فلسطينيو لبنان: لماذا “يفترسون” بعضهم بعضاً؟

مدة القراءة 6 د


فوجئتُ بمقالة موقع “أساس” قبل يومين عن الصراع الفلسطيني – الفلسطيني بمخيّم عين الحلوة الذي يوشك أن ينفجر. وما فهمتُ أسباب خلاف باسل الحسن، المسؤول عن لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني برئاسة الحكومة، مع أشرف دبور سفير فلسطين في لبنان.

المهمُّ أنّ الصراع الذي توقّعه الكاتب انفجر بالفعل، وما كان بين “فتح” و”حماس” بل وقع بين “فتح” وأحد مغاور عصبة الأنصار الشهيرة من الضنّية إلى مخيّم نهر البارد إلى عين الحلوة وغيرها وغيرها. في كلّ مرّةٍ يسقط قتلى وجرحى، ويُروَّع سكان المخيّم ومدينة صيدا، ثمّ يحصل وقفٌ لإطلاق النار ويختفي المتصارعون إلى أجل مسمَّى أو غير مسمّى لتعود الكرّة. كأنّما هو نضالٌ جهاديٌّ مستمرّ ضدّ دولة الكيان الصهيوني!

من الطبيعي أن تكون هناك ردود أفعال تلقائية أو منظّمة. وهي منظّمةٌ بالفعل لصعوبة الحصول على السلاح حتى الخفيف منه إلّا من خلال التنظيم. وهكذا لا تتوقّف دورات العنف في الداخل الفلسطيني وعلى الداخل الفلسطيني المحتلّ

كانت أنظارنا تتوجّه إلى مصر بعيداً عن المخيّمات ومشكلاتها، لأنّ الفصائل الفلسطينية تجتمع للمرّة المئة هناك ويحضر الاجتماع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وبالطبع الموضوع المطروح للمرّة الألف: الوحدة الفلسطينية المفقودة، وضرورة استعادتها في وجه العدوّ الإسرائيلي. ومن البداية ما بدا الاجتماع واعداً. إذ غابت عنه حركة الجهاد، والجبهة الشعبية. وكما هو معروف فإنّه منذ عامٍ وأكثر تبدو حركة الجهاد وحيدةً في مواجهة إسرائيل ليس في الضفّة الغربية ومخيّم جنين فقط، بل وفي الصواريخ القليلة التي تُطلق من غزّة. وفي حين صارت “حماس” جزءاً من المشهد الشرق أوسطي فيما بين إيران وتركيا وقطر وسورية ولبنان، ما تزال حركة الجهاد وحيدة الولاء والدعم من جانب إيران.

وحشية إسرائيل غير المسبوقة

ما عاد من الممكن بالطبع اتّهام هذا الجانب الفلسطيني أو ذاك بأنّه هو الذي يبدأ القتال لتوريط الآخرين، وخدمة هذا الطرف أو ذاك في المشهد الإقليمي، لأنّ العدوَّ الإسرائيلي فاقت وحشيّته كلَّ الحدود المعقولة في زمن هذه الحكومة الشديدة التطرّف. هناك قتلٌ كلّ يوم وعمداً أو بالمصادفة، أو بأسلحة المستوطنين. ويضاف إلى ذلك بانتظام اقتحاماتُ المسجد الأقصى التي بدأت من سنواتٍ ولن تنتهي، وهذا إلى تغوّل الاستيطان، ومحاصرة الشعب الفلسطيني في منازله ومزارعه. ومن الطبيعي أن تكون هناك ردود أفعال تلقائية أو منظّمة. وهي منظّمةٌ بالفعل لصعوبة الحصول على السلاح حتى الخفيف منه إلّا من خلال التنظيم. وهكذا لا تتوقّف دورات العنف في الداخل الفلسطيني وعلى الداخل الفلسطيني المحتلّ، كما لا تتوقّف الإجابات الانتحارية على العنف المستشري.

بالطبع الداخل الفلسطيني المستضعَف والمضطهَد كلّ يوم، يشعر بالفخر للجانبين: جانب الاستشهاد، وجانب الشبّان المقاومين. قالت لي سيّدة فلسطينية من الخليل قبل شهور إنّ من أسرتها مسجونين من سنوات، لكنّها تشعر بالاعتزاز لأنّ أحد أفراد أُسرتها استُشهد أخيراً ولم يسقط راكعاً ولا هارباً، بل وهو يطلق النار.

