عشيّة الذكرى الخامسة والأربعين لجريمة خطف وإخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عبّاس بدر الدين، بقيت المواقف اللبنانية والليبية متصلّبة، ولم تفضِ إلى تلبية طلب الدولة اللبنانية تحديد مصير الصدر ورفيقيه، مقابل الإفراج عن هانيبال معمّر القذافي المعتقل في لبنان منذ ثماني سنوات.
الجديد ما كشفته “الشرق الأوسط” الأحد الفائت، نقلاً عن مصدر قضائي لبناني، من أنّ “ثوّار ليبيا وعلى أثر سقوط نظام معمر القذافي، دخلوا إلى مقر إقامة هنيبال في طرابلس، وصادروا أغراضاً خاصة به، من ضمنها جهاز (تابلت) يتضمّن ملفين، الأول يحوي صوراً عائلية ومعلومات شخصيّة، والثاني يحوي وثائق عن السجون السياسية وأسماء السياسيين المعتقلين فيها، ومحاضر تحقيقات أجرتها المخابرات الليبية مع المعارضين لنظام معمّر القذافي وصور تعذيبهم، وفي الملفّ الثاني ثمة شيء يمت بصلة لقضية الصدر يُظهر فيه هنيبال عداءه للصدر شخصياً، مؤكداً أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي استحصل بطريقته الخاصة على (فلاش ميموري) يحتوي على كلّ هذه المعلومات وسلّمه إلى المحقق العدلي”، موضحاً أن القاضي حمادة “واجه هنيبال بهذه المعلومات لكنّه رفض التعليق أو الإجابة عنها”.
هكذا تنتهي حجّة أنّ “هانبيال كان طفلاً” يوم اختطاف الصدر ورفيقيه. خصوصاً أنّه اعترف بمسؤولية عبد السلام جلود عن تنفيذ الاختطاف، وأنّ والده موّل العملية.
عشيّة الذكرى الخامسة والأربعين لجريمة خطف وإخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عبّاس بدر الدين، بقيت المواقف اللبنانية والليبية متصلّبة
لهذا السبب جاء حاسماً وقاطعاً الردّ اللبناني على رسالة وزيرة العدل الليبية حليمة عبد الرحمن، التي طالبت بالتعاون مع بلادها في المجالين القضائي والقانوني من أجل إنهاء القضية. إذ أكّد المحقّق العدلي اللبناني القاضي زاهر حمادة أنّ توقيف القذّافي “جاء منسجماً مع القانون لجهة الادّعاء والملاحقة والتوقيف، ومتوافقاً مع جميع الإجراءات القانونية والقضائية ذات الصلة”. وفي انتقاد ضمني للرسالة الليبية التي تقدِّم مصلحة هانيبال على القضية اللبنانية، دعا حمادة إلى “ضرورة تفعيل مذكّرة التفاهم القضائي الموقّعة بين البلدين في آذار 2014، والتي تتضمّن التعاون على نحو مخصوص في ملفّ خطف الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين”.
القضاء الليبي: لحلول دبلوماسية
لم يتأخّر ردّ المحقّق العدلي على الجانب الليبي، خصوصاً بعدما أثارت المسؤولة الليبية مسألة تهمّ بلادها، متجاهلة كلّيّاً جريمة خطف وإخفاء الصدر التي تمثّل قضية وطنية لبنانية بقيت عصيّة على النسيان على الرغم من مضيّ أربعة عقود ونيّف على وقوعها. واعتبرت أوساط قضائية أنّ ما تضمّنه كتاب الوزيرة الليبية يثير الاستغراب.
وأشارت إلى أنّ الوزيرة حليمة عبد الرحمن “تعتبر أنّ احتجاز المواطن الليبي هانيبال معمّر القذافي لدى السلطات اللبنانية جاء على خلفيّة اتّهامات غير واضحة، وهو يتعارض مع التشريعات والقوانين المعمول بها على الساحة الدولية ومع قيم ومبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، لافتة إلى أنّ ليبيا تحرص على الحفاظ على حقوق مواطنيها داخل وخارج الدولة بما يضمن هيبة الدولة، الأمر الذي ينطبق على هانيبال القذافي، مبدية استعدادها لطرح ملفّه على طاولة المفاوضات بحيث يتمكّن الطرفان من الوصول إلى الحلول الدبلوماسية الممكنة لمتابعة الأوضاع القانونية للمعنيّ. وختمت رسالتها قائلة: حان الوقت أن يقول القضاء اللبناني العريق كلمته بتحقيق العدالة والإفراج عنه، ونحن على استعداد للتعاون من أجل إنهاء هذه القضية الإنسانية”.
