انتهت الجلسة النيابية لانتخاب رئيس للجمهورية بالتعادل السلبي كما كان متوقّعاً. قبل الجلسة كان كلّ من الفريقين الداعمَين للمرشّحَين الرئاسيَّين سليمان فرنجية وجهاد أزعور يمارس ضغطاً شديداً على النواب السُّنّة الموزّعين بين كتلة الاعتدال والتغييريّين والمستقلّين، واستخدم كلّ منهما جميع الأدوات المتاحة سياسياً وإعلامياً. نجحت قوى المعارضة في اجتذاب عدد من أصوات النواب السُّنّة، بعكس الحزب الذي لم ينجح في اجتذاب أيّ صوت سنّيّ من خارج دائرة حلفائه وأصدقائه. بيد أنّ نجاح المعارضة كان جزئياً، ذلك أنّ أكثريّة النواب السُّنّة لم يصوّتوا لفرنجية ولا لأزعور.
توقيف العدّ
لقد صبّت أصوات 12 نائباً سنّيّاً في خانة كسر حدّة الاصطفاف السياسي الذي اكتسى طابعاً مذهبياً واضحاً وبدا فيه المسيحيون في مواجهة الثنائي الشيعي. وعلى الرغم من اختلاف طريقة التعبير عن هذه الرغبة كان الهدف واضحاً ونابعاً من قناعة لدى النواب الـ12 بأنّ دورهم قطع دابر الفتنة التي يمكن أن تحصل، سواء الثنائي الشيعي انتصر أم الثلاثي الماروني، وفي ذلك عودةٌ إلى الدور التاريخي للسُّنّة وتكريسٌ للمقولة التاريخية للرئيس رفيق الحريري “أوقفنا العدّ”.
في التفاصيل أنّ ثلاثة من النواب السُّنّة صوّت للوزير الأسبق زياد بارود، وهم نائبا صيدا عبد الرحمن البزري وأسامة سعد، ونائبة الشوف حليمة قعقور. في حين صوّت أعضاء تكتّل الاعتدال الوطني الستّة وليد البعريني، محمد سليمان، أحمد رستم، سجيع عطية، أحمد الخير، وعبد العزيز الصمد، ومعهم نائبا بيروت عماد الحوت ونبيل بدر، لـ”لبنان الجديد”.
لا يمكن فهم موقف تكتّل الاعتدال من الاستحقاق الرئاسي إلّا من خلال نظرة أوسع للنهج الذي قام عليه
انفرد نائب طرابلس إيهاب مطر بالتصويت لقائد الجيش العماد جوزف عون في موقف مفاجئ ويستحقّ التوقّف عنده. فقد انتهج الأخير منذ فوزه بالمقعد النيابي نهجاً مغايراً لأقرانه في طرابلس، إذ حرص على التواصل الدائم مع النخب الطرابلسية، والابتعاد عن نسج علاقات مع الأجهزة الأمنيّة وضبّاطها وجماعاتها وفق التقاليد السياسية الطرابلسية التي ترسّخت منذ زمن الوصاية السورية. من هذا المنطلق يبدو تصويته لقائد الجيش غير منسجم مع نهجه وأدبيّاته. فهل أراد مطر إطلاق مسار التوافق على العماد جوزف عون؟
تكتّل الاعتدال: الخدمات أوّلاً
لا يمكن فهم موقف تكتّل الاعتدال من الاستحقاق الرئاسي إلّا من خلال نظرة أوسع للنهج الذي قام عليه. فهو يضمّ مجموعة من النوّاب الذين وصلوا إلى البرلمان بمجهودهم الذاتي، من دون التحالف مع أيّ من القوى السياسية التي تتبارز فيما بينها حالياً. وبعكس ما يُنسب إليهم من ارتباك أو ضعف سياسي، فإنّ أعضاء التكتّل لديهم موقف ثابت يتمثّل في الابتعاد عن الاصطفافات، والتركيز على الخدمات التي تحتاج إليها بشدّة المناطق التي يمثّلونها، علاوة على أنّها الأداة الوحيدة تقريباً التي تساعدهم في ترسيخ حضورهم. فالمواقف السياسية الناريّة والحادّة لا تُطعم أصواتاً في صندوق الاقتراع، ولا سيّما أنّ أربعة منهم نوّاب جدد، وجميعهم يواجهون منافسة حادّة وقويّة. وبالنظر إلى منهجية أعضاء التكتّل، نجد أنّهم ينشطون في متابعة قضايا خدماتية، ويقصدون جميع الوزراء من أجل تسهيل وصول الخدمات على قلّتها إلى مناطقهم وأبنائها، بمعزل عن الانتماء السياسي للوزراء، وبالتالي لا مصلحة لديهم في استعداء أحد.
