انفجار مرفأ بيروت مثل اليوم في 4 آب قبل ثلاث سنوات.
وانفجار الاشتباكات في مخيّم عين الحلوة.
وانفجار الطروحات حول النظام اللبناني. من حماية دستور الطائف إلى الفدرالية. إلى ما بعد ما بعد الفدرالية، من توقٍ كامنٍ إلى طلاق كامل…
قضايا مفصليّة. يقف وسطها كلّها لاعب واحد. هو الحزب. قاسمها المشترك وحده الحزب. مُتّهَماً. ومتّهِماً.
فهل تضيع الحقائق؟
*******************************
يتأمّل أحد ذوي ضحايا انفجار المرفأ بقايا الأهراءات. كأنّها بقايا وطن وحياة.
يفكّر أنّ حقيقة خسارته طُمرت هناك. دُفنت مع تلك الأنقاض والركام والدمار.
لمجرّد أنّ الحزب ارتاب من الحقيقة.
منذ البداية توجّس الحزب من عمل قاضٍ محقّق. اعتبر أنّه يستهدفه بتحقيقاته لكشف المجرم. فصارت الحقيقة ممنوعة ومحظورة. وصار ملفّ تفجير عاصمة كاملة للمرّة الأولى في التاريخ، طيّ الحفظ
منذ بداية تحرّكنا جاؤوا بأحد الأشخاص من أهالي الضحايا، لتفخيخ تحرّكنا. رفعوا معنا شعار نريد الحقيقة.
فجأة، وبعدما طُمس التحقيق، اختفى هذا الشخص. كأنّ مهمّته أُنجزت.
منذ البداية توجّس الحزب من عمل قاضٍ محقّق شابّ. اعتبر أنّه يستهدفه بتحقيقاته لكشف المجرم. فصارت الحقيقة ممنوعة ومحظورة. وصار ملفّ تفجير عاصمة كاملة للمرّة الأولى في التاريخ، طيّ الحفظ.
من يصدّق قصّة استهداف الحزب بالتحقيق؟
من يستهدفه أصلاً؟
طارق البيطار؟ ابن العائلة القومية السورية الملاصقة لجغرافيا الشام؟
أو مِن خلفه غسّان عويدات؟ الذي حاكم والده سمير جعجع في الزمن السوريّ؟
أم مِن خلفهما سهيل عبّود؟ سليل مارون عبّود، الذي لم يُعيّن في منصبه، إلا بعد فنجان قهوة مُرّة من يد جبران باسيل في منزله؟
أم يستهدف الحزب مِن خلف الثلاثة، وزيرُ عدل باسيل نفسه، في عدليّة باتت بعد ستّة أعوام من عهد ميشال عون، “جهازاً قضائياً”، مثل باقي أدوات أنظمة الأجهزة، ولو مع استثناءات قليلة مكتومة؟
من يصدّق أنّ الحزب ارتعب من هؤلاء؟
حتى أخذه رعبه منهم إلى تعطيل حكومة، بعد أيّام قليلة على قراره هو بتشكيلها، مع مَن بقي مِن موالين.
لا بل أخذه رعبه هذا إلى ملامسة حرب أهليّة شاملة. يوم تفلّت مئات المسلّحين، يضجّون في شوارع السلم الأهليّ الهشّ، بعتاد ميليشياويّ مذهبي كامل، من أسلحة الرصاص والكلام والشعار، من صوب ضاحية الحزب صوب الطيّونة؟
من يصدّق؟
اليوم يقال إنّه يوجد وسط كلّ ما يحصل في المنطقة مركزٌ واحدٌ شاغرٌ لموقع لاعب إقليمي كبير. وإيران مستشرسة لنيله وملئه ولعبه. بأيّ ثمن كان. والورقة الفلسطينية أساسية لذلك. مطلوب إمساكها بالتأكيد. ولو مات مَن مات وقتل مَن قتل مِن دماء “سنّيّة – سنّيّة”
وفيق صفا طلب منّي ذلك
في المقابل، “بلى” يقول العارفون بأسرار الحزب.
“بلى” كان ثمّة استهداف كامل ومباشر له. القاضي قال أمام أكثر من طارئ ومتطفّل وهاوٍ ومُخبر، إنّه سيقضي على هذه الطبقة برمّتها، وإنّه سيلاحق المسؤولين فيها كلّهم، وإنّه سيأتي بحسّان دياب شخصيّاً ليطرح عليه سؤالاً واحداً فقط: من طلب منك عدم النزول إلى المرفأ؟ حتى يسمع القاضي المتحمّس المندفع والمؤمن بأنّه مرصود لدور وطني إلهيّ كبير، جواباً بسيطاً من رئيس الحكومة السابق، جواباً يقولون إنّ القاضي افترضه منذ البداية وقبل قيامه بأيّ تحقيق: “وفيق صفا هو من طلب منّي ذلك”.
“هذا كلّ شيء. يمكنك الانصراف”.
هكذا كان سيقول البيطار لدياب، ليبدأ بعدها الانقلاب!!
من يصدّق هذه الرواية الحزبلاهيّة؟ يجيب العارفون أن لا لزوم للسؤال. فلدى المعنيّين بها تسجيلات صوتية لكلام من هذا النوع، لأنّ أصحاب السيناريو الانقلابي لم يكونوا محترفين. لحسن الحظّ أو لسوئه. فهم لم ينتبهوا ولم يتنبّهوا ولم يحذروا. بل تحدّثوا وأسهبوا وتباهوا. ولم يعرفوا أنّ هناك من يرصد ويسجّل ويوثّق…
الموت.. وعين الحلوة
تمرّ الذكرى الثالثة لضحايا 4 آب وحقيقة موتهم، فيما الموت يطلّ من مخيّم عين الحلوة.
