لم “يلتقط” مرعي الرّمثان الإشارات التي عصفت بالمنطقة في الأسابيع الأخيرة، فكان أوّل ضحايا القرار الإقليمي “الكبير” بضرب صناعة الكبتاغون وتجارته. أغارت طائرات حربية أردنية على منزله، وأمطرته بالصواريخ، فقضى عن 47 عاماً تحت ركام منزله، تاركاً خلفه مئات ملايين الدّولارات ومئات العقارات والمطاعم ورؤوس المواشي التي جناها من تجارته بالمُخدّرات عبر الحدود.
بحدود السّاعة الرّابعة والنّصف من فجر الإثنين الماضي، كانت الصّواريخ الموجّهة التي أطلقها سلاح الجوّ الأردنيّ تكتبُ نهاية مرعي رويْشد الرّمثان، تاجر المُخدّرات الأقوى والأشهر في منطقة جنوب سوريا، في خلال غارتيْن شنّهما سلاح الجوّ الأردنيّ في جنوب سوريا. وقد استهدَفت الأولى مصنعاً للمُخدّرات في درعا، وأمّا الثّانية فقطفت رأس المعروف بأنّه “إسكوبار الجنوب السّوريّ” في محافظة السّويداء.
ترَكَ خلفه شركاءه من كبار تُجّار المُخدّرات في الجنوب السّوريّ، الذين تواروا عن الأنظار منذ اللحظة التي قُتلَ فيها.
أشارت وكالة رويترز إلى ما سمّته ارتباط الرّمثان بالحزب، تماماً كما أعلن المرصد السّوريّ لحقوق الإنسان الذي قال إنّ “أبا حمزة” تربطه علاقة قوية بتجّار مخدّرات وحشيش مشهورين في لبنان
من هو “إسكوبار” السوريّ؟
“إسكوبار السّوريّ”، تيمّناً بتاجر الكوكايين الكولومبي الأشهر “بابلو إسكوبار”، ينحَدِرُ من قرية الشّعاب في بادية السّويداء. قبل الغارة، لم يكن المرء ليجدَ صورةً له، فهو كانَ حريصاً على عدم انتشارِ صوره، وكذلك أيّ معلومة عنه.
على طريقة “الصعود الصاروخي” للعاملين في المجالات الممنوعة، تحوّلَ راعي الأغنام في البادية السّوريّة، إلى واحدٍ من أثرى الشّخصيات على امتداد الخارطة السّوريّة، خلال سنوات الحرب السّوريّة، ليتصدّر اسمه لوائح تُجّار ومُهرّبي المُخدّرات لدى أجهزة الاستخبارات الأردنيّة. وبلدته لم تخرج في تظاهرات ضدّ النّظام منذ 2011. وكذلك كانت من البلدات القليلة التي لم تشهد أيّ اشتباكات أو قصفٍ، إلا الذي نفّذته الطائرات الأردنيّة قبل أيّام.
مع اشتعال الحرب، بات زعيم عشيرته المُنتشرة على جانبَيْ الحدود الأردنيّة – السّوريّة، وأخذ يزيد من نشاطه في تهريب المُخدّرات والسّلاح عبر أراضي المملكة الأردنيّة الهاشميّة.
تُعدّ عشيرة الرّمثان من العشائر المُوالية للنّظام. تحت هذا الغطاء، شكّلَ “أبو حمزة” ميليشيا من مئات المُسلّحين، غالبيّتهم العُظمى من أقربائه، للسّيطرة على مناطق واسعة في بادية السّويداء، ذات التضاريس المُعقّدة.
كانَ هذا التّعقيد الجغرافيّ ملاذاً آمناً ليعمل عبره على توزيع عدّة معامل لصناعة وتوضيب المُخدّرات، كانت تدرّ عليه عشرات ملايين الدّولارات شهريّاً.
تورّطه في الاعتداء على الأردن
تشير المعلومات إلى أنّه كانَ يقفُ وراء عمليّة التهريب عبر الطّائرات المُسيّرة، التي أحبطتها قوّات الأمن الأردنيّة قبل أشهر قليلة. كذلكَ يُعدّ الاشتباك الحدوديّ الذي شهدته الحدود الأردنيّة السّوريّة مع مجموعاته في نيسان الماضي واحداً من الأحداث الشّهيرة التي تحملُ بصمات “أبي حمزة”.
