كان غارقاً في النوم.. التونسيّ الباوندي الفائز بنوبل الكيمياء

مدة القراءة 5 د


إنّه صباح الأربعاء. ما زال الوقت باكراً للتوجّه إلى العمل. رنّ جرس الهاتف في منزل الدكتور منجي الباوندي في هذا الوقت على غير عادته. استيقط الباوندي ونظر إلى ساعته متسائلاً: من يتصل بهذا الوقت؟ رفع سمّاعة الهاتف فإذا بصوت يأتيه من بعيد: “يسرّنا أن نعلمك أنّك حصلت على جائزة نوبل للكيمياء”. اكتفى باوندي بكلمة واحدة: “شكراً”، وأقفل الهاتف.

خطآن وإنجاز
خطآن صنعا التاريخ لرجل من أصول تونسية يدعى منجي الباوندي ما اعتقد يوماً أنّه بقادر على أن يدخل التاريخ.
الخطأ الأوّل: عدم الاستعداد جيّداً لامتحان دخول جامعة هارفرد، وهو ما جعله يحصل على درجة 20 من 100، وكانت أدنى درجة في الفصل، فكادت حياته الجامعية أن تتوقّف هناك. إلا أنّه صمّم على تصحيح الخطأ بالتحضير الجيد، وعاد ليدخل إلى جامعة ستُفتح له عبرها كل الأبواب.
الخطأ الثاني: هو خطأ اللجنة الإعلامية لجائزة نوبل عندما سرّبت للإعلام أسماء المرشّحين الثلاثة لنيل جائزة نوبل للكيمياء لعام 2023. فظن الأمر مجرّد دعابة فنام دون أن ينتظر النتيجة.

منجي الباوندي والهجرة إلى أميركا

ولد منجي الباوندي عام 1961 في العاصمة الفرنسية باريس، ثمّ هاجر مع والده بعد 6 سنوات إلى الولايات المتحدة الأميركية، فتابع الدراسة هناك حيث حصل على ماجستير في الكيمياء، ثمّ على دكتوراه عام 1988 من جامعة شيكاغو، واستكمل دراسته في أبحاث ما بعد الدكتوراه لمدّة عامين عمل خلالهما مع الدكتور لويس بروس الفائز الثاني بالجائزة، وبدأ دراساته حول الموادّ النانويّة.

خطآن صنعا التاريخ لرجل من أصول تونسية يدعى منجي الباوندي ما اعتقد يوماً أنّه بقادر على أن يدخل التاريخ

عام 1990 أصبح أستاذاً في معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا، ثمّ أستاذاً مشاركاً عام 1995، وأستاذاً متفرّغاً عام 1996. كان والده عالم رياضيات يدعى محمد صلاح الباوندي. عمل في جامعة تونس عام 1968 قبل أن يسافر إلى فرنسا ثمّ إلى الولايات المتحدة الأميركية.
يروي الباوندي أنّه عندما تقدّم إلى جامعة هارفرد رسب في امتحان الدخول: “نظرت إلى السؤال الأول ولم أتمكّن من الإجابة عليه، والأمر نفسه مع السؤال الثاني فحصلت على درجة 20 من 100. قلت لنفسي: يا إلهي هذه النهاية بالنسبة لي، ماذا أفعل هنا؟ لكن أدركت بعدها أهمية الاستعداد الجيّد للامتحانات. كان يمكن أن يدمّرني ذلك، لكنّني كنت أحبّ ما أفعله، ولذلك تعلّمت النجاح كطالب. على الطلاب دائماً الحرص على التفتّح الذهني والإبقاء على الفضول الذي يشكّل مفتاح العلم”.
ويضيف: “النكسات جزء من البحث وهي جزء من الحياة وعلينا الاستمرار بالمحاولة والقيام بما يثير اهتمامنا”.
كانت جائزة نوبل للكيمياء لعام 2023 مُنحت للباوندي مع عالمين آخرين هما الأميركي لويس بروس من جامعة كولومبيا، والأميركي من أصول سوفيتية ألكسي إيكيموف عن بحوثهم حول جسيمات نانونية تسمّى النقاط الكمومية تستخدم حالياً على نطاق واسع في الأجهزة الإلكترونية.
الجدير بالذكر أنّ الصحف السويدية كانت قد سرّبت أسماء الفائزين قبل ساعات من الإعلان الرسمي، وهو ما دفع الأمين العام للأكاديمية هانس إيليغرين إلى التصريح بالقول: “من المؤسف ما حدث، والمهمّ أنّ ذلك لم يؤثّر على توزيع الجوائز”.

قصّة جائزة نوبل
ولد ألفرد نوبل عام 1833 وتوفّي في 1896، وهو مهندس ومخترع كيميائي سويدي اخترع الديناميت في سنة 1867، ثمّ أوصى بتخصيص معظم ثروته التي جناها من الاختراع لجائزة نوبل التي سُمّيت باسمه. ويرجع تاريخ الجائزة إلى وصيّة فاجأ بها المخترع عائلته والعالم. وفي عام 27 تشرين الثاني 1895 وقّع ألفريد نوبل وصيّته الثالثة والأخيرة في النادي السويدي النرويجي في باريس.
يمرّ عام على الوصيّة ويرحل صاحبها عن عالمنا، وحينما وقعت الوصيّة بين أيادي عائلته أثارت العبارات التي سجّلها نوبل الجدل، سواء في السويد أو على المستوى الدولي، إذ ترك المخترع الكثير من ثروته لإنشاء الجائزة. عارضت عائلته إنشاء جائزة نوبل، ورفض الحائزون الجوائز الذين ذكرهم أن يفعلوا ما طلبه في وصيّته، لكن في النهاية تمّ تنفيذ رغبته بعد خمس سنوات ومُنحت أوّل جائزة نوبل في عام 1901.

كانت جائزة نوبل للكيمياء لعام 2023 مُنحت للباوندي مع عالمين آخرين هما الأميركي لويس بروس من جامعة كولومبيا، والأميركي من أصول سوفيتية ألكسي إيكيموف عن بحوثهم حول جسيمات نانونية تسمّى النقاط الكمومية

نصّت الوصيّة على “استخدام كامل ممتلكاته الباقية لمنح جوائز لأولئك الذين قدّموا، خلال العام السابق، أكبر فائدة للبشرية”، وجاء فيها: “جميع أصولي الباقية سيتمّ توزيعها على النحو التالي: الفائدة المالية للأموال يتمّ توزيعها سنوياً كجوائز”، وهو ما تمّ تنفيذه، وقُسّمت الفائدة إلى خمسة أجزاء متساوية ووُزّعت على النحو التالي: جزء للشخص المكتشف أو المخترع في مجال الفيزياء، وجزء ثانٍ للشخص الذي أطلق أهمّ اكتشاف أو تحسين كيميائي، وجزء للشخص الذي قدّم الاكتشاف الأكثر أهميّة في مجال علم وظائف الأعضاء أو الطبّ، وجزء خاصّ للشخص الذي أنتج في مجال الأدب، وجزء للشخص الذي بذل قصارى جهده لتعزيز السلام بين الأمم وإلغاء أو تقليل الحروب الدائمة وإنشاء مؤتمرات السلام وتعزيزها.
ذكر المخترع نوبل خلال وصيّته: “رغبتي الصريحة هي أن لا يتمّ أخذ الجنسية في الاعتبار عند منح الجوائز، بل أن تُمنح الجائزة للشخص الأكثر استحقاقاً”.

 

مواضيع ذات صلة

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…