ساعات قليلة وتمرّ ذكرى إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه، التي طالما عوّل المعنيون بهذا الملفّ على تقديم هديّة للّبنانيين في هذه المناسبة، لكن بالتأكيد سيتراجع بعدها الاهتمام اللبناني بقضيّة هانيبال ما لم يقدّم الجانب الليبي معطيات تقلب الأمور رأساً على عقب
من جهته، جزم مصدر قضائي مطّلع على ملفّ هانيبال القذافي لـ “أساس” أنّ “القضاء اللبناني الذي ادّعى في البداية على القذافي الابن بتهمة “كتم معلومات” في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، باتت لديه معلومات مهمّة استقاها إمّا من اعترافات هانيبال، أو من وثائق حصل عليها تفيد بأنّ القذافي الابن ضالعٌ شخصياً في الجريمة المتمادية وكان على بيّنة من مكان احتجاز الصدر ورفيقيه، إن بسبب قربه من والده الراحل معمّر القذافي واطّلاعه على كثير من أسراره، أو بالنظر إلى أنّه مسؤول عن السجون السياسية في المرحلة التي سبقت الإطاحة بنظام والده”.
القضاء اللبناني: ننتظر “البوح بالأسرار”
وشدّد المصدر لـ”أساس” على أنّ القضاء اللبناني “لن يفاوض على تسليم هذا الموقوف قبل أن يضع يده على معلومات واضحة تحدّد مصير الإمام الصدر ورفيقيه الذين فُقد أثرهم في العاصمة الليبية طرابلس في 31 آب 1978”. وأضاف: “إذا كان هانيبال يستعجل الإفراج عن نفسه، فعليه أن يُقدّم للمحقّق العدلي كلّ ما يختزن من معلومات، ويبوح بالأسرار التي تشكّل مفتاحاً للتعاون الحقيقي”. وأكّد المصدر أنّ “جزءاً من إفادة هانيبال نسف الرواية الليبية المعتمدة منذ وقوع الجريمة، والتي تتمسّك بمزاعم أنّ الصدر ويعقوب وبدرالدين غادروا العاصمة الليبية طرابلس في 31 آب 1978، وتوجّهوا إلى روما، فيما جزم القذّافي الابن أنّ ضبّاطاً في المخابرات الليبية اقتادوهم إلى منطقة جنزور ووضعوهم في الإقامة الجبرية، وأنّ عناصر استخباراتية ليبية لبست ثياب المخطوفين وانتقلت بجوازات سفرهم إلى إيطاليا لإظهار أنّ عملية الخطف حصلت في روما لا في طرابلس”.
إقرأ أيضاً: في ذكرى الإمام الصدر: الشيعة “لبنانيون” أوّلاً
في هذا الوقت تطالب منظمات دولية وناشطون مهتمّون بالدفاع عن حقوق الإنسان بالإفراج عن الموقوف الليبي، من دون أن تلقى تجاوباً من قبل القضاء اللبناني، فيما يردّ هانيبال القذافي على ذلك بإضراب متقطّع عن الطعام أدّى في أحيان كثيرة إلى نقله إلى المستشفى بصورة طارئة، وقد نجح في بعض الأحيان أن يشكّل حالة ضغط، إذ عمدت بعض العشائر الليبية إلى تحذير لبنان من المضيّ باعتقاله تحت طائلة المعاملة بالمثل، في تلميح إلى إمكانية خطف لبنانيين يعملون في ليبيا.
ساعات قليلة وتمرّ ذكرى إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه، التي طالما عوّل المعنيون بهذا الملفّ على تقديم هديّة للّبنانيين في هذه المناسبة، لكن بالتأكيد سيتراجع بعدها الاهتمام اللبناني بقضيّة هانيبال ما لم يقدّم الجانب الليبي معطيات تقلب الأمور رأساً على عقب.