الغرب يخطّط: كيف نصادر 300 مليار $ من روسيا؟

مدة القراءة 5 د


تملك روسيا 300 مليار دولار موظّفة كودائع في البنوك الأميركية والأوروبية. وضعت حكومات هذه الدول يدها على هذه الودائع منذ نشوب الحرب في أوكرانيا (أو على أوكرانيا).

تدرس الآن هذه الدول، بما فيها الولايات المتحدة، مشروعاً لمصادرة هذه الودائع الماليّة ومنحها إلى أوكرانيا تعويضاً لها عمّا لحق بها من دمار وخراب.

يعطّل هذا الموقف مساعي التسوية السياسية بين روسيا وأوكرانيا، على الرغم من عدم إعلانه على نحو واضح بعد. ويعود ذلك حتى الآن إلى أنّ المصادرة سابقة لا تستطيع الدول الأوروبية ذاتها أن تتحمّلها. وفي مقدَّم هذه الدول ألمانيا. فبولندة ما تزال حتى اليوم تطالب بالتعويض عمّا لحق بها من دمار وخراب جرّاء الاحتلال الألماني. حتى إيطاليا (الفاشية) التي احتلّت أثناء الحرب أجزاء من دول الجوار الأوروبي وليبيا، تخشى من أن يشكّل منح الأموال الروسية الموظّفة في الدول الغربية إلى أوكرانيا تعويضاً لها، سابقة بمفعول رجعي. تخشى إسرائيل نفسها، التي تعامَل وكأنّها فوق القانون الدولي، من أن تعزّز هذه السابقة التي تُفرض على روسيا المطالب اللبنانية بالتعويض جرّاء ما لحق بلبنان من الاحتلال ومن سلسلة الاعتداءات العسكرية التي قامت بها القوات الإسرائيلية.

تملك روسيا 300 مليار دولار موظّفة كودائع في البنوك الأميركية والأوروبية. وضعت حكومات هذه الدول يدها على هذه الودائع منذ نشوب الحرب في أوكرانيا (أو على أوكرانيا)

إلا أنّ الموضوع الأشدّ سخونة في هذا الأمر هو انعكاس مصادرة الأموال الروسيّة المودعة في أسواق المال الغربية (أوروبا وأميركا) على مساعي التسوية السياسية بين موسكو وكييف.

بدأت عملية المصادرة فعلاً بحمل روسيا على بيع الأندية الرياضية التي تملكها في أوروبا، وخاصة أندية كرة القدم في بريطانيا، ثمّ في مصادرة يخوت الأثرياء الروس الموجودة في المرافئ والمنتجعات السياحية الأوروبية.

خسائر أوكرانيا أكبر بكثير

في تقدير البنك الدولي يبلغ حجم الخسائر الأوكرانية 411 مليار دولار (علماً أنّ حجم الدخل القومي الأوكراني لا يزيد على 150 مليار دولار فقط). وقد وُضع هذا التقدير قبل تفجير سدّ “كافوكا” الذي أغرق الزرع وغمر قرى وبلدات أوكرانية عديدة.

مع ذلك تبقى هذه الأرقام والوقائع تفاصيل وحسب. أمّا الأساس فإنّه يتعلّق بالمبدأ، وهو مصادرة ودائع دولة نووية كبرى بعد إدانتها من قبل خصومها السياسيين بانتهاك القانون الدولي.

يمكن اتّهام روسيا، لكن لا يمكن الحكم عليها إلا من خلال الأمم المتحدة، وتحديداً من خلال مجلس الأمن الدولي. لكنّ روسيا تتمتّع بحقّ النقض في المجلس، الأمر الذي يجعل صدور قرار بالإدانة لتبرير مصادرة الأموال والودائع أمراً متعذّراً. أمّا المصادرة عبر قرارات ثنائية يتّخذها خصوم روسيا وأعداؤها فإنّها تفقد شرعيّتها الدولية إذا اتُّخذت خارج المنظمة الدولية. بل إنّ هذه القرارات تُضاف إلى سلسلة العمليات الحربية عن طريق المال والاقتصاد. وإذا حدث ذلك فسيُشكّل سابقة جديدة وخطيرة في النظام الدولي ليس فقط على صعيد التوظيفات المالية، إنّما على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادية، وعلى صعيد الثقة المتبادلة بين الدول في إطار نظام دولي يتهاوى.

يحمي القانون الدولي، والقوانين الوطنية المحلّية المعتمدة حالياً، ودائع الدول من أيّ شكل من أشكال المصادرة. في دول الاتحاد الأوروبي وحدها يبلغ حجم الودائع الروسية 225 مليار دولار. ويحتاج فعل مصادرتها إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، لكنّ روسيا التي تملك حقّ النقض (الفيتو) قادرة بسهولة على قطع الطريق أمام صدور مثل هذا القرار.

