إيران “تدعم” أردوغان.. و”تُهديه” أوراقاً ليربح اليوم

مدة القراءة 8 د

ترصد القيادة الإيرانية ومراكز القرار الاستراتيجي في النظام الإيراني بكثير من الدقّة والحذر الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها الجارة تركيا اليوم الأحد، لاعتقادها بأنّ هذه الانتخابات ونتائجها ستسهم في رسم معالم الإقليم ومنطقة غرب آسيا في المرحلة المقبلة، سواء كان الفائز فيها الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان أو منافسه كمال كليجدار أوغلو عن حزب الشعب الجمهوري وتحالف “الأمّة”. الأخير ترى طهران وغيرها من العواصم أنّه يمثّل المدرسة الأتاتوركيّة، وهي نقيض المدرسة الإردوغانيّة التي أرسى أسسها حزب العدالة والتنمية بعدما وصل إلى السلطة ودخل الحياة السياسية التركية بشكل فاعل منذ عام 2000.
يزداد القلق الإيراني من مصير الانتخابات الثالثة عشرة الرئاسية التركية التي تجري بالتزامن مع انتخابات الدورة الثامنة والعشرين البرلمانية، بعد انسحاب منافسَين أساسيَّين هما سنان أوغان عن ائتلاف “آتا” ومحرم إينجه عن “حزب الشعب” اللذان يملكان تمثيلاً شعبياً نسبياً من السباق الرئاسي لصالح كليجدار أوغلو، وهو ما يعني أنّ المنافسة ستكون ثنائية الأقطاب ومتمحورة بين إردوغان وكليجدار أوغلو، الأمر الذي سينعكس سلباً على نسبة الأصوات التي قد يحصل عليها إردوغان أمام منافسه.
إذا ما كانت مراكز القرار الإيراني تعتقد بأنّ حظوظ إردوغان في العودة إلى رئاسة الجمهورية أعلى قليلاً من منافسه الجدّي، فإنّها ترى أيضاً أنّ إردوغان قد يفوز بالرئاسة على حساب فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية. أي أنّه سيأتي إلى الرئاسة من دون غطاء برلماني صلب وقويّ. وبالتالي سيكون محكوماً للرقابة البرلمانية التي لن تكون متسامحة معه كما كانت عندما كان يملك ويسيطر على الأكثريّة النيابية. وبالتالي فإنّ شدّة المنافسة بين المرشّحين تجعل من الصعب على استطلاعات الرأي والمؤسّسات المعنية بذلك التكهّن بالنتيجة التي ستخرج من صناديق الاقتراع.

يزداد القلق الإيراني من مصير الانتخابات الثالثة عشرة الرئاسية التركية التي تجري بالتزامن مع انتخابات الدورة الثامنة والعشرين البرلمانية، بعد انسحاب منافسَين أساسيَّين

