لبنان ضائع بين انطباعات ميقاتي وتكهّنات “السين سين”

مدة القراءة 8 د

تلاطمت المسرح السياسي اللبناني خلال هذا الأسبوع وقائع كثيرة، يتعاكس بعضها فيما يتكامل بعضها الآخر، وهي تتعلّق بموقع لبنان وأزمة الفراغ الرئاسي فيه من الاهتمام في خريطة المستجدّات العربية والدولية والمحلّية.

يفيد تقاطع المعطيات وفق التدقيق الذي أجرته “أساس” مع مصادر متعدّدة بما يأتي:

ما نقله ميقاتي من جدّة: فرنجيّة ماشي

أولى هذه الوقائع ما سمعه بعض من التقوا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إثر عودته الأحد الماضي من جدّة، حيث رأَس الوفد اللبناني إلى القمّة العربية، عن مدى الاهتمام العربي، ولا سيما السعودي، بجهود مساعدة اللبنانيين على إنهاء الفراغ الرئاسي، وعلى نهوضه من وضعه المتردّي. وتوزّع ما نُقل عن ميقاتي، كما فهمه بعض الفرقاء السياسيين الذين سمعوا منه المعطيات التي عاد بها، على موجات متعدّدة:

– رئيس الحكومة عاد بانطباع بأنّ الجانب السعودي بات يؤيّد وصول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة، وأنّ الأمور تسير في هذا الاتجاه، وأنّ هناك ترتيبات تجري لهذا الغرض تحتاج إلى بعض الوقت، وأنّ الجانب السعودي دعا إلى ترقّب عودة السفير السعودي وليد بخاري إلى بيروت في هذا السياق. بلغ هذا الانطباع بعض الفرقاء المؤيّدين لخيار فرنجية، وتحديداً “الثنائي الشيعي”، الذي رأى أحد قياديّيه أنّ النفحة التفاؤليّة فيه، على أهميّتها، تتطلّب التدقيق “لأنّ في حوزتنا كلاماً آخر ونحرص على مقارنة المعطيات”. وتقاطعت مصادر متعدّدة على القول لـ”أساس” إنّ انطباع ميقاتي هذا تبلّغت به أيضاً الدبلوماسية الأميركية المتابعة للشأن الرئاسي اللبناني. فرئيس الحكومة أطلع جهات عدّة على ما حمله من جدّة، وقال للبعض إنّه سيكون هناك رئيس في الأسبوعين المقبلين.

مصدر قيادي في فريق “الممانعة” أبلغ “أساس” أنّ هناك دلائل على هذا التوجّه، لكن يفترض التأكّد من تحوُّله إلى واقع عمليّ، والأمر يحتاج إلى بعض الوقت كي يتبلور

اجتماع لجنة لبنان… والاهتمام بعد اليمن وسوريا؟

– ميقاتي أبلغ جهات لبنانية أنّه فهم من الجانب السعودي، بعدما حدّثه عن إلحاحيّة إنهاء الفراغ الرئاسي وحاجة لبنان إلى الاهتمام بأزمته، بأنّ الرياض ستولي الأزمة اللبنانية عنايتها بعد مدّة، لأنّها تركّز حاليّاً على الوضع في اليمن، وعلى بعض جوانب العلاقة مع سوريا، وفور حلحلة بعض المسائل ستلتفت إلى لبنان. وسيتولّى السفير بخاري التحرّك في بيروت بناء على ما تتوصّل إليه القيادة “بعد عودة كبار المسؤولين من جدّة إلى الرياض إثر انتهاء فعّاليات القمّة العربية وبعض النشاطات الأخرى”.

