الكويت: شيء عن “الديمؤراطيّي” اللبنانيّة

مدة القراءة 7 د


ما بين حرّية التعبير والديمقراطية والتنمية والإنجاز، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية بنقاشات واسعة، أخذ بعضها منحى حادّاً بين كتّاب ومثقّفين وناشطين سعوديين وكويتيين تضاربت آراؤهم واختلفت رؤاهم حيال الأولويّات والمسارات، وكانت للبنان حصّة وافرة من “مبارزات” الفضاء الإلكتروني.
اندلعت الشرارة مع المقال الذي كتبه الكاتب السعودي الجنسية، الكويتي المولد والنشأة، محمد الرطيان تحت عنوان: “بدون زعل: عن الشيوخ والعسكر والديمؤراطيّي”.. والكلمة الأخيرة من العنوان كانت في أحرفها “لطشة” للبنان وفي مضمونها انتقاد مشترك للبنان والكويت.

يا بدويّ شو فهّمك
في مقاله الذي ورد على شكل تغريدة طويلة في حسابه على منصّة “إكس” الذي يحظى بمتابعة نحو مليونين و300 ألف متابع، قال الرطيان: “في لبنان والكويت: ما أكثر الضجيج الحرّ وما أقلّ الحرّية.. والصحف أكثر من القرّاء.. والشاشات أكثر من المشاهدين.. والساسة أكثر من المواطنين.. والثرثرة أكثر من الإنجازات”.
وأضاف، في عبارات ستشكّل محور الهجوم عليه لاحقاً، “ليست ديمقراطيةً تلك التي لا ينجح فيها إلا “ملوك الطوائف” أو من يمثّلهم.. وليس برلماناً هذا الذي تصله وبرنامجك الانتخابي الوحيد: “وين ربعي”… سيأتي أحدهم ليقول: “يوبا شنو تعرف أنت عن الديموغراطيا؟!”. سيأتي آخر ليقول: “وهلأ يا بدوي إنتا شو فهمك بالديمؤراطيّي؟!”، سأقول لهم: “وماذا تعرفون أنتم عن التنمية والبناء وصناعة الدولة؟ قارنوا بين حياتكم ومدنكم مقابل: الرياض، أبو ظبي، مسقط، الدوحة.. لحظتها ستبيعون كلّ هذا “الضجيج الحر” الذي لم يستطع أن يوفّر مضادّاً حيوياً لطفلة تواجه الموت في بيروت!”.
في تلك العبارات جمع الكاتب السعودي كلّاً من الكويت ولبنان في بوتقة واحدة، وفي كلامه التالي كان أكثر تركيزاً على الكويت، فقال: “السؤال الذي يجب أن نفكّر فيه كثيراً: لماذا فشل النموذج الديمقراطي في الكويت في بناء التنمية.. ونجح النموذج “اللاديمقراطي” في الرياض وأبوظبي ودبي والدوحة في بناء تنمية مذهلة ومدهشة؟!”.

ما بين حرّية التعبير والديمقراطية والتنمية والإنجاز، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية بنقاشات واسعة، أخذ بعضها منحى حادّاً بين كتّاب ومثقّفين وناشطين سعوديين وكويتيين

واستطرد: “من أخبث الأسئلة التي من الممكن أن يواجهها المواطن العربي، والخليجي تحديداً: أيُّهما تُفضّل: “تنمية” الإمارات.. أم “ديمقراطية” الكويت؟! هو سؤال يشبه تلك الأسئلة التي تأتي وإجابتها جاهزة في بطنها”.