إيران تفضّل أردوغان
تعتقد دوائر القرار الإيراني أنّ هذه الدورة من الانتخابات التركية تُعتبر من أهمّ المتغيّرات الإقليمية في المرحلة المقبلة.وتنبع هذه الأهمّية من كون إردوغان وحزب العدالة والتنمية استطاعا نقل تركيا من دولة إقليمية تبحث عن دور إلى أحد أبرز وأهمّ المؤثّرين في المنطقة، وصولاً إلى تبنّي استراتيجية إقليمية طموحة تسعى إلى تثبيت وجودها والتأثير على المعادلات والتوازنات وفرض نفسها لاعباً لا يمكن تجاوزه.
لا تنكر طهران أنّ إردوغان وحزب العدالة والتنمية استطاعا خلال العقدين الماضيين نقل تركيا إلى موقع متقدّم في المعادلات الإقليمية والدولية، وأن يقدّما تعريفاً جديداً للعمق الاستراتيجي التركي والمصالح القومية بعيداً عن الدائرة التاريخية التي وضعته في سياق مصالح واستراتيجيات حلف الناتو والتأثير الأميركي.
على الرغم من التحدّيات الكثيرة والمتعدّدة والمعقّدة التي أوجدها إردوغان وإدارة حزب العدالة والتنمية للنظام الإيراني، سواء على المستوى الداخلي من خلال الالتزام النسبي باللعبة الديمقراطية والحرّيات السياسية والحزبية، أو على المستوى الإقليمي في منطقة غرب آسيا والحيّز الأوراسي (في آسيا الوسطى والقوقاز) وصولاً إلى منطقة الشرق الأوسط، إلا أنّ التغيير في تركيا قد يشكّل تحدّياً أكثر تعقيداً لطهران من استمرار إردوغان وحزبه في السلطة وقيادة تركيا في المرحلة المقبلة التي تُعتبر حسّاسة ومفصلية ومقرّرة بالنسبة لموقع ودور النظام الإيراني ومنظومته الاستراتيجية.
قد لا تشكّل عودة أو بقاء إردوغان على رأس الدولة التركية وقيادتها في المرحلة المقبلة حاجةً إيرانيةً فقط، بل تتوسّع هذه المصلحة لتشمل العديد من الدول الإقليمية العربية وغير العربية. وقد تترتّب على التحوُّل الذي تشهده منطقة غرب آسيا، نتيجة الاتفاق السعودي الإيراني، معادلات جديدة في المجال الجيوسياسي الذي شكّل الطموح التركي في العقدين الأخيرين.

أردوغان سلّم بقيادة السعودية المنطقة
على الرغم من أنّ “تركيا – حزب العدالة والتنمية” والقيادة الإردوغانيّة استطاعت الخروج من الحيّز الهامشي المتأثّر بالمعادلات الإقليمية، وسعت إلى أن تكون عاملاً ولاعباً فاعلاً في هذا المجال، إلا أنّ الضربات التي لحقت بمشروعها القائم على تحويل المنطقة إلى مجال نفوذ لسلطة الإسلام السياسي الذي عملت على قيادته بعد الانتفاضات العربية، دفعتها إلى الانكفاء، خاصة بعد النكسة التي أصابت مشروعها بعد إزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة في مصر. فقد أثّر هذا بشكل كبير على موقعها ودورها على الساحة السورية. إذ أسقط من أجندة إردوغان وحزبه الطموحَ إلى قيادة العالم الإسلامي، وبالتالي دفعه إلى الاعتراف والتسليم للمملكة العربية السعودية بهذه القيادة. فضلاً عن انتقاله من موقع المنافس حدّ الخصومة للنظام الإيراني في الشرق الأوسط إلى موقع المهادن والمحتاج، خاصة في مساعيه إلى إعادة ترميم علاقاته مع النظام السوري، والحصول على ضمانات إيرانية تتعلّق بمستقبل دور الجماعات الكردية التي تشكّل هاجساً ومصدر قلق دائم لأيّ سلطة في تركيا. وذلك في ظلّ طموح هذه الجماعات إلى إقامة دولتها المستقلّة أو على الأقلّ الحصول على اعتراف من الدول المعنية بالمسألة الكردية بحقّها في إدارة شؤونها الذاتية بعدما فشلت في تطبيق النموذج العراقي مع إقليم كردستان.
واجه النظام الإيراني تحدّيات حقيقية دفعت الأمور إلى مستويات متقدّمة من التوتّر مع تركيا، ودفعت الأوضاع إلى حافة التفجير والحرب بينه وبين جمهورية أذربيجان التي تدعمها تركيا لإحداث تغيير في الوضع الجيوسياسي في منطقة القوقاز الجنوبي والعمق الأوراسي الإيراني. وذلك من خلال مشروع قطع طرق التواصل البرّيّة بين إيران وأرمينيا التي تشكّل الممرّ البرّي الذي يربط إيران بأوروبا وله أهمّيته الاقتصادية لطهران. هذه الطموحات حاول إردوغان توظيفها في إطار بناء مشروعه لبناء “رابطة الدول الناطقة باللغة التركية” في المجال الأوراسي تعويضاً عن تراجع تأثيره في الشرق الأوسط. ولذلك دخل منافساً حقيقياً لإيران على المستوى الاقتصادي في هذه الدول، ويراهن على استغلال ذلك للخروج من أزمته الاقتصادية المتفاقمة.