– معلومات جهات لبنانية تولي أهميّة للموقف السعودي قالت إنّ اللجنة السياسية السعودية المكلّفة من القيادة بالملفّ اللبناني اجتمعت الأربعاء في 24 أيار لبحث التوجّهات التي يمكن اعتمادها في ما يخصّ الوضع الراهن بعد مضيّ سبعة أشهر على الفراغ الرئاسي، لكن لا معطيات عمّا قرّرته سوى معلومات بأنّ الجانب السعودي سيدعو الفرقاء اللبنانيين إلى إنهاء المراوحة في مسألة الرئاسة. تفيد هذه المعلومات أيضاً أنّ على الفرقاء ترقّب ما يحمله السفير بخاري المكلّف بلعب دور أساسيّ في المرحلة المقبلة. إلا أنّ هذه الجهات وغيرها تؤكّد نقلاً عن المسؤولين الفرنسيين أنّ التفاهم بين باريس والرياض قائم ومتواصل، وهو لمصلحة خيار فرنجية حتى الساعة، وفق معادلة “لا فيتو سعوديّاً عليه”.

موجة “السين – سين”

ثانية الوقائع المستجدّة أنّه قفزت إلى الواجهة التوقّعات بقرب عودة التفاهم السعودي السوري حول لبنان، بحيث تلعب دمشق دوراً أساسياً في البلد أسوة بذلك الذي لعبته في تسعينيات القرن الماضي حتى 2005، نظراً إلى نفوذها التقليدي في لبنان. ومع أنّ كثراً اعتبروا أنّ هذا أقرب إلى التمنّيات منه إلى الواقع نظراً إلى تبدّل الظروف، فإنّ ما نشرته جريدة “الرياض” السعودية أول من أمس الخميس، ثمّ سحبته من موقعها، عن أنّ المرحلة المقبلة ستشهد تحرّكاً سعودياً سوريّاً حول لبنان الذي احتلّ جانباً مهمّاً من البحث خلال اجتماع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس السوري بشار الأسد على هامش قمّة جدّة، عزّز تكهّنات بعض فرقاء الممانعة في هذا الصدد، وزاد خشية بعض فرقاء المعارضة من هذا الاحتمال. على الرغم من اعتقاد بعضهم أنّه غطاء عربي لاستمرار تحكّم إيران، الأقوى نفوذاً من القيادة السورية في لبنان، في قلب السلطة السياسية.

سرعان ما شهدت هذه الموجة تراجعاً نسبياً من دون إلغاء هذا الاحتمال، وفق الآتي:

تريّث في توقّع اتّفاق الرياض مع دمشق على لبنان

– سحبت جريدة “الرياض” المقال المطوّل من موقعها الإلكتروني بعد ظهر الأربعاء، إثر تعليق للسفير السعودي السابق في لبنان علي عواض عسيري (محال على التقاعد) بأنّ التكهّن حول عودة “السين سين” بعيد عن الواقع. ومع ذلك رأت أوساط معارضة أنّه ليس بالضرورة أن يعبّر عسيري عن توجّهات القيادة…

– مصدر قيادي في فريق “الممانعة” من الذين يتوقّعون (منذ ما قبل انعقاد قمّة جدّة) الانتقال إلى مرحلة “السين سين”، أبلغ “أساس” أنّ هناك دلائل على هذا التوجّه، لكن يفترض التأكّد من تحوُّله إلى واقع عمليّ، والأمر يحتاج إلى بعض الوقت كي يتبلور. فالطرفان السعودي والسوري قادمان من واقع خلافيّ كبير ويحتاج بناء الثقة بينهما إلى بعض الوقت والاختبار.

 معلومات جهات لبنانية تولي أهميّة للموقف السعودي قالت إنّ اللجنة السياسية السعودية المكلّفة من القيادة بالملفّ اللبناني اجتمعت الأربعاء في 24 أيار لبحث التوجّهات التي يمكن اعتمادها في ما يخصّ الوضع الراهن بعد مضيّ سبعة أشهر على الفراغ الرئاسي

– الرياض تركّز، كما هو معروف، على ملفَّيْ اليمن واستكمال خطوات التطبيع مع الأسد قبل لبنان، بدليل واقعة إهمال ذكره في مسوّدة “إعلان جدّة” (خلافاً للمقرّرات)، قبل أن يستدرك الوفد اللبناني الأمر ويطلب تضمينه فقرة عن أزمته، فكان له ما اقترحه.