هناك حيث الكثير من دروس التاريخ الحديث والجغرافيا الحمراء.
من هناك كانت أولى نُذُر الحرب. مع تظاهرة شركة “بروتيين” واغتيال معروف سعد. بعدها اختلط الرصاص والسلاح اللبنانيان بمثيلَيْهما الفلسطينيَّين ثمّ بسواهما من مشاريع المنطقة المتفجّرة. حتى انفجر لبنان.
قيل يومها إنّ أبا عمّار قال لأحد حواريّيه: السادات ذاهب إلى التسوية حتماً. بعده لن يتّسع باب السلام لاثنين. إمّا أنا وإمّا الأسد. فبدأ الصراع الوجودي بينهما. من الصاعقة في صيدا. حتى إمارة طرابلس الإسلامية.
انتصر الأسد. ربح أبو عمّار أوسلو. خسر لبنان كلّ شيء. بحربهما. كما بسلم عرفات. وأخيراً بهيمنة الأسد.
اليوم يقال إنّه يوجد وسط كلّ ما يحصل في المنطقة مركزٌ واحدٌ شاغرٌ لموقع لاعب إقليمي كبير. وإيران مستشرسة لنيله وملئه ولعبه. بأيّ ثمن كان. والورقة الفلسطينية أساسية لذلك. مطلوب إمساكها بالتأكيد. ولو مات مَن مات وقتل مَن قتل مِن دماء “سنّيّة – سنّيّة”.
أصلاً ليست صدفة ظاهرة التوتّرات السنّية – غير الشيعية في الآونة الأخيرة. من شبعا وكفرشوبا إلى راشيا انتهاء بالقرنة السوداء.
مشهد يمحو نكبة 7 أيار بالكامل. ويرسم صورة مختلفة كلّياً.
لكن في رواية الحزب لانفجار عين الحلوة، والغريب أنّها سُرّبت قبل اندلاع الاشتباكات، أنّ ماجد فرج جاء حاملاً أمر عمليات بضرب “فصائل المقاومة”. خدمة لإسرائيل وللتخفيف عنها في مواجهات الداخل.
كأنّ وظيفة مخيّمات لبنان هي التحوّل قاعدة مساندة خلفيّة مسلّحة للداخل الفلسطيني.
أو كأنّ خبرة “فتح” العتيقة جدّاً في لبنان انتهت إلى سذاجة الطلب من نجيب ميقاتي مصادرة سلاح عمره أكثر من نصف قرن، من الناعمة إلى قوسايا وما بينهما، الآن وسط شغور الرئيس والمركزي والحكومة وكلّ فوضى لبنان… وفوراً.
أيّ الروايتين هي الأصحّ؟
طبعاً لا جواب الآن. ولا لاحقاً. فحيث يسقط ضحايا بالعنف السياسي المدبّر والمخطّط له، تكون الضحيّة الأولى هي الحقيقة.
تماماً مثل سقوط معروف سعد. مثل سيّارة الفيات التي سبقت بوسطة عين الرمانة. مثل شبح أبو عدس في زلزال 14 شباط. وكلّ أشباح الموت المكتوم.
بين الحقيقة الممنوعة في انفجار 4 آب عبر القضاء، وبين الحرب المفروضة بالدم في عين الحلوة، يقف قسم كبير من اللبنانيين متسائلين:
هل من إمكانية بعد لقيام دولة مشتركة مع هذا الواقع المسلّح؟
وبعفوية كاملة وتلقائية فورية، يجيبون: لا مجال إطلاقاً. فلنذهب إلى خيارات أخرى. أوّلها الفدرالية.
الحزب يريد الاستمرار في هذا النظام، ليستكمل نقل مقدّرات الجماعات اللبنانية كلّها إليه. وتحديداً بواسطة النظام المركزي.
إقرأ أيضاً: أبعد من عين الحلوة: ضرب فتح… القرار الفلسطيني المستقلّ
وحده النظام المركزي سمح له بامتلاك الثروة. كيف؟ بالهيمنة بالقوّة والسلاح والتفلّت من القوانين ومخالفة أنظمة المال والمحاسبة والجمارك والتربية والصحّة وكلّ قانون. وضع يده على القطاع الخاصّ بالبلطجة وبابتزازات وزارة المالية. ووضع يده على إدارة الدولة بالزبائنية والإغراق والإنفاق الفاسد. وراح ينقل الثروة تدريجياً من القطاعين الخاصّ والعامّ، ومن السُّنّة والمسيحيين وآخر الدروز، إليه…
هكذا صار السُّنّة والمسيحيون بلا زعامات وبلا مشاريع وطنية. تُرفع في مناطقهم إعلانات شراء باسبور دولة “بيليز” وأخواتها للهجرة. فيما بيئة الحزب ممسوكة بقبضة حديدية. وتحترف شراء الأراضي بحقائب المال الكاش.
يحسمون الجواب..
لا يمكننا الاستمرار في هذا الفخّ. الفدرالية الآن. وإلّا الزوال قريباً.
يبقى السؤال: هل هذا هو الواقع فعلاً؟ هل هذا هو الحلّ الوحيد المتاح؟
مسألة تستحقّ مزيداً من بحث وتفصيل.