإخلال في الاستدامة المالية للدولة”.

يعني كلام الوزير أنّ الحكومة تربط الموافقة على زيادة الرواتب وغلاء المعيشة، وأيّ مطالبات مالية أخرى، بخطوات مُقابلة، في مقدّمها فرض ضرائب على بعض السلع، وهو إجراء غير شعبي لا يناسب النواب بتاتاً.

إقرأ أيضاً: حكومة وبرلمان الكويت على أبواب الرحيل

3 فرضيّات

بذلك، يبدو الوضع السياسي في الكويت غير قابل للاستقرار في المرحلة الحالية، مع تضارب الرؤى بين السلطتين، وصعوبة اجتراح حلول عاجلة، وهو ما يرجّح فرضية رحيل الحكومة وتشكيل أخرى، بما يؤدّي إلى كسب الوقت وخلط الأوراق.

في المحصّلة، تراوح الفرضيات بين ثلاث:

– الأولى: أن ينجو رئيس الوزراء ويتابع العمل، إمّا بوأد الاستجواب أو مواجهته والظفر بثقة النواب.

– الثانية: أن يُعطى رئيس الوزراء الحالي فرصة لتشكيل حكومة خامسة بموازين مختلفة.

– الثالثة: أن يتمّ تكليف شخصية أخرى برئاسة الحكومة، مع ارتفاع أسهم النائب الأول الحالي لرئيس الوزراء الشيخ طلال الخالد الذي يُطلق عليه لقب “وزير الشعب”.

مواضيع ذات صلة

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…

ما حدود التّفويض الذي منحه السّيّد لبرّي؟

أكثر فأكثر تتراكم علامات الاستفهام حول موقف الحزب الحقيقي ممّا يجري في كواليس المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 على خطّ بيروت-واشنطن-تل أبيب…

أوكرانيا تجنّد الجهاديّين الذين يحاربهم الغرب وأميركا!!

تستغلّ أوكرانيا انشغال العالم بالنزاع المتدحرج في الشرق الأوسط نحو حرب مفتوحة للتوسّع في سياسات تجنيد تتّسم بالخطورة على الأمن القومي الأوروبي، وذلك بهدف تعويض…

واشنطن وبرّي.. يحميان المطار؟

أصدر لبنان إشعاراً جوّياً (NOTAM) يتعلّق بعمليات هبوط الطائرات المدنية والعسكرية في مطار رفيق الحريري الدولي، يطلب من جميع شركات الطيران الأجنبية إعادة التقدّم بطلب…