ثالثة هذه الوقائع هي تراجع المناورات الدونكيشوتيّة التي ابتدعها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، بالتأرجح بين التفاهم مع المعارضة حول ترشيح اسم ثالث للرئاسة، وبين المراهنة على أن يستعيد موقعه التحالفيّ مع الحزب عبر التلويح بالاتفاق مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لكي يدفع “الحزب” إلى أن يقبل باقتراحه تسمية المرشّح الثالث الذي يكون مقبولاً منه بعد أن ييأس من تمسّكه بسليمان فرنجية.

من الحقائق التي تؤكّد فشل تلك المناورات يمكن ذكر الآتي:

تذمّر في “لبنان القويّ” من مناورات رئيسه

نشأ مناخ داخل تكتّل “لبنان القوي” مفاده أنّ باسيل يتلاعب من خلال مناوراته بنواب التكتّل، وأن لا نيّة لديه للتوصّل إلى نتيجة عمليّة من المفاوضات مع المعارضة على اسم ثالث، بل يستخدم التفاوض مع المعارضة من أجل جرّ الحزب إلى التفاوض معه.

هذا ما دفع النائب آلان عون إلى رمي قنبلته بالقول إنّ الترويج للاتفاق مع “القوات” على دعم ترشيح جهاد أزعور قد سقط، وإنّ أيّ مرشّح يدعمه التكتّل يجب ألّا يكون مستفزّاً لـ”الثنائي الشيعي”، مثلما أنّ أيّ مرشّح يطرحه “الثنائي” يجب ألّا يشكّل تحدّياً للمعارضة و”التيار الحر”.

بصرف النظر عن مدى نجاحه، طرح النائب عون حلّاً منطقياً تضمّن أن يرشّح “لبنان القوي” أحد أعضائه لأنّ هذا حقّه ولا يستفزّ “الحزب” في مواجهة إصراره على فرنجية. والمناخ في تكتّل “لبنان القوي”، المتذمّر من عبثيّة مناورات باسيل التي تقوم على التلويح بالتفاهم مع المعارضة، والمراهنة على تنازل “الثنائي” عن فرنجية، يعود إلى أنّه طرح خيار جهاد أزعور في الاتصالات مع “القوات” على الرغم من معرفة أكثريّة نواب التكتّل أنّ رئيسهم تبلّغ من الحزب منذ زمن بأنّه ضدّ خيار جهاد أزعور (وأنّ قيادة الحزب أبلغت أزعور نفسه تمسّكها بفرنجية)، وأنّ الأخير يرفض الترشّح إذا لم يكن توافقياً ولم يحصل على أصوات من “الثنائي”، وبالتالي يصبح طرح أزعور على “القوات” بهدف إضاعة الوقت.

سقوط “بيضة القبّان” الباسيليّة

– مناورة استدراج “الحزب” إلى التفاوض مع باسيل هالكة من انطلاقتها لأنّ نواب التكتّل يعرفون أن لا تفاوض مع باسيل على فرنجية، وأنّ قيادة الحزب تقبل فقط التفاوض معه على مطالبه من فرنجية بعد أن يعلن قبوله به.

إقرأ أيضاً: قمّة جدّة “تعاقب” الطبقة السياسيّة اللبنانيّة

– باسيل، الذي كان هو من طلب لقاء المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، تبلّغ منه الموقف نفسه بعدما كرّر أمامه رفض خيار فرنجية، ومفاده أنّ باريس تعتبره الفرصة المتوفّرة لإنهاء الفراغ القاتل، بغياب اتفاق القوى المسيحية والمعارضة على مرشّح جدّي آخر، وأنّ فرنسا تعتمد على الضمانات التي قدّمها لها ونقلتها للسعوديين في شأن الهواجس التي يطرحها الفرقاء المعترضون.

خلاصة ما انتهت إليه مناورات باسيل أنّه لم يحصل من أيّ فريق في الداخل والخارج على أيّ مقابل لتوظيف أصوات تكتّله (كبيضة قبّان مثلما قيل) في هذا الخيار أو ذاك، فيما اللعبة تزداد تعقيداً في ظلّ عجز تركيبة البرلمان عن إحداث اختراق في هذا الانسداد قد تساعد مبادرة خارجية على تحقيقه، لكنّ لها شروطها الدقيقة أيضاً وتوقيته الذي لم يحن بعد.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…