من أجل ذلك قد تعمد الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى استصدار حكم من المحكمة الدولية في لاهاي لإعطاء بُعد قانوني دولي لمصادرة الودائع الروسية. وهنا أيضاً لا بدّ من موافقة روسيا وإلّا يفقد القرار شرعيّته.

يدرك الاتحاد الأوروبي أنّ مصادرة الودائع الروسية من جانب واحد معناها تجاوز القانون الدولي وانتهاكه

لذلك تبحث الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عن حلّ آخر. ويقضي الحلّ المقترح برفع الرسوم على الودائع المالية الروسية إلى مئة في المئة. ويطرح مثل هذا الإجراء علامة استفهام عن صدقية التعامل مع المصارف الأوروبية.

للخروج من المأزق تبلور اقتراح آخر يقول بتجميد الودائع الروسية إلى أن تعوّض روسيا نفسها على أوكرانيا بما تقبل به أوكرانيا ذاتها. ويبقى التجميد إلى أن يحصل هذا القبول.

القانون الدولي يسمح بالابتزاز؟

من هنا السؤال: هل يسمح القانون الدولي بتجميد ودائع دولة (كبرى) عقاباً لها أو ابتزازاً أو حتى لحملها على القبول بشروط تسوية سياسية؟

يدرك الاتحاد الأوروبي أنّ مصادرة الودائع الروسية من جانب واحد معناها تجاوز القانون الدولي وانتهاكه.

ينصّ القانون على حقّ كلّ دولة بأن تكون بأمان من الإجراءات القانونية المعتمدة في الدول الأخرى، وعلى أن تكون ممتلكاتها في مأمن حتى من قضايا الديون المالية.

من هنا تستمدّ العقوبات المفروضة على روسيا شرعيّتها فقط من أنّها أداة للضغط عليها من أجل الالتزام بالقانون الدولي.

أمّا مصادرة الممتلكات فيقع في إطار انتهاك هذا القانون الدولي. من أجل ذلك تتعثّر مصادرة الودائع الروسية بانتظار ابتداع وسيلة أخرى تلتفّ على القانون الدولي ولا تنتهكه.

قد تتوقّف الحرب في أوكرانيا. فالتاريخ لا يعرف حرباً بلا نهاية. لا بدّ أن يتعب المتحاربون. ولا بدّ أن يلجأوا في الحسابات الأخيرة إلى التسوية. لكنّ حرب مصادرة الودائع لا تتوقّف. فالودائع هي حقوق للدولة، أيّ دولة، وبالتالي للشعب. والمصادرة تتحوّل من هذا المنظار إلى عقاب جماعي. من أجل ذلك يحرّمها القانون الدولي. وهو الأمر الذي يضع الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين في مأزق.

إقرأ أيضاً: نهاية حرب أوكرانيا: لا غالب ولا مغلوب؟

اتُّهمت روسيا بخرق القانون الدولي حين شنّت حرباً على أوكرانيا. فهل تُتّهم الولايات المتحدة (ودول الحلف الأطلسي) بخرق القانون الدولي أيضاً بمصادرة الودائع الروسية الموظّفة لديها؟

سلبيّتان لا تصنعان إيجابيّة. سلبيّة شنّ الحرب، وسلبيّة مصادرة الودائع.

مواضيع ذات صلة

إلى الدّكتور طارق متري: حول الحرب والمصالحة والمستقبل

معالي الدكتور طارق متري المحترم، قرأت مقالك الأخير، بعنوان: “ليست الحرب على لبنان خسارة لفريق وربحاً لآخر”، في موقع “المدن”، بإعجاب تجاه دعوتك للوحدة والمصالحة…

“حزب الله الجديد” بلا عسكر. بلا مقاومة!

أكّد لي مصدر رفيع ينقل مباشرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله: “أنا لا أثق بأيّ اتّفاق مكتوب مهما كانت لديه ضمانات دولية من أيّ قوى…

هل تنأى أوروبا بنفسها عن عقدة محرقة غزّة؟

بعد 412 يوماً من الإمعان في إشعال المحرقة في فلسطين ولبنان، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باعتقال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المخلوع…

لبنان “صندوق بريد” بين إسرائيل وإيران

ما تسرّب من “المبادرة الأميركية” التي يحملها آموس هوكستين مفاده أنّه لا توجد ثقة بالسلطات السياسية اللبنانية المتعاقبة لتنفيذ القرار 1701. تقول الورقة بإنشاء هيئة…