الطرف الأضعفُ بين الفلسطينيين تحت الاحتلال اليوم هو حكومة السلطة أو حكومة أبي مازن. فعامّة الفلسطينيين يتّهمونها بالتخاذل أو حتى بالخيانة. أمّا الحزبيون الفلسطينيون فيقولون إنّ أعداد مناضليهم في سجون السلطة أكثر من الشهداء. يقولون: نحن نقاتل عدوَّين: الإسرائيليين وشرطة السلطة. والسلطة مرتبطة باتفاقيات مع الجيش الإسرائيلي والإدارة العسكرية والأمن وعليها أن تمنع المسلَّحين بقدر الإمكان. وهذه السلطة تقول أيضاً إنّ المسجونين عندها من التنظيمات تقوم غالباً باعتقالهم لحمايتهم من القتل على أيدي قوات الاحتلال! وكان لديها دائماً سلاحان في وجه إسرائيل: إيقاف التعاوُن الأمنيّ، والتهديد بحلّ السلطة الفلسطينية. ثمّ تخلّت عن التهديد بالانحلال، برؤيةٍ جديدةٍ تقول: السلطة وأجهزتها، وهي من بقايا اتفاق أوسلو (1993)، هي ميزة للشعب الفلسطيني على طريق التحرير والدولة، ولا ينبغي تسليمها بدون ثمنٍ للاحتلال. لكنّ الذين غابوا عن اجتماع العلَمين بمصر هذه الأيام يقولون إنّ السلطة وعدت بإطلاق سراح بعض الأسرى قبل اجتماع القاهرة، لكنّها لم تفعل.

الطرف الأضعفُ بين الفلسطينيين تحت الاحتلال اليوم هو حكومة السلطة أو حكومة أبي مازن. فعامّة الفلسطينيين يتّهمونها بالتخاذل أو حتى بالخيانة

شرعية “حماس”.. و”فتح”

هل تحوّلت السلطة الفلسطينية إلى عبءٍ على الشعب الفلسطيني؟ هكذا يقول الفلسطينيون المتشدّدون. وشاهِدهم على ذلك أنّ السلطة والذين يدعمونها من الجهات الدولية لا يستطيعون حتى حماية الفلّاحين الفلسطينيين العزَّل من هجمات المستوطنين، فضلاً عن قوات الاحتلال: فما فائدة استمرارها؟!

هل لظهور “حماس” وقوّاتها المسلَّحة ومؤسّساتها وممثّليّاتها بغزّة والداخل بعامّة، وفي الشرق الأوسط وخارجه وحتى في مخيّمات لبنان، فائدة للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال؟ الأنصار يقولون: نعم، لإبقاء شعلة الكفاح متوقّدة، بينما خصومها يقولون إنّها غير مفيدة لأنّها تعمل بالدرجة الأولى كسلطة مضادّة، فهي تستطيع التفاوض مع إسرائيل، لكنّها لا تتفاوض حقّاً مع أجهزة محمود عباس. فالانقسام أعمق من إمكان التفاوض الذي تتدخّل فيه جهات عدّة إلى جانب مصر المستقبِل الدائم للتنظيمات الفلسطينية ولممثّلي السلطة.

يجتمع القادة الفلسطينيون في مصر للمرّة المئة كما قلنا للتفكير بالوحدة الوطنية الفلسطينية. حماس لها مطالب، والسلطة لها مطالب. ولا يفكر أيٌّ منهم كثيراً في استراتيجية جديدة ممكنة لمواجهة افتراس الاحتلال لهم جميعاً. ومن مصر سيخرجون كالعادة ببيانٍ ترغمهم عليه مصر لكي لا يبدو العجز، ولا يستشري اليأس في أوساط الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وحتى في المهاجر.

إذا كان التنافُس بين “فتح” و”حماس” في مصر وخارجها مفهوماً أو متعقَّلاً، وما عاد يمكن تجاهله، فعلى ماذا يقتل فلسطينيّو المخيّمات في لبنان أنفسهم وجيرانهم. التنظيمات المتطرّفة ومنها عصبة الأنصار مرضٌ قاتلٌ، لكنّه موجود في المخيّمات منذ حوالى ثلاثة عقود. وهم يرتزقون بسلاحهم وبكلامهم العالي النبرة، ولا أحد يدري كيف يعيشون وكيف يتصرّفون. وبالطبع هناك من يدعمهم.

إقرأ أيضاً: من يسعى للسّيطرة على المُخيّمات الفلسطينيّة؟

لا تقولوا لنا إنّ الفلسطينيين يفكّرون في استعادة وحدتهم للتسانُد في وجه إسرائيل، فهم معنيّون بالدرجة الأولى أن لا يفترس أحدهم الآخر. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…