إيران “تعطي أوراقاً” لأردوغان
تراهن طهران، التي تحرّكت بحذر إلى جانب بعض الدول الإقليمية العربية، على منح بعض الأوراق التي تشكّل عاملاً مساعداً في معركة إردوغان الانتخابية. خاصة على مسار الأزمة السورية، من خلال إعطاء ضمانات. إضافة إلى الرعاية الروسية، بمعالجة الهواجس ومصادر القلق التركية بسبب طموحات أكراد سوريا، وذلك في الاجتماع الرباعي لوزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا الذي استضافته موسكو قبل أيام.
حاول كليجدار أوغلو مرشّح المعارضة ومنافس إردوغان اللعب على وتر الهواجس ومخاوف دول الجوار. فوجّه رسائل تطمئن إلى أنّ المشاريع المستقبلية ستأخذ بعين الاعتبار المصالح التركية إلى جانب مصالح هذه الدول. خاصة في المجال الاقتصادي وخطوط النقل والتجارة الدولية التي تحتلّ مكاناً مميّزاً في الاستراتيجيات الإيرانية الهادفة إلى معالجة أزمات طهران الاقتصادية والعقوبات الدولية. إلا أنّ إيران تنظر إلى هذه الانتخابات باعتبارها معركة وصراعاً بين نمطين من التفكير السياسي والاستراتيجي يمثّلانهما إردوغان وكليجدار.
تراهن دوائر القرار الإيراني على أن تؤدّي عودة إردوغان الى السلطة إلى الاستمرار في مسار التباعد بين تركيا والغرب والاقتراب من الرؤية الشرقية والانخراط في مشروع أوراسي له معادلاته وتحالفاته وبناء منظومة مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية جديدة تمتدّ حتى الصين وروسيا وتمنح مظلّة للمصالح التركية الجديدة والبديلة. خاصة أنّ إردوغان عمل على الحدّ من فعّالية الدور التركي في إطار حلف الناتو إلى أدنى مستوياته. في حين قد يشكّل وصول كليجدار عودة سريعة وفاعلة للتأثير الأميركي والناتو بما قد يعني عودة التهديد الاستراتيجي لدور وموقع إيران في المعادلات الإقليمية.

إقرأ أيضاً: تركيا جديدة بعد الانتخابات: أميركا وروسيا “على المفرق”

انطلاقاً من رؤية النظام الإيراني للسلطة، التي يمثّلها إردوغان في الحالة التركية، وضرورة أن تكون ممثِّلة للمكوّن الأقوى القادر على اتّخاذ القرار، تعتقد طهران أنّ كليجدار، المرشّح المنافس لإردوغان، يُعتبر مرشّحاً لتحالف مجموعة من القوى والأحزاب، ذي توجّهات مختلفة، تقوم على قاعدة رفض عودة حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. وبالتالي سيمهّد انتصار هذا التحالف الأرضية لتفجير الصراعات الداخلية بين هذه القوى على تقاسم الحصص والأدوار، وسيؤدّي إلى تراجع التوازن الإقليمي الذي تساهم تركيا مع إردوغان في إرسائه لصالح الاهتمام بالداخل والصراعات التي ستتفجّر، وقد تتبع ذلك زعزعة الاستقرار والأمن في الإقليم، بما في ذلك تنامي الصراعات القومية والتطرّف والفوضى، الأمر الذي لا يصبّ في مصلحة إيران وروسيا واللاعبين الإقليميّين الآخرين.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…