الكرة والعارضة
أمام سيل الردود وآلاف التعليقات، حذف الرطيان المقال من حسابه، ووضع منشوراً لافتاً لكرة قدم ترتطم بالعارضة، وأرفقها بالعبارات التالية: “بعض الأشياء تشبه في كرة القدم التصويبة القويّة التي ترتطم بالعارضة: تعجب الجمهور، يصرخ المذيع لجمالها وخطورتها، تربك الدفاع، لكنّها، في النهاية، بلا هدف!”.
قرأ البعض في خطوته تراجعاً ونوعاً من الاعتذار، خاصة بعدما تبيّن أنّ ما كتبه كان مقالاً “مُعدّلاً” لنسخة من مقال سابق له نُشر في عام 2014، يتحدّث عن حكم العسكر والشيوخ في العالم العربي، بعنوان: “لم يعرف المواطن العربي، طوال القرن الماضي، سوى حاكمين: الشيخ والعسكري”.
لكنّ البعض الآخر قرأه كبادرة حسن نيّة، لأنّ الرجل من مواليد الكويت ونشأ فيها وكتب عن عِشقه لها، ولم يكن يهدف إلى انتقاد الكويت بقدر ما كان يردّ على أستاذة الفلسفة في جامعة الكويت شيخة الجاسم التي نشرت مقطع فيديو لها أثناء حديثها في ندوة عن “منع الاختلاط” بين الطلاب والطالبات الجامعيين، وحظي بتفاعلات وصلت إلى أكثر من 16 مليوناً خلال 5 أيام.

لا أحد يسكت
في الفيديو، تقول الأستاذة: “في هذه الأيام ترون الدول حولنا لديهم تنمية وتطوير.. لكنّ هناك أمراً واحداً يجب ألّا يتوقّف، وهو غير موجود عندهم، وإنّما موجود فقط عندنا، وهو حرّية التعبير.. يجب أن نواصل الكلام.. إذا كان للديمقراطية فائدة فهي حرّية التعبير، وهذا الشيء الوحيد الذي لا يستطيعون أن يأخذوه منّا.. لا أحد يسكت.. يجب أن نتكلّم”.
ما بين الجاسم والرطيان وآلاف التعليقات على كلامهما، ظهرت الحساسية الكبيرة لدى الكويتيين تجاه ديمقراطيّتهم، فهم يخوضون مواجهات قاسية، سواء في مجلس الأمّة أو الحكومة، أو بينهما، وينقسمون إلى مجموعات في مواقف مُتقابلة، لكن عندما يُوجَّه لهم انتقاد حتى من أقرب المقرّبين، لا يستسيغون ذلك ولا يتقبّلونه، بغالبيّتهم.

الطبّ والسيّارة
هكذا انبرى الكثير من الكتّاب الكويتيين للردّ على الرطيان في مقالات ومنشورات، غالبيّتها أكّدت متانة العلاقات بين الكويت والسعودية وشعبيهما، وإن تضاربت الرؤى أحياناً على المستوى الشعبي، وحمل بعضها عناوين من مثل “الرطيان يرطن بما لا يعرف”، و”مُتميّزة لذا تتعرّض للهجوم”، و”رطنة الرطيان”، و”مشوّهة ونص”.
لكنّ هذه الآراء لم تكن ذات توجّه واحد، فالبعض انتقد بشدّة التشبيه بين الكويت ولبنان، واعتبره مُجانباً للصواب، وشدّد أصحاب هذا الرأي على أنّ النموذج الديمقراطي الكويتي لم يفشل في التنمية وإنّما تعثّر لأسباب متنوّعة، وأنّ خطأ الطبيب لا يُلغي الطبّ، وأنّ تعرّض المركبة للعطل بسبب تقاعس السائق عن الصيانة الدورية لا يتطلّب التخلّص منها، فالعيب ليس في المركبة بل في طريقة اقتنائها والمحافظة عليها.
ورفض هؤلاء مقولة إنّ “الديمقراطية التي لا تحقّق تنمية وتطوّراً وعدالة ومساواة، هي ديمقراطية عرجاء وحمقاء لا نريدها”، مشدّدين على تمسّكهم بالتجربة على عيوبها، فـ”النظام الذي اخترناه قبل 60 عاماً ليس من الحكمة اللجوء إلى إلغائه، بل من الأفضل تعديله وتقويمه لتجنّب عيوبه”.

