لم تتحرّك فرنسا في مبادرة “الفرصة الأخيرة” بموجب “إذن” من اللجنة الخماسية بقدر ما أتاحت لنفسها حرّية حركة في إنهاء هذه المبادرة على طريقتها.
تباعاً تصل الأجوبة على السؤالين المختصرين للموفد الفرنسي جان إيف لودريان عبر السفارة الفرنسية في بيروت من جانب كتلة الرئيس نبيه برّي والحزب وجبران باسيل والحزب التقدّمي الاشتراكي وعدد من النواب في ظلّ مقاطعة نيابية من المعارضة ستُستكمل بفركشة “اللقاء” الجامع في قصر الصنوبر كما كان يخطّط له الموفد الفرنسي كخطوة تسبق إجبار مجلس النواب على الالتئام وانتخاب رئيس جمهورية في جلسات متتالية تتخلّلها حوارات داخل أروقة البرلمان للوصول إلى مرشّح تسوية.
وقف “التخبيص”
فعليّاً يُنهي لودريان في زيارته المرتقبة منتصف أيلول للبنان أحد مسارات المبادرة الفرنسية. يُقفَل مسارٌ “خبّص” الفرنسيون كثيراً في إدارته، والدليل الخفّة التي طَبعت طلب الفرنسيين الردّ على سؤالَيْ مواصفات الرئيس المقبل وأولويّاته كتابياً، ليُفتح مسار آخر سيكون الفرنسي جزءاً منه لا أساسه وسيكون أعضاء اللجنة الخماسية، واشنطن والرياض والدوحة والقاهرة، أعضاء مقرّرين فيه لكن ليس لوحدهم. إذ لا قرار أحادياً لـ “الخماسية” إلّا من وهج ما ستنتجه التفاهمات السعودية-الإيرانية انطلاقاً من زلزال نيسان الدبلوماسي في بكين، وأبعد من ذلك التقاطعات الأميركية-الإيرانية.
لكنّ توقيت “تفعيل” المسار الجديد ليس واضحاً حتى الآن ولم يكن في مداولات الدوحة ما يوحي بعكس ذلك.
لم تتحرّك فرنسا في مبادرة “الفرصة الأخيرة” بموجب “إذن” من اللجنة الخماسية بقدر ما أتاحت لنفسها حرّية حركة في إنهاء هذه المبادرة على طريقتها
بعد فترة من انعقاد اللقاء الخماسي بحضور لودريان وصل إلى هواتف عدد قليل جداً من القيادات والنواب ملخّصٌ عن لقاء الدوحة زبدته الأساسية العبارة الآتية: “أيّ حوار حالياً هو نحر للتسوية المقبلة. لا حوار قبل انتخاب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون توافقياً وبوجوده يتمّ الاتفاق على تركيبة الحكومة وقائد الجيش وحاكم مصرف لبنان والتعيينات الأساسية. ما سيسهّل الأمر إعلان انسحاب سليمان فرنجية، وهو ما يعني تلقائياً سحب ترشيح جهاد أزعور، وعندها نذهب نحو الخيار الثالث”. الترجمة الفورية لهذا الكلام اعتبار الخماسية أنّ أيّ حوار في هذا التوقيت هو حوار مع الحزب، وهو مرفوض لأنّ المفاوضات الحاسمة تجري على مستوى الإيرانيين مباشرة.
خارطة التعثّر الرئاسيّ
هكذا شكّل لقاء الدوحة جزءاً من خارطة التعثّر الرئاسي والتشدّد في رفع السقوف وليس وصفة الحلّ الحاسم.
وقد تُرجم الأمر من خلال إصرار باريس على فرض “لقاء أيلول” كممرّ إلزامي “يهدف إلى توفير مناخ من الثقة وإتاحة اجتماع مجلس النواب في أعقاب ذلك وضمن ظروف مؤاتية لإجراء انتخابات مفتوحة تتيح الخروج من هذه الأزمة سريعاً”، وهو الأمر الذي يعاكس “أجواء” الخماسية، وأيضاً من خلال ردّة فعل جبهة المعارضة على طرح لودريان الحواريّ وآليّته بدعم من البطريركية المارونية وتمسّك الحزب بترشيح سليمان فرنجية وانفتاحه على التجاوب مع شروط جبران ومناقشتها مع الحليف نبيه برّي لإنضاج التسوية على فرنجية لا أيّ مرشّح آخر. يُقابل ذلك ما تردّد من معطيات عن اجتماعات متكرّرة جمعت أخيراً أحد نواب القوات مع النائب طوني فرنجية من دون معرفة خلفيّاتها أو حصيلتها حتى الآن.
يجزم مطّلعون أن “لا لقاء جامعاً يضمّ قادة الحوار في أيلول في قصر الصنوبر أو أيّ مكان آخر، بل لقاءات ثنائية برعاية فرنسية قد يكون الأمر الجديد الوحيد فيها تبلُّغ لودريان خلاصة الحوار بين التيار الوطني الحر والحزب الذي يجهد الطرفان للتوصّل خلاله إلى تقاطعات مشتركة مع برّي ووليد جنبلاط وبعض النواب المستقلّين والكتل الصغيرة، وذلك قبل وصول الموفد الفرنسي إلى بيروت”.
بدا لافتاً، بعكس مناخات التأزيم وعشيّة وصول لودريان إلى الساحة اللبنانية المنقسمة بين معسكرين، ما أسرّ به رئيس مجلس النواب نبيه برّي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
إقرأ أيضاً: ميقاتي مرعوب: هل يعتكف عن التصريف؟
في اللقاء الأخير بين الرجلين في عين التينة َفلَشَ ميقاتي هواجسه أمام برّي معبّراً عن قلقه من سوداوية المشهد واحتمال الوصول إلى نقطة اللاعودة في تعاطي الأميركيين والأوروبيين مع لبنان كدولة مارقة، وهو ما يتيح فرض عقوبات على النظام اللبناني ككلّ وعلى كبرى القيادات السياسية والقضائية والمالية فيه، وملوّحاً بالاعتكاف “لأن ما عاد فيي اتحمّل”، مع العلم أنّ ميقاتي يضع مجلس النواب مع رئيسه على رأس قائمة المقصّرين في الإحاطة بتداعيات الأزمة منذ أربع سنوات. لكنّ جواب برّي، وفق المعلومات، كان مختصراً، وليس معلوماً هل بُني على استنتاج خاصّ منفصل عن الواقع أو بناءً على معطيات حاسمة، وقال له فيه: “طوّل بالك الانتخابات الرئاسية في أيلول”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@