إذا كان أعضاء التكتّل حريريّي الهوى، ولديهم ارتياب دائم تجاه الحزب وأهدافه، فإنّ ارتيابهم برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لا يقلّ شأناً. لذا هم حريصون على عدم الذوبان في خيارات أيّ من هذه الأطراف الثلاثة.
لقد صبّت أصوات 12 نائباً سنّيّاً في خانة كسر حدّة الاصطفاف السياسي الذي اكتسى طابعاً مذهبياً واضحاً وبدا فيه المسيحيون في مواجهة الثنائي الشيعي
هل كرّس السُّنّة مفاعيل 7 أيّار؟
في المقلب الآخر تبرز وجهة نظر سنّيّة ظهرت في الأيام التي سبقت الجلسة ولقيت رواجاً كبيراً وتعتبر أنّ تقاطع قوى المعارضة على ترشيح أزعور هي فرصة ذهبية للسُّنّة لإنهاء مفاعيل 7 أيار. وحسب هذه النظرية لم يكن التصويت لمرشّحَين، بل هو استفتاء على خيارَين: إمّا الدولة أو الدويلة. وسيعني عدم تصويت النواب السُّنّة لأزعور أنّهم اختاروا مشروع الدويلة على حساب الدولة وكرّسوا نتائج 7 أيار 2008.
نجحت الضغوط عمليّاً في اجتذاب بعض الأصوات الإضافية لجهاد أزعور. وعلى الصعيد السنّيّ صوّت له 6 نواب: أشرف ريفي، فؤاد مخزومي، وضّاح الصادق، بلال حشيمي، إبراهيم منيمنة، ياسين ياسين. والأخيران اقتنعا عشيّة الجلسة بالعدول عن التمايز انطلاقاً من النظرية الآنفة الذكر.
في المقابل صبّت أصوات تسعة نواب سُنّة لسليمان فرنجية مثلما كان متوقّعاً، وهم: فيصل كرامي، جهاد الصمد، عدنان طرابلسي، طه ناجي، عبد الكريم كبّارة، حسن مراد، ينال الصلح، ملحم الحجيري، قاسم هاشم.
إقرأ أيضاً: نوّاب الثنائيّ يهتفون: هيّا إلى الحوار!
إذاً توزّعت أصوات النواب السُّنّة الـ27 على الشكل التالي: 12 نائباً صوّتوا ضدّ الاصطفاف السياسي الحاصل، 9 نواب صوّتوا لسليمان فرنجية، 6 نواب صوّتوا لجهاد أزعور. أمّا على صعيد طرابلس حيث مركز الثقل السُّنّي المعنوي، فقد صوّت ثلاثة من نوابها السُّنّة الخمسة لفرنجية، مقابل صوت واحد فقط لأزعور، وآخر لقائد الجيش. وهذا التصويت ينبغي التوقّف عنده كثيراً بما يحمل من مؤشّرات. فهل يمكن اعتبار ذلك تحوُّلاً في المزاج السنّيّ؟ أو بمعنى آخر هل صارت طرابلس إلى جانب الحزب؟ أم يعكس ذلك مدى تبرُّم السُّنّة ونفورهم من التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، والقوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع، ولا سيما مع تكبير المشهد واحتساب أصوات تكتّل الاعتدال من الضنّية والمنية إلى عكّار.