أدّى الاشتباك حينذاك إلى مقتل 4 من أفراد عشيرته، برصاص حرس الحدود الأردني أثناء محاولتهم تهريب المخدّرات، وكان من بين القتلى طفل دون سنّ الـ14 عاماً.
أشارت وكالة رويترز إلى ما سمّته ارتباط الرّمثان بالحزب، تماماً كما أعلن المرصد السّوريّ لحقوق الإنسان الذي قال إنّ “أبا حمزة” تربطه علاقة قوية بتجّار مخدّرات وحشيش مشهورين في لبنان.
اللّافت أنّ اسم مرعي الرمثان ظهر منذ سنة في تقرير على تلفزيون النظام الرسمّي يشير إلى تورّطه في عمليات تهريب المخدّرات. وذلكَ على الرّغم من تأييد الرّمثان للنّظام، وتزعّمه ميليشيا موالية وتم سجنه حتى كانون الأوّل من العام الماضي حين تدخلت قيادة الحزب مع النظام السوري فأطلق سراحه.
الأيّام المُقبلة قد تشهد مزيداً من العمليّات التي تستهدف تجارة وتهريب المُخدّرات في سوريا. ويُؤكّد أنّ إصرار الدّول العربيّة على انتزاع التزامٍ بالقول والفِعل بمُكافحة المُخدّرات من دِمشق من شأنه “طمأنة” الولايات المُتحدة التي تُعارض التطبيع مع النّظام السّوريّ
ماذا في خلفيّات الغارة؟
تشير معلومات “أساس” التي حصلَ عليها من مصدر إقليميّ شديد الاطّلاع إلى أنّ الغارة الأردنيّة جاءَت بعد تبادل معلومات استخباريّة بين دِمَشق وعمّان عن كلّ النّقاط التي يستخدمها الرّمثان وغيره لتصنيع وتوضيب وتهريب المُخدّرات، بما في ذلكَ مخزن للطّائرات المُسيّرة كانَ يستخدمه الرّمثان لتهريب بضاعته جوّاً.
جاءَت غارة “خراب الشّحم” بعد أيّامٍ من اجتماع وزراء خارجيّة السّعوديّة والأردن ومصر وسوريا والعراق في العاصمة الأردنيّة عمّان. تضمّن البيان الختاميّ للاجتماع أنّ دمشق وافقت على اتّخاذ الخطوات اللازمة لوقف التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق.
قبل ساعاتٍ من الغارة، كانَ وزير الخارجيّة الأردنيّ أيمن الصّفدي يُصرّح عبر شبكة “CNN” الأميركيّة: “نحن لا نتعامل مع تهديد تهريب المخدّرات باستخفاف، سنقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا للقضاء على هذا التهديد”.
بعد الغارة بساعات، أطلّ الصّفديّ في مؤتمرٍ صحافيّ مع نظيره الهولندي ليكشفَ عن اتفاق أردني سوري على تشكيل فريق أمنيّ سياسي مشترك لمواجهة خطر المخدّرات والانتهاء منه بشكل كامل، وقال: “سنتواصل مع وزارة الخارجية السورية لاتّخاذ آلية عمل واضحة”.
يقول المصدر إنّ الأيّام المُقبلة قد تشهد مزيداً من العمليّات التي تستهدف تجارة وتهريب المُخدّرات في سوريا. ويُؤكّد أنّ إصرار الدّول العربيّة على انتزاع التزامٍ بالقول والفِعل بمُكافحة المُخدّرات من دِمشق من شأنه “طمأنة” الولايات المُتحدة التي تُعارض التطبيع مع النّظام السّوريّ.
إقرأ أيضاً: اشتباك سعوديّ إيرانيّ في لبنان؟
يُضاف إلى ذلك أنّ الدّول العربيّة، وتحديداً السّعوديّة والإمارات وسلطنة عُمان، تُحاول أن تلعبَ دوراً أساسيّاً في مُحاولة إنهاء ملفّ الصّحافي الأميركيّ المخطوف في سوريا أوستن تايس، وذلك في إطار طمأنة الأميركيين وتعزيز وجهة النّظر العربيّة الداعية إلى التطبيع مع النّظام السّوريّ لحلّ الملفّات العالقة مثل مسألة النّازحين وتجارة المُخدّرات والمخطوفين وغيرها.
هكذا قُضيَ الأمر واتُّخِذَ القرار عربيّاً: لن تكون سوريا مُنطلقاً لعصابات تهريب المُخدّرات نحوَ الدّول العربيّة. وبدأت ترجمة القرار على الأرض… والآتي أعظم.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@