لبنان: كيف نشفي مريضاً بعد الانتحار؟

مدة القراءة 3 د

يأتي أوّلاً في ترتيب الأولويات في أمن الخليج العربي “الخطر الإيراني”، لأسباب أمنيّة واقتصادية واستراتيجية.
أولى الأولويات الأمنيّة لدى المملكة السعودية هو نزع فتيل “الجنون الحوثيّ” تجاه الأمن السعودي، ومواجهة مشروع طائفي تخريبي تجاه السعودية، التي ترتبط مع اليمن بحدود برّية تتجاوز 1,200 كلم.
من الخرافات والأوهام اللبنانية أنّ الرياض عقدت اتفاقاً مع طهران يقوم أساسه على التهدئة في لبنان واختيار رئيس جمهورية.
الاتفاق الإيراني – السعودي هو في الأساس لخدمة المصالح العليا السعودية وإضعاف المشروع الإيراني ولإيقاف التخريب الحوثي الذي كلّف المملكة وقتاً ومالاً وأرواحاً.
هل للاتفاق السعودي تأثيرات؟

لبنان يأتي أو لا يأتي. هو ليس الورقة الأساسية. إنّه ورقة من ضمن الأوراق يمكن التقدّم فيها إن رغبت الأطراف. ويمكن أن تكون ورقة مبادلة في تقاسم النفوذ والمصالح في المنطقة

الإجابة كما سمعتها أخيراً: “الأساس هو اليمن، ثمّ يأتي بعد ذلك العراق وسوريا”.
وماذا عن لبنان؟
“لبنان يأتي أو لا يأتي. هو ليس الورقة الأساسية. إنّه ورقة من ضمن الأوراق يمكن التقدّم فيها إن رغبت الأطراف. ويمكن أن تكون ورقة مبادلة في تقاسم النفوذ والمصالح في المنطقة”.
هل يعني ذلك أنّ الرياض لا تهتمّ بما سيحدث في لبنان، سواء فراغ رئاسي أو انهيار اقتصادي أو فقدان أيّ ثقة بالمعاملات الدولية؟
الإجابة: “نعم تهتمّ لكن ليس لبنان الاهتمام الأول”. وعاد المصدر يقول لي: “لماذا تريد من القيادة السعودية أن تضع لبنان في مراكز الاهتمام الأولى في تصفير المشاكل والصراعات بينما القيادات السياسية في لبنان تضع مصالحها الشخصية ومصالح بعض القوى الإقليمية والدولية قبل مصلحة وطنها؟!”.

وقف “المقاومة بدلاً من المقاومة
في ذلك الوقت الدقيق الذي يعيشه لبنان ويبذل فيه الجهود لاختيار رئيس جمهورية وتشكيل حكومة توافقية وإعادة الدماء إلى الاقتصاد المنهار يتعيّن على العقل السياسي اللبناني أن يتوقّف عن منطق “المقاولة بدلاً من المقاومة”، ويُعلي منطق المصلحة الوطنية بدلاً من السمسرات الشخصية، ويرسّخ منطق الحلّ اللبناني بدلاً من استدعاء حلول إقليمية ودولية.
منطق التمترس لدى كلّ أطراف الصراع المحلّي في لبنان جعل الجميع في المنطقة (الرياض، طهران، دمشق) ودولياً (فرنسا، واشنطن، الاتحاد الاوروبي، الصين) يصلون إلى قناعة بأنّ اللعبة في لبنان بلغة النرد (طاولة زهر) “قفّلت وأصبحت محبوسة”، بمعنى أنّه لا حلّ قريب لأنّه يوجد متغلّب عدديّاً في البرلمان ولا يمكن للمتغلّب العسكري (الثنائي الشيعي) أن يمارس القوّة القاهرة بسبب الوضع الإقليمي والتوتّر الدولي الحاليّ.

إذاً إلى أين نذهب؟
لبنان مرشّح لأحد 3 مسالك كلّها مفزعة مؤلمة:
1- الانهيار المؤدّي إلى الفوضى وسقوط الدولة ومؤسّساتها فعليّاً ونظاميّاً.
2- التقسيم الطائفي الذي لا مفرّ منه بعد فشل مشروع لبنان الواحد الموحّد الحرّ المستقلّ الذي تمارس فيه كلّ طائفة مشروعها برعاية مموّليها الإقليميين والدوليين.
3- ترك لبنان في منطقة النفوذ الإيراني السوري في ظلّ اتفاقية “يالطا” شرق أوسطية يُعاد وفقها تشكيل المنطقة تحت مظلّة دولية تعيد تشكيل العالم كاملاً.

إقرأ أيضاً: سماسرة الأزمات يتاجرون بمصائر 400 مليون عربي..

لذلك كلّه يجب أن يخرج أهل السياسة في لبنان من أوهام أنّ كلّ العالم، والعرب خصوصاً، والخليج العربي ككتلة، والرياض تحديداً، يعتبرون المأساة اللبنانية مسألة حياة أو موت، ولهذا السبب لا يمكنهم أن يتركوه يموت!
في الطبّ يقولون: كيف يمكن أن نشفي مريضاً يسعى عامداً متعمّداً إلى الانتحار؟

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…