ممارسات خاطئة
أمّا البعض الآخر فانتقَدَ المُنتقدين ودعاهم إلى التحلّي بالديمقراطية واحترام الرأي الآخر، أيّاً يكن، والتمسوا العُذر للرطيان، مؤيّدين مضمون رأيه في أنّ الديمقراطية الكويتية تمّ تشويهها بالفعل، وأنّ الانتقاد ليس للنظام الديمقراطي وإنّما لنهج الممارسة الحكومية والنيابية على مدى عقود التي أفرزت في المحصّلة “النظام الذي يقوده ويهيمن عليه حالياً السلف والإخوان وليس الشباب الوطني أو القومي”، وفق تعبير الكاتب عبداللطيف الدعيج الذي دعا إلى أخذ الأمور برويّة وهدوء والاعتراف بأنّ هناك ممارسات خاطئة غير ديمقراطية وغير أخلاقية من قبل البعض أدّت إلى تعطيل التنمية وإهدار الثروات القومية في شراء الولاءات.
وفي خضمّ النقاش، استعاد ناشطون تصريحات للأكاديمي الإماراتي البارز عبد الخالق عبدالله تُعبّر عن رأي مشابه، اعتبر فيها أنّ “الكويت متقدّمة في مؤشّر الحرّيات والديمقراطية والعمل النيابي على بقيّة دول الخليج العربي بعقود، ولا أحد ينكر ذلك، لكنّها متعثّرة في معظم مؤشّرات التنمية والمعرفة والانسجام المجتمعي عن بقيّة دول المنطقة، أيضاً بعقود. والآن حتى نموذجها الديمقراطي غير ملهم ومقنع كما كان في عصر الكويت الذهبي”.
استعاد آخرون تصريحات للكاتب السعودي تركي الحمد قال فيها: “بصراحة وبدون زعل من أهلنا في الكويت.. ديمقراطية على النمط الكويتي نحن بغنى عنها.. السعودية والإمارات وعُمان يحقّقون إنجازات من دون ديمقراطية زائفة. أحياناً وفي ظروف تاريخية معيّنة، تكون الديمقراطية عبئاً لا إنجازاً”.

إقرأ أيضاً: السعدون “الرمز”… بين نمور الكويت وقِططها

في تعبير يراه البعض دقيقاً، وَرَدَ في أحد الردود الكويتية أنّ الديمقراطية ليست السبب في تخلّف الكويت، لأنّها أصلاً غير موجودة إلا في التشريعات وليست مطبّقة على أرض الواقع، وأنّ حرّية التعبير النسبية لا تعطي النظام السياسي صفة الديمقراطي، التي تحتاج إلى أن تكون الحكومة منبثقة عن الانتخابات وأن يكون هناك تداول للسلطة لا انتخابات برلمانية فقط.

مواضيع ذات صلة

الرّئيس عون أمام الاختبار الحكوميّ: لن أكون معطّلاً

انتهى القول، وبدأ الفعل، ومعه الاختبار الأوّل الحقيقي. سريعاً أطلق رئيس الجمهورية المنتخب جوزف عون قطار عهده الرئاسي محدّداً موعداً لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة تمهيداً…

الشّيعة أمام الامتحان: السّلاح ليس ضمانة

شيعة لبنان، في وضع هو الأدقّ، منذ تأسيس لبنان. والثنائي الشيعي أمام الامتحان الأصعب، بعدما أصبحت السرديّة السياسية والأيديولوجية، ومعها الاستراتيجية العسكرية والأمنيّة، في موضع…

جوزف عون والإعمار: إشراف دوليّ وتمويل عربيّ..

أصبحت وقائع اليوم الانتخابي الطويل بعد أكثر من عامين على الفراغ الرئاسي معروفة. ولكن ما يستحقّ التوقّف عنده في هذا اليوم هو العناوين الثلاثة التي…

جوزاف عون في القصر: تفاصيل “الصفقة” مع الثنائي

بعد أكثر من 26 شهراً من الشغور، صار للبنان رئيس للجمهورية، هو العماد جوزاف عون. هو الرئيس الـ14 للجمهورية المهترئة المتصدّعة والعديد من قراها مدمّرة…